كان روس ماتيو عمره 21 سنة عندما قتل في منزل صديقه في ولاية ماساشوسيتس. فبينما كان الاثنان يلعبان عثر صديق ماتيو على مسدس شبه أوتوماتيكي في خزانة والده، وبعد إخراج كليب الذخيرة افترض أنه أفرغ المسدس ليشير به الى رأس روس مازحاً وليضغط على الزناد مطلقاً الرصاصة التي كانت في أنبوب المسدس ويقتل أعز أصحابه. هذه واحدة من القصص الكثيرة عن مخاطر اقتناء السلاح في الولاياتالمتحدة، والتي لم تقنع حاكم ولاية لويزيانا بوبي جندال أخيراً بالعدول عن قراره السماح بحمل الأسلحة النارية في الكنائس ودور العبادة داخل الولاية. وبإلغاء قانون سابق يمنع إدخال السلاح إلى دور العبادة، وضعت ولاية لويزيانا نفسها إلى جانب 02 ولاية أخرى كنبراسكا وميشيغن وتكساس وغيرها، شرط أن يكون صاحب السلاح بلا سوابق وأن يكون متمرناً في استخدام السلاح. وتفيد دراسة صادرة عن مراكز السيطرة والوقاية من الأمراض CDC، بأن الأميركيين يملكون 002 مليون سلاح ناري، و53 في المئة من منازلهم تحتوي على سلاح ناري واحد أو أكثر، في وقت تفيد أرقام كلية جونز هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة في الولاياتالمتحدة، أن مجموع حالات الوفاة الناجمة عن الأسلحة النارية يناهز 03 ألف حالة في عام 4002، ما يعادل 18 وفاة في اليوم. ويقتل ما يقرب من 005 طفل ومراهق سنوياً بحوادث إطلاق رصاص غير متعمد، وفي كل عام ينتحر ما يقارب 0051 طفل ومراهق ويرتكب آخرون ما يقدر ب 0007 جريمة عنف مستخدمين أسلحة نارية موجودة في بيوتهم. ولكن حكاية العنف المسلح ليست جديدة على الأميركيين، فاغتيال ابراهام لينكولن في عام 5681، وجون كينيدي في عام 3691، ومارتن لوثر كينغ في عام 8691، ومذبحة مدرسة كولومبين العليا في عام 9991 التي راح ضحيتها 21 طفلاً ومدرساً، ومذبحة جامعة فرجينيا للتكنولوجيا في عام 7002 التي أودت بحياة 23 طالباً، كل هذه الأحداث تعزز وتغذي فلكلور العنف الأميركي وتكشف عن عمق مشكلة العنف المسلح في البلاد. وفي حين تحل المشاجرات في معظم بلاد العالم بملاكمة وبأنف مكسور، يأخذ بعض المراهقين مسدساتهم الى المدرسة أو الأحياء الفقيرة احترازاً. وبعد كل حادثة قتل مشابهة لقصة روس ماتيو ينهمك الأميركيون بمناقشات ساخنة حول وضع قوانين نظام ورقابة من أجل السيطرة على بيع واستخدام السلاح من دون أن يصلوا لهذا الهدف بالضرورة. فالمحافظون والجمهوريون على السواء يرفضون أي تنظيم يمنع بيع السلاح باعتبار الأمر تدخلاً مرفوضاً للحكومة في شؤونهم الخاصة وانتهاكاً لحقوقهم المنصوص عنها في الدستور والتي يدعون أنها تعطيهم حق حمل السلاح كحرية شخصية أو لممارسة الصيد أو هوايات أخرى. وجاءت سيطرة الجمهوريين على المحكمة العليا في السنوات الثماني الأخيرة لتعيق أي خطوات باتجاه حظر الأسلحة، إذ أصدرت المحكمة في عام 8002 قانوناً يسمح فيه لكل أميركي في العاصمة واشنطن بحمل السلاح، وهو ما جرى تمديده منذ أيام عدة ليشمل كل مدينه وولاية في أميركا. ومن هنا يأتي اتخاذ حاكم ولاية لويزيانا الجمهوري بوبي جندل الصلاحية لسكان ولايته بحمل السلاح في الكنائس والمعابد والمساجد. وعبر العديد من الليبراليين عن اعتراضهم على هذا القانون محذرين من ازدياد حوادث الإصابة والوفاة غير المقصودة في بيوت العبادة، في حين عبر المحافظون عن ضرورة هذا القانون الذي سيسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم في حال وقوع حادث سطو أو هجوم إرهابي على كنائس لويزيانا. قرارات المحكمة العليا الأميركية، والتعديل القانوني في ولاية لويزيانا ما هي إلى نتيجة سنوات من الدعم والمناصرة من قبل الرابطة الوطنية للأسلحة النارية NRA. وتقر الرابطة التي ينتمي إليها 4 ملايين عضو، بأن أهدافها تشمل حماية التعديل الثاني للدستور الأميركي الذي تدعي الرابطة أنه يعطي الأميركيين حق حمل السلاح، وتعزيز حقوق ملكية الأسلحة للحماية والصيد. وتعتبر الرابطة واحدة من أقوى مجموعات الضغط في الولاياتالمتحدة. فعلى سبيل المثال، في تصويت لمجلس الشيوخ أخيراً من أجل فرض تدابير تنظيمية على مشتريات الأسلحة النارية، رفض 23 عضواً أخذ أي موقف مخالف لرأي الرابطة. وحاولت الرابطة عام 8002 منع الرئيس باراك أوباما من الوصول للبيت الأبيض، عندما اقترحت إنه قد يزيد ضريبة المشتريات على الأسلحة بمعدل 005 في المئة. وصرفت الرابطة أكثر من عشر ملايين دولار تبرعات لدعم المرشح الجمهوري جون ماكين يومها. وفي إحصاء في العام نفسه، أبدى 97 في المئة من أعضاء الرابطة اقتناعهم بأن الرئيس الأميركي سيحظر مبيعات الأسلحة النارية. ونتيجة لتلك الادعاءات والمخاوف ارتفعت مبيعات الأسلحة بنسبة 94 في المئة عن العام السابق. بعد انتخاب باراك أوباما توقع العديد من دعاة ضبط وتنظيم قوانين السلاح أن يغير رئيسهم الجديد من تاريخ أميركا العنيف. ولكن هذا الاسترخاء القانوني تجاه شراء وحمل السلاح، وتوجه المجتمع الأميركي نحو تسليح البيت ومكان العمل والكنيسة، يعطيان انطباعاً بأن اليمين الأميركي يسير في اتجاه أكثر تشدداً. ومن المعروف أن رؤساء أميركا لا يجرؤون على تغير قوانين السلاح إذا أرادوا الفوز في الانتخابات خوفاً من غضب لوبي الأسلحة، فهل سيجرؤ أوباما ما بعد 2102 على التغيير؟ أيهما أسرع في صد المعتدي، دورية شرطة أم بندقية؟