لم يحمل عام 2011 أحداثاً كثيرة لإيران، قياساً بالاضطرابات والاحتجاجات التي هزّت دولاً عربية، حت? ان تكهنات بهبوب رياح"الربيع العربي"عل? بلاد فارس، لم ترَ النور في المدن الإيرانية، فيما شهد الملف النووي هدوءاً نسبياً، عل? رغم التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي أشار الى"اختبارات سرية"تنفذها طهران لصنع سلاح نووي، لكن ذلك لم يمنع انعكاس هذه الأحداث عل? العلاقات الإقليمية والدولية لإيران، إضافة إل? وضعها الأمني والسياسي والعسكري. الوضع الداخلي شهد عام 2011 تراجعاً واضحاً للتيار الإصلاحي ولحركة الاحتجاجات التي قادها المرشحان الخاسران في انتخابات الرئاسة عام 2009، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، والتي أطلق عليها النظام تسمية"تيار الفتنة"، لمصلحة تيار جديد وُجهت إليه رماح الأصوليين، وهو"تيار الانحراف"الذي اتُهم بتزعمه الفريق المحيط بالرئيس محمود أحمدي نجاد، وتحديداً مدير مكتبه اسفنديار رحيم مشائي، إذ اعتبرت شخصيات دينية وسياسية أنه يحمل أفكاراً قومية وليبرالية تتعارض مع القيم الإسلامية التي ناد? بها الإمام الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران. وبرزت هذه التجاذبات في شكل واضح، بعدما أقال نجاد وزير الاستخبارات حيدر مصلحي، في 20 نيسان أبريل الماضي. لكن مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي أعاد مصلحي إل? منصبه، ما أد? إل? اعتكاف نجاد 10 أيام، استأنف بعدها مهماته بوساطة مقربين من المرشد الذي دعا إل? تهدئة الوضع الداخلي للتمكّن من معالجة الملفات الساخنة التي تواجهها طهران. لكن خامنئي لمّح أيضاً إلى احتمال إلغاء الرئاسة، واستعادة منصب رئاسة الحكومة. وفيما كانت السهام تستهدف مشائي وفريق الرئاسة، كان المتشددون من التيار الأصولي يضغطون عل? ما تبق? من التيار الإصلاحي، بعدما حلّ القضاء حزب"جبهة المشاركة الإسلامية"و"منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية"، واللذين يُعتبران العمود الفقري للتيار الإصلاحي في إيران، فيما لا يزال موسوي وكروبي في إقامة جبرية منذ شباط فبراير الماضي، بعد دعوتهما إلى التظاهر"تضامناً"مع انتفاضتي مصر وتونس حينذاك، ما أثار دعوات من الأصوليين لإعدامهما. في موازاة ذلك، أُرغم رئيس"مجلس تشخيص مصلحة النظام"هاشمي رفسنجاني، عل? التخلي عن رئاسة"مجلس خبراء القيادة"لمصلحة رجل الدين المعتدل محمد رضا مهدوي كني. واعتُبر ذلك قضماً لنفوذ أحد أبرز رجالات الثورة، والذي اتُهم بمساندة موسوي في الانتخابات، لكنه نأى عن الإصلاحيين لاحقاً، معلناً ولاءه لخامنئي. وتعتقد مصادر في طهران بأن الهجوم عل? فريق نجاد، واتهامه بفضيحة اختلاس 3 بلايين دولار من مصارف محلية، يأتيان في إطار استحقاقات معركة الانتخابات الاشتراعية التي ستشهدها إيران في 2 آذار مارس 2012. وفشل معارضو نجاد في سحب الثقة من وزير الاقتصاد شمس الدين حسيني، بسبب فضيحة الاختلاس. "الربيع العربي" انعكست مناخات"الربيع العربي"في شكل واضح، عل? علاقات إيران بالدول الإقليمية، عل? الصعيدين العربي والإسلامي، إذ تصدّعت علاقاتها بالدول الخليجية، فيما شهدت صلاتها بتركيا فتوراً نسبياً، عل? خلفية موقفها من أحداث سورية. ولم يستطع وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي الذي تسلّم حقيبته مطلع عام 2011 خلفاً لمنوشهر متقي، ترطيب هذه العلاقات، عل? رغم زياراته للعراق والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت. ورضخ المشهد السياسي الإيراني لتوجيهات خامنئي الذي قرأ الأحداث والتطورات التي تشهدها المنطقة، بوصفها"صحوة إسلامية"تأثرت بالحركة الإسلامية التي