كأن وسائل الإعلام التركية كانت على موعد مع الحدث، حين تسابقت الى التساؤل حول ما اذا كانت تركيا ستشكل نموذجاً لمستقبل الدول العربية التي اطاحت حكامها في ثورات شعبية. نقاشات وحوارات وأسئلة موجهة للمسؤولين المحليين والخبراء في الموضوع، ليتحول الجميع في تركيا خبراء في الشؤون العربية، أو منجمين محترفين يخمنون اسم الزعيم العربي القادم الذي سيجرفه طوفان الثورات الشعبية، ومن بين المحللين مَن بشّر باستنساخ حزب العدالة والتنمية التركي في كل قطر عربي، معللاً بأن المشكلة في العالم العربي تتلخص في وجود احزاب اسلامية يقمعها ديكتاتور متعاون مع واشنطن، وأن رفع الغطاء عن تلك الأنظمة سيفتح المجال للأحزاب الإسلامية وجماعات الإخوان المسلمين ليتحولوا فجأة الى حزب عدالة وتنمية جديد يستلهم من نظيره التركي قصة نجاحه. وشاهدنا قيادات من الإخوان في مصر وتونس تتقاطر على اسطنبول أو تُدعى اليها، وتظهر على شاشات التلفزيون لتسبّح بحمد التجربة التركية وتكرر في إصرار مبالغ فيه جملة واحدة:"نحن لا نريد الحكم، نريد نظاماً مدنياً أقرب إلى النظام التركي وليس على شاكلة النظام الإيراني". هذا النقاش العجيب والساخن عززته ? بل أطلقت شرارته - وسائل اعلام أميركية مفتوحة على تأثير اللوبيات السياسية وحملات الدعاية والعلاقات العامة التي اكتشفها حزب العدالة والتنمية التركي ضمن سعيه الدؤوب والمتواصل لتطوير آليات الدعاية والترويج لنفسه في الفضاء الأميركي والغربي، وهو سعي يؤتي ثماره ويشير الى حنكة سياسية وإدراك ? عكس بقية الأحزاب التركية ? لأهمية دور وسائل الاتصال والإعلام في المعترك السياسي. الديبلوماسية الصامتة فوجئت تركيا كغيرها من دول العالم بما حدث في تونس وبسرعة هروب الرئيس زين العابدين بن علي، وباغت الحدث تركيا الى درجة جعلتها تلجم لسان ديبلوماسيتها التي كانت تزعم أنها تشارك الى حد كبير في رسم خريطة مستقبل المنطقة. فخلال الأحداث التونسية كانت السفارات الأميركية والبريطانية والفرنسية في تونس في سباق محموم للحديث مع المعارضة والحكومة الموقتة ورجال الثورة، فيما كانت أنقرة وسفارتها في تونس تصب اهتمامها على إجلاء رعاياها من تونس وتصوير ذلك على أنه نجاح ديبلوماسي كبير. علماً أن من زار تونسوتركيا يدرك أن الأولى فيها الكثير من الثانية، فمن يتجول في شارع بورقيبة يعتقد أنه يسير في ساحة"تقسيم"في اسطنبول، ولا مجال هنا لحصر المشترك بين الدولتين، لكن، يكفي القول إن تونس حكومة وشعباً كانت مرحبة بأي تواصل مع تركيا، لكن ذلك لم يحدث. ولعل أنقرة حاولت تعويض هذا التقصير في الحالة المصرية، وكان للكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في اليوم الثامن من الثورة مخاطباً الرئيس حسني مبارك أثر مهم في دعم حماسة المتظاهرين في ميدان التحرير، وسجلت موقفاً قوياً ومهماً لتركيا خلال تلك الأزمة، لكن خطاب أردوغان شابه أمر مهم هو توقيته، إذ تأخر أردوغان في إعلان موقفه الى درجة آخذه عليها الإعلاميون الأتراك، وجاء الخطاب بعد يومين من اتصال هاتفي من واشنطن ضمن اتصالات الرئيس الأميركي باراك أوباما مع قيادات وزعماء المنطقة ليؤكد لهم انتهاء مرحلة مبارك وضرورة توحيد المواقف للضغط عليه كي يرحل سريعاً. لذا، كان من الصعب التمييز في ما إذا كانت كلمة اردوغان نابعة من موقف مبدأي حقيقي، أم انها جاءت في اطار