لم يكن الظهور الأول للمنتخب السعودي في نهائيات الأمم الآسيوية حدثاً طبيعياً لأنصاره، فالاستحقاق الذي استضافه الاتحاد السنغافوري لكرة القدم في عام 1984 غيّر وجهة الكرة السعودية كاملاً التي عانت الكثير بعد خروجها المستمر من بطولات الخليج وهو تجر أذيال الهزيمة، وحملت نسختها الأخيرة التي أقيمت في مسقط آنذاك إبعاد المدرب الداهية البرازيلي زاجالو وإحلال الوطني خليل الزياني بديلاً له لعل وعسى أن يصلح ما أفسده أبناء السامبا من مواهب"الأخضر". رحل المنتخب السعودي إلى سنغافورة بعد أن أقام معسكراً في مدينة الجبيل شرق السعودية هدف من خلاله الجهاز الفني إلى إيجاد توليفة بين اللاعبين الذين انضموا حديثاً للمنتخب مثل ناصر المنصور وخالد الغانم - رحمه الله - وعادل عبدالرحيم ومساعد السويلم وسلمان النمشان ويوسف عنبر، إلى جانب اللاعب الشاب بندر الجارالله القادم من صفوف نادي أحد، ولم يكن يدر بخلد أي متفائل في الشارع الرياضي أن سنغافورة التي حقق"الأخضر"على ملاعبها قبل ثلاثة أشهر التأهل إلى أولمبياد لوس أنجليس ستكون أرض التفاؤل وبوابة الانطلاقة نحو الألقاب الآسيوية، لذلك كان وجود المنتخب السعودي مصحوباً بزخم إعلامي كبير من السنغافوريين، بيد أن وجوده الآسيوي الضعيف قلل من حظوظه في الترشيحات في الوصول حتى إلى الدور الثاني من البطولة التي شهدت مشاركة عشرة منتخبات هي: سنغافورة والسعودية وكوريا الجنوبيةوقطر وإيران وسورية والصين والكويت والهند والإمارات، وتم تقسيم الفرق إلى مجموعتين، وجاءت مجموعة"الأخضر"الأولى الأصعب بوجود منتخب كوريا الجنوبية صاحب الخبرة الطويلة وصاحب اللقب الآسيوي الأول، إلى جانب قطر وسورية والكويت. بدأ المنتخب السعودي أولى مواجهاته في البطولة يوم الاثنين الثاني من كانون الأول ديسمبر من عام 1984، أمام المنتخب الأقوى في المجموعة كوريا الجنوبية، الذي تقدم بهدف سجله في الدقيقة 53 عن طريق لاعب الوسط تي لي يونغ، قبل أن ينجح سيد مهاجمي آسيا ماجد عبدالله في إدراك التعادل للمنتخب السعودي في الدقيقة 89 من المواجهة، ليعطي هذا الهدف الدافع للاعبي المنتخب السعودي للانطلاق نحو الدور الثاني، وهو ما وضح عليه في المواجهة الثانية التي جمعته بالمنتخب السوري قبل أن يتفوق"الأخضر"بهدف لاعب الوسط الخبير صالح خليفة في الدقيقة 72، وعاد المنتخب السعودي لسلسة التعادلات من جديد بعد أن خرج متعادلاً أمام نظيره القطري الذي تقدم بهدف علي يزيد، ليرد عليه الظهير الأيسر محمد عبدالجواد بهدف في الدقيقة 63 من المباراة، وتوجّب على المنتخب السعودي الفوز في مواجهته الرابعة من البطولة أمام المنتخب الكويتي في حال رغب في تصدّر المجموعة الأولى، وتحقق له ما أراد عن طريق"الكوبرا"محيسن الجمعان في الدقيقة الأخيرة من المباراة، ليعلن"الأخضر"تصدره المجموعة، وعليه ملاقاة المنتخب الإيراني ثاني المجموعة الثانية، وفي الرابعة عصراً من يوم الخميس التقى المنتخب السعودي بالمنتخب الإيراني ودارت الأحداث عن ماذا يخبئ هذا المنتخب في الأدوار التمهيدية، حتى إن أكثر المتشائمين قال إن الوصول لهذا الدور هو الإنجاز الحقيقي لمنتخب قليل الخبرة في مثل هذه البطولات، وحملت الدقيقة 43 الصدمة لمشجعي"الأخضر"بعد أن تقدم الإيرانيون عن طريق شاهروخ بياني الذي أسعد الإيرانيين، قبل أن يتسبب في إعادة الابتسامة للسعوديين بعد أن أسكن الكرة في شباك فريقه في الدقيقة الأخيرة، ليعيد الأمل من جديد للاعبي"الأخضر"الذين كسبوا الجولة بفضل ركلات الترجيح التي تناوب على تسجيلها كل من ماجد عبدالله وصالح النعيمة ومحيسن الجمعان ومحمد عبدالجواد وفهد المصيبيح، لتحلّق الكرة السعودية، وتغيّرت لغة المراهنات التي كانت أبعدت المنتخب عن الوصول لهذا الدور، ذلك التوهّج كانت تنقصه فقط العودة بالكأس إلى الرياض، لكن أمام هذا الحلم يقف المنتخب الصيني الذي خطف هو الآخر بطاقة التأهل إلى المباراة النهائية بعد تجاوز المنتخب الكويتي بهدف لي هوايون، لكن الحلم تحول إلى حقيقية، إذ لم يتجاوز السعوديون الدقيقة العاشرة التي حملت الهدف الأول من المهاجم شايع النفسية ليتأكد أبناء القارة الصفراء من أن"الأخضر"قادم لا محالة لوضع اسمه في السجل الذهبي للبطولة كثاني المنتخبات الخليجية فوزاً باللقب بعد الأزرق الكويتي الذي فاز بالنسخة السابعة في عام 1980، ليبحث أبناء"التنين"عن معادلة النتيجة، ويتدخل الأسطورة الآسيوية ماجد عبدالله مقدماً الذهب لأبناء الصحراء بهدف من طراز رفيع لا يسجله سوى اللاعبين الكبار 57، لتنتهي فصول الرحلة الأولى بملامسة السعوديين ذهب أكبر قارات العالم في زيارتهم الأولى له، ولم يكتفوا بذلك، إذ نال الحارس عبدالله الدعيع لقب سيد حراس آسيا بفضل الأداء المميز طوال مواجهات المنتخب في البطولة. وتصدر ماجد عبدالله قائمة هدافي المنتخب السعودي برصيد 3 أهداف، وحلّ رابعاً في ترتيب قائمة هدافي البطولة بعد الصيني جيا زي كوان والإيرانيين ناصر محمد خاني وشاهروخ بياني.