أطلقها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، مطلع القرن العشرين، وصولاً إلى الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، إذ ساندت طهران الشعوب العربية في مصر وتونس وليبيا واليمن، لكنها رأت في أحداث سورية محاولة للنيل من تيار الممانعة والمقاومة ضد إسرائيل. وخلال زيارته طهران في آب أغسطس الماضي، حاول أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني تقريب وجهات النظر بين إيران ومجلس التعاون الخليجي، لكن جهوده لم تثمر، خصوصاً بعدما اتهمت واشنطنطهران بمحاولة اغتيال السفير السعودي لدى الولاياتالمتحدة عادل الجبير. ولم ترَ إيران تناقضاً في مساندتها شعوباً عربية انتفضت ضد أنظمتها، ودعمها النظام السوري، عل? رغم مطالبته بتطبيق إصلاحات سياسية ديموقراطية تحقّق مطالب المحتجين والمعارضة. واعتبرت إيران أن موقف تركيا إزاء أحداث سورية، إنما اتُخذ بإيحاء من الولاياتالمتحدة التي تريد تشديد الخناق عل? النظام في دمشق، خدمة لمصالح إسرائيل، ما انعكس سلباً عل? العلاقات بين البلدين. وعل? رغم أن هذه العلاقات لم تشهد توتراً واضحاً، لكن أنقرة تسلّمت مرات عدة، رسائل انزعاج من طهران، كان أقواها تهديد"الحرس الثوري"بقصف الدرع الصاروخية التي ينوي حلف شمال الأطلسي نشرها في تركيا، إذا تعرّضت إيران لهجوم أميركي أو إسرائيلي، إذ تعتبر طهران أن الرادارات المنصوبة في إطار"الدرع"، تساهم في تزويد مقاتلات معادية بمعلومات في شأن المنشآت النووية الإيرانية. وخلال زيارته طهران في تموز يوليو الماضي، حاول وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إقناع المسؤولين الإيرانيين بالضغط عل? الرئيس السوري بشار الأسد، ليطبّق إصلاحات سياسية قبل فوات الأوان، لكن طهران طالبت بجهد مشترك من أجل العمل مع المعارضة والحكومة في دمشق، للتوصل إل? قواسم مشتركة تنهي الأزمة، من خلال اتفاق عل? أجندة للإصلاحات السياسية. ولم تسجّل زيارة صالحي لأنقرة، في تشرين الأول أكتوبر الماضي، نجاحاً في تقريب وجهات النظر في شأن القضايا العالقة بين البلدين، ربما في استثناء إبلاغ الأتراك قلق إيران إزاء نشر"الدرع"الأطلسية على أراضيهم. لكنه استغلّ أخيراً، حديثاً أدلى به لوسيلة إعلام تركية، ليشجب التهديد بقصف"درع الأطلسي"، مشدداً على العلاقات الأخوية بين البلدين. العلاقات الدولية لم يشهد عام 2011 تطوراً في علاقات إيران بالدول الغربية، بل شابها توتر مع الولاياتالمتحدة في قضية محاولة اغتيال الجبير، والتي اعتبرتها طهران محاولة من واشنطن لفتح حوار معها، بعدما رفضت إيران في أيلول سبتمبر الماضي اقتراحاً أميركياً بفتح"خط ساخن"بين البلدين، تجنباً لأي نزاع بينهما في مياه الخليج. وفي مسعى للتواصل مع الإيرانيين، فتحت واشنطن موقعاً إلكترونياً ل"سفارة افتراضية"، محاولةً"الالتفاف"على قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. لكن طهران سارعت إلى حجب الموقع، معتبرة أنه مجرد أداة لتجنيد جواسيس. تزامن ذلك مع إعلان إيران محاكمة عشرات"الجواسيس"لحساب الولاياتالمتحدة وإسرائيل. لكنها أطلقت الأميركيَين شاين باور وجوش فتال، بعد إدانتهما ب"التجسس"وصدور حكم بسجنهما ثماني سنوات، إثر اعتقالهما مع زميلة لهما في تموز 2009، واتهامهم بدخول الأراضي الإيرانية في شكل غير شرعي، من كردستان العراق. وشهد عام 2011 تدهوراً في العلاقات بين طهرانولندن، إذ أقرّ مجلس الشور? البرلمان الإيراني خفض مستو? التمثيل الديبلوماسي مع بريطانيا، بعدما طالبت الأخيرة مؤسساتها بالامتناع عن التعامل مع الهيئات المالية الإيرانية، بما في ذلك المصرف المركزي الإيراني. تبع ذلك اقتحام"طلاب"إيرانيين السفارة البريطانية