التعاون الإقليمي والدولي من أجل الضغط على مبارك، كما أن استخدام أردوغان في ما بعد هذا الخطاب وهذا الموقف في السياسة الداخلية اثناء حملته الانتخابية الجديدة، دفع المعارضة الى التشكيك بقوة في الدوافع الحقيقية لخطابه. اما في المسألة الليبية فوجدنا أردوغان يتصل بالقذافي مرتين ليؤكد ضرورة سلامة المقيمين الأتراك واستثماراتهم، وسلامة هؤلاء قيدت حركة الديبلوماسية التركية وحالت دون استمرار الظهور القوي لأردوغان في الساحة، الى درجة جعلته عرضة لانتقادات المعارضة، حتى تحول الأمر برمته الى سجالات داخلية لا علاقة لها بالسياسة الخارجية لتركيا. وسط تلك الأحداث لفت الانتباه تحرك وزير الخارجية أحمد داود أوغلو باتجاه أبو ظبي، ولقاؤه وزيري الدفاع والخارجية في دولة الإمارات لأكثر من سبع ساعات لمناقشة تداعيات الأزمة الليبية والاتفاق على التحرك لمعالجة الوضع الإنساني الذي يزداد تفاقماً هناك، علماً أن الأجندة الأهم التي تم بحثها في الاجتماع كانت محاولة الوصول الى حل اقليمي عربي تركي لإنهاء الأزمة في ليبيا ووقف حمام الدم هناك والحيلولة دون تدخل عسكري اجنبي، فإنقرة كانت قلقة من حديث غربي في أوساط البنتاغون عن تكرار تجربة العراق، ومن إرسال قوات غربية الى ليبيا يتحول وجودها مع الوقت الى أمر واقع ويحول ليبيا الى قاعدة عسكرية غربية أو أميركية تحديداً في المنطقة. ومن الملاحظ هنا أن الديبلوماسية التركية اختارت النافذة الإماراتية لهذا التحرك بينما كانت في السابق تتحرك من خلال النافذة القطرية، إذ إن الموقف الإماراتي الذي ظهر أكثر اعتدالاً ومسؤولية ساعد على ذلك، وهو مؤشر على نمو تعاون تركي - إماراتي أكبر ربما في المرحلة المقبلة. هذا التحرك أعاد التوازن الى الدور التركي الذي عاد يتحرك في هدوء وصمت، منتبهاً الى تداعيات المرحلة وساعياً الى منع حدوث تطورات غير مرغوبة على الأرض، ولعل المستقبل سيكشف لتركيا والمنطقة أن هذا النوع من التحركات الديبلوماسية الهادئة والصامتة أهم بكثير من الخطابات الرنانة والقوية لدولة تقول إن سلاحها في المنطقة هو القوة الناعمة والديبلوماسية وليس الاستعراض. صعوبة الاستنساخ خلال الثورة المصرية كان لافتاً اتصال تركيا بالإخوان المسلمين في مصر وتونس، لم يكن الاتصال رسمياً باسم الحكومة، ولكن عبر مؤسسات مجتمع مدني اسلامية مقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم. وكان ذلك أشبه بما حدث عندما فازت حركة حماس بالانتخابات الفلسطينية فتحركت أنقرة لدعوة خالد مشعل والحديث معه، حرصاً منها على فتح طريق آخر أمامه غير تلك المؤدية الى طهران، وشملت الدعوة في حينه خطاً سياسياً أكثر اعتدالاً عرضت أنقرة على حماس تبنّيه، لكن أنقرة فشلت في إقناع حماس والغرب معاً. هذه المرة بدا كأن التأثير التركي جاء بنتيجة من خلال تصريحات القيادات الإسلامية المصرية والتونسية التي ظهرت في الصحف التركية والمؤتمرات الصحافية التي عقدت في تركيا، والتي أكدوا من خلالها إعجابهم بنموذج حزب العدالة والتنمية التركي وسعيهم الى الاقتداء به، وعدم رغبتهم في الوصول الى الحكم الآن ورفضهم النموذج الإيراني. وهي تصريحات سعت الى طمأنة الغرب تجاه دور الحركات الإسلامية في الحكم في مصر وتونس. وهذا التوجه أيضاً هو توجه تركي يرى أن أفضل السبل للقضاء على ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني