أثارت تصريحات الرئيس السوري، بشّار الأسد، في صحيفة"صنداي تيلغراف"والقناة الروسيّة الأولى، تساؤلات أكثر مما أجابت عن الاسئلة. وقد يكون وصف الرئيس الأسد التحركات الشعبيّة بأنها أعمال عصابات مسلحة يدعهما الخارج على قدر من الصحة، لكنه لم يترك فرصة لبدء حوار صريح بين دمشق والمعارضة. ورأت المعارضة السورية في الخارج في السقوط الدموي للعقيد القذافي دعماً معنوياً. لذا، تشبثت بمواقفها، وامتنعت عن تقديم تنازلات للنظام. واستقالة الأسد هي الحل الوحيد الذي تقبل به المعارضة ويدعو اليه الغرب. والدول الغربية ترعى هذه المعارضة. والغرب استغنى"نظرياً"عن الأسد، في وقت لا تحبذ الدول العربيّة سياسة النظام السوري. وبادرت الجامعة العربيّة الى اقتراح خطوات واضحة على الرئيس السوري لحل الأزمة السوريّة. لكنها لم تقدم له ضمانات حول رد المعارضة. ومبادرة الجامعة العربية تشبه لعبة كرة القدم، لكنها تسدد في مرمى واحد. والاقتراح هذا يحفظ ماء وجه الجامعة العربيّة، إذا شنت حملة عسكريّة دوليّة ضد النظام السوري. وهذا الاخير لا يعول كثيراً على المبادرات السلميّة التي لا تحمل بذور الحلّ. ولا يبدو أن ثمة جدوى ترتجى من اقتراح الرئيس السوري إجراء انتخابات تشريعية في شباط فبراير. والاغلب أن يطعن الغرب في صدقيّة النتائج. والمعارضة لن تعترف بها. وعليه، ليس الموعد المضروب للانتخابات سوى مضيعة للوقت. ويرى عدد من الخبراء أنه الوقت ليس في متناول الرئيس السوري. وأعلن الأسد أن سقوط نظامه يفضي إلى زلزال في المنطقة وأن سورية ستتحول أفغانستان أخرى، وأن تفككها سيفكك المنطقة. ويعيد الكلام هذا الى الاذهان كلام الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، والعقيد الليبي الراحل، معمّر القذافي. وكل من مبارك والقذافي أبرز دور بلده الكبير في الاستقرار العربي والتوازن الاقليمي. ولم يجاف كلامهما الواقع. لكن الكلام هذا لم يحل دون دعم الغرب الحراك الشعبي لإسقاط النظامين المصري والليبي. لذا، لا تقوم قائمة لتهديدات الأسد، وتبدو واهنة قياساً على حوادث تونس، ومصر وليبيا. وهي لا تخيف أحداً. ويتحدث الخبراء عن ثلاثة احتمالات لإقصاء الرئيس السوري: العقوبات الاقتصادية التي تساهم في خنق النظام وتعاظم وتيرة المطالب الشعبيّة، أو تدخل"الناتو"العسكري أو التدخل التركي، على وجه التحديد، بالتعاون مع العسكر السوري المنشق. والحل الثالث الاسوأ هو نشوب حرب اهليّة تمزق البلاد، وتقسمها إلى دويلات طائفيّة على ما نبّه الرئيس السوري. وإذا صمد على رأس الحكم، فقد نفوذه في دولة ممزقة طائفياً ومحاصرة اقتصادياً وضعيفة إقليمياً. لكن على من يعوّل الرئيس الأسد؟ ليس على الجامعة العربيةّ ولا الغرب. وفي مجلس الأمن، طالب الروس الرئيس الأسد بخطوات واضحة، وإذا لم يبادر إليها عجزوا عن حمايته من العقوبات. وغياب العلاقات بين موسكو والمعارضة السوريّة ومراهنة موسكو على النظام السوري الاسدي قد يكبدان روسيا خسائر اقتصادية وجيوسياسيّة كبرى إذا انهار النظام السوري. وحري بموسكو حسم أمرها، إمّا ان تواصل دعمها الأسد مهما كانت الخسائر على الصعيد الدولي أو تبدأ مفاوضة المعارضة السوريّة على الامتيازات المستقبليّة، وتنضم، تالياً، إلى المجموعة الدوليّة المناوئة للأسد، وهي تضم شطراً راجحاً من المجتمع الدولي. وروسيا تدعو الأسد للإسراع في اتخاذ الخطوات. فمستقبل السياسة الروسيّة في سورية هو رهن قدرته على إحكام القبضة على بلاده. * صحافي، عن "روسيسكايا غازيتا" الروسيّة 1/11/2011، إعداد علي شرف الدين