في طهران، في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، في سابقة لم تشهدها إيران منذ عام 1979 عندما اقتحم طلاب ثوريون السفارة الأميركية وأسروا 52 ديبلوماسياً 444 يوماً. أعقب اقتحام السفارة البريطانية، سحب لندن ديبلوماسييها من طهران، كما أغلقت السفارة الإيرانية في لندن وطردت موظفيها، وسط تدابير غربية لتشديد العقوبات على إيران. الملف النووي راوح الملف النووي الإيراني مكانه، خلال عام 2011، إذ لم تنجح الدول الست الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا في إقناع طهران بتعليق تخصيب اليورانيوم، كما فشل لقاء عقده الطرفان في اسطنبول، في كانون الثاني يناير الماضي، إذ تمسك كلّ منهما بمواقفه، ما جعل إيران تؤكد نيتها إنتاج وقود نووي مخصّب بنسبة 20 في المئة، لاستخدامه في تشغيل مفاعل طهران للبحوث الطبية. وفي آب الماضي، بددت روسيا شكوكاً إيرانية، مع تشغيل مفاعل"بوشهر"النووي الذي بدأ إنتاج الطاقة الكهربائية. وفي تطوّر لافت، اقترح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تسوية الملف النووي الإيراني، من خلال انتهاج أسلوب"الخطوة خطوة"، أي أن تجيب طهران عل? هواجس الوكالة الذرية، في مقابل خفض تدريجي للعقوبات المفروضة عليها. لكن المشروع لم ينجح، إذ لم تسانده واشنطن، على رغم موافقة إيران عليه. على رغم تشغيل مفاعل"بوشهر"، واقتراح"الخطوة خطوة"، أعلنت إيران مقاضاة روسيا أمام محكمة التحكيم الدولية، بسبب امتناع الأخيرة عن تنفيذ عقد لتسليمها منظومة صواريخ من طراز"أس-300"المضادة للطائرات. واعتبرت طهران قرار موسكو في هذا الشأن، إذعاناً لضغوط مارستها واشنطن وتل أبيب، إذ إن هذه المنظومة تحمي المنشآت النووية الإيرانية من أي هجوم جوي. كما اتهمت إيرانروسيا بالمساومة مع الغرب، على حساب مصالحها، لكن ذلك لم يمنعها من تأكيد تحالفها"الاستراتيجي"مع موسكو التي تحدثت عن إمكان بناء مفاعلات ذرية جديدة في إيران. أما التقرير الأخير الذي أصدره المدير العام للوكالة الذرية يوكيا أمانو في شأن الملف النووي الإيراني، في تشرين الثاني الماضي، فأعاد وضع الملف في واجهة الأحداث، إذ اتهم طهران بتنفيذ"اختبارات سرية"لصنع سلاح نووي. لكن إيران اتهمت أمانو بتنفيذ رغبات الولاياتالمتحدة، نافية ما ورد في التقرير، كما جددت تمسكها ببرنامجها النووي. القدرات العسكرية أبرز ما نفذته القوات المسلحة الإيرانية، تمثّل في عبور قطعات من بحريتها قناة السويس في شباط الماضي، بعد أيام على سقوط الرئيس المصري حسني مبارك. واعتُبر ذلك اختباراً للقيادة المصرية الجديدة وتحدياً لإسرائيل التي كانت تعارض اقتراب القوات الإيرانية من المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط. وواصلت إيران تعزيز قدراتها الصاروخية، إذ نفذت مناورات في تموز استغرقت عشرة أيام، اختبرت خلالها نماذج من صواريخ محلية الصنع، مهددة القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة إذا تعرّضت منشآتها لهجوم. وقبل نهاية العام، اعتبرت طهران أنها حققت"نصراً"على واشنطن، بإسقاطها طائرة استطلاع أميركية من دون طيار من طراز"آر كيو-170 سنتينيل"، وذلك في"مكمن إلكتروني"إثر انتهاكها الأجواء الإيرانية شرق البلاد. وأقرّت الولاياتالمتحدة بسقوط الطائرة، لكنها نفت فرضية ال"مكمن الإلكتروني"، مرجّحة تعطلها، فيما أعلنت طهران رفضها إعادة الطائرة، داعية واشنطن إلى تقديم"اعتذار"، كما توقّعت صنع نسخة منها قريباً. وكانت إيران أعلنت في تموز الماضي، إسقاط طائرة استطلاع أميركية حلّقت فوق منشأة فردو النووية قرب مدينة قم، كما ذكرت مطلع عام 2011، أنها أسقطت طائرتي تجسس أميركيتين فوق مياه الخليج.