"الربيع العربي عبارة غير مناسبة لوصف التغييرات الحاصلة في المنطقة، لأن نتائجها ليست جلية كتفتّح زهرة"، قالها وزير الخارجية الفرنسي السابق أوبير فيدرين، أثناء محاضرة قي بيروت مطلع الشهر الجاري، حول التطورات الراهنة. وفي قوله ما يشير إلى تعقيدات أشد بكثير من تعقيدات"الخلق"في الطبيعة. ويكفي النظر في الدور الذي لعبته المرأة العربية على خشبات التغيير ومحاولاته في دول عربية كثيرة، أكان عبر المشاركة مع مكوّنات المجتمع الأخرى، أم عبر أدائها"مونودراما"منفردة مثلما حصل في السعودية، ومن ثم مقارنة دورها بالنتائج والمآلات الحالية المرحلية، ربما للتغيير، لملاحظة فراغ خلاصة المقارنة من أي خلاص للمرأة. ولكن، هل خاب ظنها وهل تخاذلت؟ مشهد واحد قد يجيب عن هذا السؤال بالنفي، ألا وهو سحل تلك الشابة المصرية المحجّبة حتى العري، بينما كانت مستمرة في رفض النتيجة والمآل الحاليين ل"ثورة 25 يناير". وفي المشهد العام، منذ بدء عملية التغيير، شاركت المرأة الرجل، جنباً إلى جنب، في التنظيم والانتفاض والطبابة و"التنظير!"، والهتاف و"التحميس"وإلقاء الخطابات والتثقيف السياسي والاجتماعي، كما في تونس ومصر والبحرين واليمن، وثمة من كانت تحمل طفلها في خضم الاحتجاج... وتجاوزت المرأة العربية الرجل في تنظيف ميادين التحرّكات وترتيبها لتبقى أمكنة مريحة، كالمنازل، تشجّع على الانطلاق مراراً وتكراراً بعزم ونشاط. المرأة العربية الشهيدة شاركت صورها صور الرجل في الملصقات. المرأة العربية ترشّحت للانتخابات الرئاسية في مصر نتيجة التغيير. المرأة العربية حازت"نوبل للسلام". هتفت تلك العجوز التونسية بملء جوارحها وأمام العدسات، محدّقة في العالم:"إذا الشعب يوماً أراد الحياة / فلا بد أن يستجيب القدر". وفي المقابل، قال العجوز التونسي، مربتاً على شعره الأبيض، وبصوت متهدّج:"هرمنا هرمنا ودفعنا عمرنا لنصل إلى هذه اللحظة". هو هرم وأما هي فلم تكلّ. وكشفت الصحافة المكتوبة والمرئية صوراً بهية للمرأة العربية، بكل تلاوينها، متحجّبة وحاسرة، في الداخل والخارج. حتى أنها نظّمت احتجاجات معارِضة داخل البيوت، ورفعت اللافتات المنددة، كما في سورية، حيث القمع بلغ أشدّه. فتحت"عرينها"أمام التحركات. في مقال"العري كاعتراض سياسي""الحياة"18/11/2011 كتب حسام عيتاني:""المانيفستو"الذي أرفقت علياء المهدي صورها العارية به، شديد التواضع من الناحية النظرية... طرحت فيه علاقة الحرية في التعبير الفني... وحقها في التعبير عن رأيها. ويست درك:"علياء ليست في ثقافة نوال السعداوي ولا في ريادة هدى شعراوي. لكن يتعين وقف المقارنات هنا. فعلياء قامت بخطوة شديدة الخطورة في المناخ المصري الحالي... في وقت تزداد المخاوف عمقاً واتساعاً على الحريات العامة وعلى هيمنة التيارات الأكثر تشدداً على المجال العام... ليستخلص أخيراً:"هذه الشابة أتت بحركة من خارج النص الذي تريد السلطة والفئات المهيمنة على الحيز العام فرْضه على المصريين، غير آبهة بأن الثورة لم تنته في 11 شباط فبراير بل الأرجح أنها بدأت في ذلك اليوم". حركة علياء جوبهت ب"إجماع"على رفضها، من الحركات السياسية والمنظمات المدنية ومن ملايين الأفراد الذين علّقوا من خلال مدوّنتها سلباً على"فعلتها"، وطُردت من ميدان التحرير. وهي نفسها سحبت"عملها"من التداول، وكادت تصبح في طي النسيان. ولكنْ، أولم تتعرض تلك"المحتجة"المصرية المحجّبة لضربات عصي"الرجال"ورفسات نعالهم... وللسحل حتى العري على مرأى من الجميع؟ أوليس العري هنا نوعاً صارخاً من أنواع الاعتراض السياسي؟ ألم يحن الوقت لإشهار مساواة المرأة بالرجل، لا بل بكل الرجال، ومعاملتها طوعاً وقناعة بندّية تامة، محجّبة كانت أم حاسرة؟