في موازاة حرص إسرائيل على عدم التعقيب رسمياً على تحميلها مسؤولية اغتيال القائد العسكري في حركة"حماس"محمود المبحوح في إمارة دبي، تباهت تعقيبات عدد من وزرائها وعناوين صحفها الرئيسة بأن العملية تنسب إلى اجهزة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية موساد. واستذكر بعض الصحف عمليات اغتيال أخرى نسبت إلى"موساد"في الماضي القريب والبعيد، من دون أن يؤكدها الأخير أو ينفيها، لكن استعراضها جاء من منطلق التباهي ب"الذراع الطويلة"للاستخبارات الإسرائيلية. وتتعمد إسرائيل تاريخياً سياسة عدم التعقيب على اتهامات ل"موساد"بتنفيذ عمليات اغتيال أو تفجير نفذت في أنحاء العالم، حتى على تلك التي لم ينفذها في الواقع. ورأى واضعو هذه السياسة أن تحميل الجهاز المسؤولية عن عمليات من هذا القبيل يرفع من شأنه ويحقق الردع الذي يعتبر أحد أهم المبادئ التي ترتكز إليها العقيدة الأمنية الإسرائيلية. وقال مصدر أمني اسرائيلي امس ان المبحوح كان دوره"رئيساً"في مساعي"حماس"لتهريب الصواريخ وغيرها من الأسلحة الى قطاع غزة. ونقلت عنه وكالة"رويترز"قوله:"كان عنصراً استراتيجياً بالنسبة الى حماس في ما يتعلق بالتسليح من ايران". وأفاد الضابط السابق في"موساد"رام ييغرا ان ليس لديه معلومات عن ملابسات مقتل المبحوح، لكنه يعتقد أنه ربما اختلف مع تجار الأسلحة. وصرح إلى إذاعة الجيش الإسرائيلي:"في نهاية المطاف، كان السيد المبحوح يهرب الأسلحة، ما يعني علاقات مريبة". وأضاف:"من المعقول ولا شك افتراض أن الشخص الذي قتله كان واحداً من الشركاء التجاريين المختلفين لأن مثل هذه التجارة لا تحدث من دون سرقة الكثير من المال". الا ان أحد أشقاء المبحوح، فايق المبحوح، نفى هذه النظرية، وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي متحدثاً من غزة:"لم تكن لديه مشاكل. لم يخض معارك. لم يكن منخرطاً في أي عصابة. لم يتورط في أي جريمة ... لذا فمن الذي من مصلحته قتله ... اسرائيل". وعلق ييغرا على الأقوال المختلفة التي تم تداولها عن موت المبحوح، بما في ذلك تقرير صحيفة اماراتية عن أن قتلته عذبوه، ومزاعم فلسطينية بتسميمه، وتلميح القيادي في"حماس"محمود الزهار بأن مرتكبي الحادث كانوا مرافقين لوزير اسرائيلي زار أبوظبي خلال الفترة من 15 الى 17 كانون الثاني يناير الماضي:"عندما لا يكون هناك مجال للخطأ ... تنجز الأمور سريعاً ... وليس باتباع طرق مثل التعذيب والأساليب المشابهة. كما لا نستغل ساسة زائرين"كستار. من جانبه، عقّب وزير البنى التحتية عوزي لنداو على اتهامات"حماس"بأن منفذي الاغتيال كانوا ضمن حاشيته أثناء مشاركته في المؤتمر الدولي للطاقة المتجددة الذي عقد في دبي قبل أسبوعين، وقال ان الاتهامات"لا تعدو كونها خيالاً شرقياً جامحاً ممزوجاً بغضب عربي وفلسطيني على رفع العلم الإسرائيلي في قاعة المؤتمرات في ابو ظبي". وأضاف أنه والوفد المرافق له سافرا الى ابو ظبي لحضور المؤتمر الدولي من اجل حماية البيئة فقط. وعندما سئل عن رأيه في رئيس"موساد"مئير دغان، قال:"إنه من الشخصيات النخبوية في إسرائيل". الإعلام الإسرائيلي وتناولت كبرى الصحف الإسرائيلية"يديعوت أحرونوت"حادث الاغتيال في صفحتها الأولى تحت عنوان"الذراع الطويلة"للموساد إلى جانب صورة لوالدة الجندي ايلان سعدون تحمل صورة ابنها الذي اختطف مع جندي آخر وقتلا عام 1989 في عملية نسب تخطيطها وتنفيذها إلى المبحوح. واختارت"معاريف"عنوان"تصفية