"أورورا"Aurora معناها"الفجر". صادف أن القارب الحربي الذي قصف قصر القياصرة في بطرسبرغ إيذاناً ببدء ثورة تشرين الأول أكتوبر البلشفية في روسيا، حمل ذلك الاسم. ومنذها بات جزءاً من أدبيات الأحزاب الشيوعية. واختاره الحزب الشيوعي الصيني اسماً حركياً للعملية المتدحرجة التي شنها القسم الثالث في"جيش التحرير"، المتخصص في شؤون حرب الفضاء الافتراضي للإنترنت، ضد موقع محرك البحث الشهير"غوغل"، وتحديداً ضد موقعه الصيني"غوغل. سي أن"google.cn الذي استضافته بيجين طويلاً. وعلى مدار ست سنوات مضت، عمل"غوغل"بانضباط بموجب معاهدة مكتوبة مع الحكومة الصينية، بمعنى أنه قبل بأن تُفرض عليه رقابة تمنع مستخدميه من الدخول الى مواقع لا ترضى عنها حكومة بيجين، مثل تلك التي تناصر مسلمي الايغور، وبوذيي التيبت، ونشطاء جماعة"والون فانغ"وغيرهم. وانطلقت تلك العملية، بحسب ما يتوافر من معلومات راهناً، في أواخر 2009، حين شُنّت هجمة إلكترونية استهدفت البرامج الأساسية وشيفرة المصدر، على عدد من خوادم الانترنت التي تعمل في كبريات شركات المعلوماتية الأميركية، مثل"راك سبايس"Rak Space و"أدوبي"Adope و..."غوغل"بالطبع. وشملت تلك العملية التي تدل على تمكن صُنّاعها من السيطرة على متصفح الانترنت"إكسبلورر"تصنعه شركة مايكروسوفت، الخوادم التي تحتوي على المعلومات الرئيسية، وضمنها السرية والحساسة، في شركة"نورثروب غرومان"من الصُنّاع الرئيسيين لأسلحة سلاح الجو الأميركي و"داو كاميكال"الكورية الجنوبية التي تحوز مكانة متقدمة في بحوث المواد الاصطناعية والنانوتكنولوجيا. واستطراداً، أدّت تلك الهجمة الى حصول الصين على معلومات عن الطائرة المقاتلة"أف-35"F-35 التي تعتبر الأكثر تطوراً، بل أن الولاياتالمتحدة لم تشرع في بيعها لحد الآن! وبعدها، استمرت"أورورا"في الضرب والاختفاء، على الطريقة الشهيرة في حرب العصابات التي وصفها الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ ونظّر لها ومارسها. وفي مطلع 2010، وجّهت"أورورا"ضربة أخرى الى"غوغل". واخترقت الخوادم التي تدير بريده الإلكتروني الشهير"جي مايل"G Mail. وأُعلِن أن الهجمة سعت لجمع معلومات عن البريد الإلكتروني لمعارضين ومنشقين صينيين. وقبيل ذلك، دعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الحكومة الصينية الى إجراء تحقيق رسمي بالهجمات التي تُشن من أراضيها ومؤسساتها، في إشارة الى"العملية أورورا". وبعد أيام قليلة، تمكّنت"وكالة الأمن القومي الأميركي"National Security Agency، من تتبع هجمات إلكترونية شُنّت على مواقع استخباراتية أميركية الى مصدرها في"جامعة جياوتونغ"و"معهد لانشيانغ للتقنية"، في شباط فبراير 2010. وسرعان ما نفت المؤسستان تورّطهما في تلك الهجمات. وعِبر"العملية أورورا"، حصدت الصين معلومات الهائلة، وتتضمن معلومات عن شيفرة المصدر لبرامج ونُظُم تشغيل الكومبيوتر والخوادم ومحركات البحث على الإنترنت، وبحوث في النانوتكنولوجيا والكيمياء، ومعلومات عن عمليات استخباراتية متنوّعة وغيرها. ومع معلومات من هذا النوع، ومع رهانات ضخمة على حروب المعلوماتية، من غير المتوقع أن تكفّ الحكومة الصينية عن التحرّش بمحرك البحث"غوغل"عقب انتقاله الى هونغ كونغ، التي آلت الى السيطرة الصينية منذ مطلع الألفية الثالثة. والأرجح أن تشهد هونغ كونغ، على رغم الهامش الديموقراطي الضئيل الذي ما زالت تتمتع به، معارك أخرى من"العملية أورورا". إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها. أحمد مغربي [email protected]