يكون من خلال دمج الجماعات الإسلامية في النظام السياسي وتحميلها جزءاً من مسؤوليات الحكم، من أجل إدراك عظم تلك المسؤولية وترك الخطابات النظرية والمزايدات السياسية والتحول الى سياسات أكثر واقعية. وهو الدور نفسه الذي لعبته تركيا في دمج العرب السّنّة في العراق في النظام السياسي هناك. وعلى رغم أهمية هذا الدور التركي وحيويته، فهو يحمل في ثناياه بعض المخاطر والمجازفات، ومن أهمها الا تنجرف تركيا الى سيناريو أميركي يعمل عليه المحافظون الجدد الذين يتحفزون للوصول مجدداً الى الحكم في واشنطن بعد أقل من عامين، وهو سيناريو يقوم على تفعيل الأحزاب الاسلامية السّنّية في العالم العربي وتنشيطها واستخدامها كثقل مهم لتغذية الاستقطاب الطائفي ضد إيران في المنطقة. هذا التوجه قد يجد أصحابه الفرصة سانحة في وصول إسلاميين للحكم في تونس ومصر وليبيا والأردن، وقد رفضت تركيا سابقاً أي دور في هذا السيناريو، لكن التماهي التركي مع التحرك الأميركي في المنطقة إزاء الأازمات الراهنة، وطموح بعض القيادات الدينية العربية المتشددة، قد يدفعان بالأمور للخروج عما تراه أنقرة فتكون قد ساهمت في التمهيد لذلك السيناريو قبل أن تجد نفسها إما مضطرة للسير معه، أو تفقد خيوط التنسيق مع تلك القيادات الإسلامية التي دعمتها في العالم العربي. استنساخ تجربة حزب العدالة والتنمية في العالم العربي ليس سهلاً ويحتاج الى الكثير من الوقت، ولا يمكن القول بإمكان تحول جماعة الإخوان المسلمين الى ما يشبه الحزب الركي في يوم وليلة لأسباب عدة: أولها: ان الظروف التي مهدت الطريق أمام هذين الفريقين للوصول الى السلطة مختلفة تماماً، ففي تركيا خاضت قيادات حزب العدالة والتنمية امتحاناً عسيراً في محاسبة الذات ومراجعة النهج بعد انتكاسة نجم الدين أربكان وتجربته في الحكم والانقلاب العسكري السلمي الذي جرى ضده عام 1998، وأدت هذه المراجعة الى ولادة إرادة جديدة بلغت في تجديدها وجرأتها أن تحدت المرشد العام أربكان إن جاز التعبير وانشقت عنه، في صراع داخلي لم يشهد توجيهاً أو ضغوطاً خارجية، فكان أن بلغت التجرية نضجها بنفسها، وسطّر أصحاب التجربة إصلاحات لم تكن موجودة سابقاً في ذلك الخط الإسلامي، وهي محاسبة القائد والتناوب على السلطة والقيادة، والانفتاح على الغرب كشريك وند وليس كدار للحرب. بينما يجد الإخوان في مصر الطريق ممهدة للحكم بعد ثورة كان لغيرهم الدور الأكبر في صناعتها، فهبطت الفرصة عليهم من السماء من دون مجال لمراجعة حقيقية أو اختبار. ثانياً: إن الجو الديموقراطي ? على علاته ? في تركيا والذي ضمن نزاهة الانتخابات وتبادل للسلطة بين الكثير من الأحزاب، أسس لثقافة سياسية مهمة وناضجة بين أفراد الشعب، فحتى الجيش الذي كان يقوم بالانقلابات لم يكن في وسعه أن يزوّر الانتخابات أو نتائج الاستفتاءات، ولا راد له في ذلك سوى تلك الثقافة التي تشكلت لدى الشعب التركي الرافض التزوير بجميع أشكاله، وكان على الجيش دائماً أن يجد حجة مقنعة لتدخله لئلا يجد نفسه في مواجهة الشارع. وقد انتفض الشارع التركي على محاولات الجيش الانقلابية الأخيرة ومحاولات منع انتخاب عبدالله غل للرئاسة 2007، فرد بأن زاد من دعمه حزب العدالة والتنمية على الساحة السياسية وفي الانتخابات، وهو تفاعل مهم يلعب الشارع التركي فيه الدور الرئيسي. بينما نجد هذا الدور مغيباً تماماً في