في دبي"، وأرفقته بعنوان آخر"تصفية حساب"، مشيرة إلى أنها تعتمد في ذلك على الاتهامات التي وجهتها"حماس"ل"موساد". وجاء في عنوان صحيفة"إسرائيل اليوم"اليمينية:"يد موساد"و"نهاية مخرب كبير ... الرجل الذي أوجد عمليات خطف جنود، ثم أدار شبكة التهريب من ايران إلى قطاع غزة". وتناولت بإسهاب أربع عمليات اغتيال نسبت إلى"موساد": اغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية عام 2008، ومحاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي ل"حماس"خالد مشعل في عمان عام 1997، واغتيال قائد حركة"الجهاد الإسلامي"فتحي الشقاقي عام 1995 في مالطا، واغتيال علي حسن سلامة عام 1979 في بيروت. من جهتها، أضافت"يديعوت أحرونوت"لهذه العمليات، عمليات تخريب في المنشآت النووية الإيرانية أعوام 2004-2006، وتفجير"المفاعل النووي"في سورية عام 2007، و"تصفية الجنرال السوري محمد سليمان"برصاص قناصة قرب اللاذقية في آب أغسطس 2008، وتفجير قافلة الأسلحة من ايران إلى غزة في السودان قبل عام، والمعلومات التي قادت إلى الكشف عن تخصيب اليورانيوم في قم في ايران، واعتراض سفينة"فرانكوب"التي نقلت أسلحة من ايران إلى"حزب الله". وتم استعراض هذه العمليات في شكل شريط اخباري على ثلاث صفحات تحت عنوان"الذراع الطويلة، العمليات المنسوبة للاستخبارات الإسرائيلية بحسب الإعلام الأجنبي". وتحت عنوان"أوسمة في السر"، كتب المعلق في الشؤون الاستراتيجية في"يديعوت أحرونوت"رونن برغمان أن إسرائيل لن تقر أبداً بأن لها علاقة بتصفية المبحوح"ولا يوجد سبب يستدعيها لتحمل المسؤولية". وأضاف أنه في"عالم الظلال"والحرب الاستخباراتية"لا أحد يتحمل مسؤولية عن شيء، وإذا كانت هناك حاجة لتوزيع أوسمة، فإن ذلك يتم في الغرف المغلقة". وأضاف أنه"يجدر بمن لديه أذن حساسة أن يستمع إلى الموسيقى في الخلفية وما يقال بين السطور، فتحذيرات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من أن لدى حماس صواريخ ذات مدى 60 الى 70 كيلومتراً لا تأتي لمجرد تزويد الفضوليين بها، بل علينا أن نفترض أن هناك من يقوم بعمل ما لمعالجة هذه المسألة ... وراء تصريح كهذا جهود استخباراتية وعمليانية لمنع تهريب هذه الصواريخ". "إفشال عمليات والردع" وكتب المعلق العسكري في"إسرائيل اليوم"يوآف ليمور أن عمليات من قبيل اغتيال المبحوح لا تأتي للثأر فقط، كما تعتقد"حماس"، إنما لتحقيق هدفين مهمين:"إفشال عمليات، والردع". وأضاف ان"إخراج"المبحوح من دائرة العمل في تهريب السلاح من ايران إلى القطاع هو عملية إفشال مهمة لأنها ستراكم صعوبات على مواصلة التهريب في المدى القريب إلى حين إيجاد بديل له،"ومن سيحل محله سيكون أكثر حذراً، وهذا الردع هو ما أراد المنفذون تحقيقه .. وبما أن موساد هو المشبوه الرئيس والفوري، فإن الخوف منه سيتعاظم". ونقلت الصحيفة عن مسؤول في"حماس"قوله لها إن تصفية المبحوح"تشكل ضربة موجعة"للذراع العسكرية للحركة، وأن اغتياله"يوازي اغتيال عماد مغنية، وسيكون صعباً الصحوة من الضربة وإيجاد البديل المناسب، إن وجد أصلاً، وسيحتاج الأمر إلى وقت كبير". من جهته، كتب المعلق في الشؤون العربية، السفير السابق في موريتانيا بوعز بيسموت أن إمارة دبي تستقبل الإسرائيليين على أرضها"بانفتاح كبير"، شرط أن تكون في حوزتهم جوازات سفر أجنبية، كما تغض أبو ظبي الطرف عن وجود إسرائيليين في تخومها. نشر في العدد: 17104 ت.م: 01-02-2010 ص: 11 ط: الرياض