حَسِب المراقبون أن الغاء الصين عرض الفيلم الهوليوودي"أفاتار"من صالات العرض، واستبداله بفيلم محلي يعرض سيرة كونفوشيوس المنحولة والأسطورية وهو الفيلسوف القديم الذي يدعو الى احترام المراتب، هو حادثة تقليدية من حوادث صدام الحضارتين الشرقية والغربية. وبعد 3 أسابيع من عرضه في الصالات الصينية، جمع"أفاتار"عوائد بلغت 76 مليون دولار، وتربع في صدارة أفضل الأفلام في صالات العرض. ونظرت السلطات المحلية الصينية بعين القلق الى النجاح هذا، فتوسلت بالقوانين الصينية الى الغاء عرض الفيلم بذريعة رداءة النسخة الثنائية الأبعاد لفيلم ثلاثي الأبعاد، ويفترض عرضه في صالات مجهزة بالتجهيز المناسب. وثمة ما يسوغ تقديم الرقابة الصينية قصة واعية وخطيباً حكيماً على قصة تمرد مخلوقات غريبة وذكية على مجموعة جشعة من البشر تسعى في تدميرهم. فالسيناريو هذا وثيق الصلة بحياة الصينيين. ففي أوقات سابقة من تاريخ الصين الشيوعية، صادرت السلطات الحزبية ملكية 30 مليون صيني في عملية"إعمار"متعسفة وفوضوية. وذهب قيادي في الحزب الشيوعي الصيني، في مقالة نشرت في صحيفة"بيبول دايلي"الصينية، الى أن حبكة"أفاتار"تعرض"صور عنف تشبه أعمال الهدم في حياتنا اليومية". وعلى هذا، حل فيلم كونفوشيوس محل"أفاتار"في الصالات الصينية. ولكن فيلم الفيلسوف الصيني الحكيم لم يستقطب جمهوراً كبيراً. واقتصرت أرباح عرضه على 5،5 ملايين دولار في الأيام الخمسة الأولى من العرض، بينما بلغت أرباح" أفاتار"4،8 ملايين دولار في أول يوم عرض فيه. وسخِر أصحاب المدونات الصينية من محاولة الحكومة إعلاء شأن أخلاق المراتب الكونفوشيوسية، وكتب أحدهم أن الأخلاق هذه"تدعو الناس الى الصدوع بالرق والاستعباد والقمع". ودعا معارضو حظر"أفاتار"الصينيون الى عرضه من جديد في الصالات المجهزة بتكنولوجيا ثنائية الأبعاد. وإذا رُفع الحظر عن الفيلم، تسنى لعدد أكبر من الصينيين مشاهدته والوقوف على استعاراته السياسية. وأغلب الظن أن المسؤولين الصينيين الرسميين راقهم، في البدء، عرض فيلم يظهر عنف الأميركيين المتفوقين عسكرياً، ويدين غطرستهم ، ويحتفي بتصدي مخلوقات غريبة محلية، تربطهم علاقات روحانية قوية بالطبيعة، لهم. وغفل المسؤولون عما استوقف المشاهدين، وهو محاكاة الفيلم الواقع الصيني. ففي"أفاتار"، يدمر الأميركيون موطن ال"نا في"البيئي، وهو شجرة ضخمة وعملاقة. وأشد شكاوى الصينيين مرارة سببها مصادرة السلطات المحلية أملاكهم بالقوة. واقتلاع الشجرة الكبيرة موئل ال"نا في"تصيب أعمق مشاعر أهل التيبت مباشرة. فهؤلاء يشكون من اقتلاع مقاولي اثنية الهان الصينيين الأشجار الكثيرة والوافرة. وفي الأعوام الأخيرة، حظر اقتلاع الأشجار في بعض مناطق التيبت تجنباً لوقوع اضطرابات واحتجاجات شعبية، على نحو ما حصل في الماضي. وشعب ال"نا في"ودود ومسالم، ويكن مشاعر الحب للمخلوقات على أنواعها. وإذا قتلوا وحشاً، طلبوا المغفرة. ويشبه ال"نا في"التيبتيين الذين يمتنعون من قتل الحيوانات الصغيرة، وأكل لحمها. ولعل أبرز ما حمل السلطات الصينية على سحب"أفاتار"من صالات العرض هو قدرة ال"نا في"على بعث البشر من الموت ليتقمصوا حيوات جديدة. وقصص التقمص راسخة في التقاليد الصينية، والمعتقدات التيبتية. ويذهب معتقد أهل التيبت الى أن زعيمهم الروحي، الدالاي لاما، وقادة الصين يرونه انفصالياً خطيراً، يبعث حياً بعد وفاته. ولا شك في أن فكرة عودة زعيم معارض الى الحياة تؤرق بكين. ولكن السلطات الصينية لا يسعها ضبط ما يخلص اليه المشاهدون من الفيلم. ف"أفاتار"شق طريقه في الصين، وتقمص حياة جديدة ومستقلة لم يتوقعها أحد، ولم يحتسبها من صنعوا الشريط. * معلقة،"نيوزويك"الأميركية، 22/2/2010، إعداد منال نحاس نشر في العدد: 17127 ت.م: 2010-02-24 ص: 27 ط: الرياض