مصر وتونس اللتين اعتادتا تزوير الانتخابات وعزوف المواطنين عن المشاركة فيها. وعلى رغم الثورتين فإن الوعي السياسي القائم على تقديم النزاهة على المصالح الحزبية أو الاقتصادية، لا يمكن أن يتشكل في يوم أو شهر، وهو ما يجعل البيئة الانتخابية غير ناضجة بما يكفي لمحاسبة التجربة الجديدة التي سيشارك فيها الإخوان. وباختصار، فإنه على رغم الدور التركي المهم لحزب العدالة والتنمية في مساعدة بقية الأحزاب الإسلامية العربية للعمل على الإصلاح ودعم تجربتها السياسية، فإن على تركيا أن تقدم تجربتها الديموقراطية ملهماً لهذه الأحزاب وليس تجربة حزب العدالة والتنمية فقط، فثورات العالم العربي تجاوزت البعد الديني وهناك على الأرض شركاء آخرون غير الإسلاميين، بل ان قيادات الثورة الحقيقيين هم من غير الإسلاميين أصلاً، ولا يوجد في تلك الدول صراع إسلامي علماني حقيقي كذلك الموجود في تركيا. لذا فإن أصرت تركيا على أن تحصر مشاركتها وما تقدمه لهذه التجربة الجديدة في توجيه الاحزاب الدينية ومساعدتهم فقط، فإنها ستخسر البقية وستضع نفسها في قالب يضيق على حجمها الحقيقي. أما إن قررت تقديم نفسها كتجربة لدولة سعت الى الإصلاح في كل جوانبها من أحزاب إسلامية ومؤسسة عسكرية وأخرى اقتصادية على السواء كتجربة شاملة، في حينه يمكن الدور التركي أن يحقق تأثيراً أكبر وأفضل ينسجم مع ما هو منتظر من دولة بهذا الحجم وتلك الخبرة والتجربة. ومهما حاول المسؤولون الأتراك نفي وجود أي نية لهذا التوجه المقتصر على الإسلاميين، وتأكيد أن تركيا معنية بالتعاون والحوار مع الجميع بالقدر نفسه وأنها تقدم نفسها للمنطقة على أنها تجربة ديموقراطية قبل أن تكون تجربة اسلام معتدل، فإن ما حدث على الارض ? حتى الآن على الأقل ? يشير الى العكس، فالاتصالات بقيت محصورة بالتيارات الإسلامية، والتظاهرات التي خرجت في تركيا تضامناً مع الشعب المصري حملت جميعها صور حسن البنا وشعارات الإخوان المسلمين. كما أن في تركيا وفي الأحزاب الإسلامية العربية عناصر وتيارات تسعى الى استغلال هذه الصورة البريئة للتعاون الديموقراطي من أجل تنفيذ أجندة إسلامية بحتة، والرهان قائم على من سيستفيد ممّن، أي: هل أن الدولة التركية وحكومتها ستستفيد من عناصرها الإسلامية فتجعلهم جسراً للتواصل مع إسلاميي العالم العربي ونقل التجربة الديموقراطية اليهم ورفع درجة نضج تلك الحركات والأحزاب الإسلامية، أم إن تلك الأحزاب والعناصر الإسلامية في كلا الطرفين هي التي ستستفيد من سمعة تركيا وتجربتها لتزداد قوة وتطرفاً مع الوقت. وقد شهدنا هذا الاختبار حياً في قضية سفن الحرية التي انطلقت من اسطنبول الى غزة صيف العام الماضي، عندما حاولت الدولة والحكومة التركية الاستفادة من عناصر الجماعات الإسلامية لتوجيه رسالة قوية الى اسرائيل وتحريك المياه الراكدة في الشرق الأوسط، لكن الغلبة هناك كانت للتيار الإسلامي المتشدد الذي حول تلك الرحلة التي خرجت في إطار إنساني بحت، الى غزوة جهادية اتفق اصحابها على الاستشهاد في مواجهة العدو الإسرائيلي الذي نزل الى السفينة في المياه الإقليمية، بدلاً من الاكتفاء بإحراج تل أبيب والتوجه الى العريش وتجنب أي مواجهة مع جنود الاحتلال، وهو الهدف الأصلي الذي كانت الدولة التركية تأمله من تلك الرحلة. السياسة الخارجية والانتخابات تغيير النظام في مصر، تحديداً، قد يشكل فرصة تاريخية لتنشيط الدور التركي في المنطقة وتفعيل رؤيته المستقبلية لها، فحلم أحمد داود أوغلو بنظام شرق أوسطي جديد يوازي الاتحاد الأوروبي قد تخلص الآن من حساسية حسني مبارك ضد تركيا وضد كل ما هو إسلامي أو ذي جذور إسلامية، وهناك فرصة لتمدد رقعة منطقة الاقتصاد الحر التي بدأت بين الأردن وسورية ولبنان وتركيا الى مصر وليبيا مستقبلاً، ليكون ضم العراق بعد ذلك أسهل وأضمن. والديبلوماسية التركية، ان نجحت في عدم إثارة الحساسيات القومية والدينية في المرحلة المقبلة من خلال العمل بهدوء من دون ضجة، قد تكون مرشداً مهماً لإعادة بناء نظام إقليمي يخرج المنطقة من حصار السجال الإيراني - الإسرائيلي الذي يتحكم في مقدراتها ومستقبلها، ويفرض نظاماً إقليمياً جديداً ذا أجندة تقوم على تقديم أولوية الاستقرار والسلام والتنمية الاقتصادية، وتجب الإشارة هنا الى تصريح الرئيس التركي عبدالله غل الهادئ والجريء في الوقت نفسه حين أكد في طهران وبحضور الرئيس محمود أحمدي نجاد أن على جميع الرؤساء الإصغاء الى مطالب الشارع والجمهور في فترة خروج في تظاهرات المعارضة الإيرانية الى الشارع ويمكن المقارنة هنا بين هذا الخطاب الجريء والهادئ للرئيس غل البعيد عن سجالات السياسة الداخلية والانتخابات، وصيغة خطابات رئيس الوزراء اردوغان. وفي حال ذهاب حكومة نتانياهو ? وهو أمر غير مضمون ? فإن الدور التركي الوسيط في سلام الشرق الأوسط قد يستأنف بقوة أكبر ويمتد الى المسار الفلسطيني بالتنسيق مع مصر وسورية والمملكة العربية السعودية. آمنت ديبلوماسية وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بإرادة الشعوب وضرورة العمل معها ومن أجلها، من أجل حرية مرور الأفراد في المنطقة من دون تأشيرات أو حدود، والوضع الآن ممهد أمامها. ولا شك في أن العالم العربي بعد أن تهدأ ثوراته ويأخذ نفساً من هذا الماراثون الطويل، وتتشكل حكوماته الجديدة وتظهر ملامحها، سيتجه الى السؤال: وماذا بعد؟ ألا يمكن نقل نتائج الثورة من الصعيد الداخلي الى الإقليمي؟ ألا يمكن أن نشهد الإصلاح في السياسة الخارجية والديبلوماسية كما شهدناه في النظام الداخلي؟ فإن تجاوزت الأنظمة العربية الجديدة النزعة القومية المحلية أو النزعة القومية الإقليمية، فإنها لن تجد حرجاً في أن تمد يدها الى تركيا وما تمثل من سياسة اعتدال والى رؤيتها المستقبلية للمنطقة، خصوصاً بعدما حققت السياسة الخارجية التركية من نجاحات وانفتاحات كبيرة في الفترة الماضية أثبتت امتلاكها رؤية جدية وحقيقية لمستقبل المنطقة. هذا بالطبع ان نجحت تركيا في عدم اثارة الحساسيات لدى تلك الدول العربية ولجمت حماستها المتوقدة للعب هذا الدور حتى يطلب منها ذلك، وإن لم يتم استهلاك هذا الرصيد والتضحية به طبعاً في أتون حرب الانتخابات البرلمانية في حزيران يونيو المقبل، والتي تظهر بعض مؤشراتها أن رئيس الوزراء أردوغان يتجه للعب كل أوراقه ? ومنها الورقة الإسلامية بعد، وبسبب، وفاة نجم الدين أربكان - خلال حملاته الانتخابية من أجل فوز مهم يمكنه من التمهيد لمرحلة قادمة يطمح فيها للوصول الى كرسي رئاسة الجمهورية وتعديل النظام التركي الى نظام رئاسي، وهنا قد يتعارض طموح دولة ترى أنها امام فرصة تاريخية للعب دور إقليمي كبير ومساعدة جيرانها في تشكيل نظام إقليمي جديد، ومع طموح قائد سياسي يخطط للمرحلة المقبلة من تاريخه السياسي.