تعول الولاياتالمتحدة على قمة قادة دول مجموعة العشرين الخامسة التي تبدأ اليوم في عاصمة كوريا الجنوبيةسيول لتحقق ما فشلت في انتزاعه من اجتماع وزراء المال ومحافظي المصارف المركزية التحضيري أواخر الشهر الماضي، أي التوصل إلى اتفاق لتحديد سقف للفوائض وحالات العجز، يكون ملزماً للاقتصادات المتقدمة والناشئة ال 19 والاتحاد الأوروبي باستثناء الدول الكبرى المصدرة للنفط والمواد الخام مثل السعودية والبرازيل. وشدّد الرئيس الأميركي باراك أوباما على أهمية هذا الاتفاق، مذكراً قمة سيول بما التزمته القمة الثالثة للمجموعة التي استضافها في بيتسبورغ السنة الماضية فكتب في مقالة نُشرت الأحد"ان تحقيق نمو قوي ومستدام ومتوازن يتصدر أولوياتنا قادة دول المجموعة في السنة الحالية، ويتطلب ذلك تعاوناً ومسؤولية من قبل الجميع، أي الاقتصادات الناشئة والاقتصادات المتقدمة، والدول التي تعاني عجزاً تجارياً والدول التي تتمتع بفائض". وتعامل البيان الاختتامي للاجتماع الوزاري مع مسألة حالات العجز والفائض في موازين المدفوعات الخارجية الاختلالات العالمية بمرونة لم تصل إلى حد تبني اقتراح أميركي في هذا الشأن، إذ وعدت الدول الأعضاء ب"انتهاج سياسات تخفض الاختلالات الحادة وتبقي موازين الحسابات الجارية عند مستويات مستدامة"، مبدية تفهمها لأهمية استثناء الدول الكبرى المصدرة للمواد الخام. ورأى المحلل الاقتصادي موريس غولدستين، من معهد بيترسون الأميركي للدراسات الاقتصادية، وعدد كبير من المحللين الأميركيين، ان أوباما الذي يطمح مع سعيه إلى مكافحة أزمة البطالة المستعصية، إلى مضاعفة الصادرات الأميركية في خمس سنوات، سيخرج من قمة سيول خالي الوفاض ما لم يحصل على اتفاق يضع سقفاً محدداً ل"الاختلالات الحادة"و"الموازين المستدامة"ويرسي آلية عقابية تضمن الالتزام بالسقف في شكل صارم. لكن تحقيق اتفاق كهذا لا يبدو أمراً يسيراً، خصوصاً بعدما أعلنت لجنة السياسة النقدية الأميركية الأربعاء الماضي دعم سيولة القطاع المصرفي بمئات بلايين الدولارات تحت مسمى"سياسة التيسير الكمي"المثيرة للجدل التي أشعلت موجة غضب عالمية وانتقادات حادة بل وساخرة أكدت ما كان بيان الاجتماع الوزاري أظهره من مدى تضارب المصالح النقدية والمالية والتجارية لكبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. وسبق للمصرف المركزي الأميركي ان ضخ سيولة بكميات مضاعفة لكن في ظروف ولأغراض مختلفة. ففي محاولته الأولى لإنعاش أسواق الائتمان التي أصابتها الأزمة المالية بشلل كانت نتائجه وخيمة على الاقتصاد الأميركي والعالمي، ضخ المصرف 1.4 تريليون دولار في سندات الرهن العقاري، مساهماً في خفض أسعار فائدة الرهون وإنقاذ نحو 1.5 تريليون دولار من الاستثمارات، وكثير منها عربي، في سندات مؤسسات الرهن العقاري المتعثرة. وفي الجولة الجديدة يعتزم مجلس الاحتياط الفيديرالي ضخ 600 بليون دولار بمعدل 75 بليوناً شهرياً في حسابات المصارف التجارية الكبرى، في مقابل جزء من رصيدها الاحتياطي من السندات الحكومية الطويلة الأجل. أما الهدف المعلن لهذا الإجراء غير المسبوق فهو التصدي لخطري البطالة وانكماش الأسعار اللذين يهددان الاقتصاد الأميركي في أكثر عناصر النمو حيوية وأهمية. ودافع رئيس المجلس بن برنانكي عن قرار ضخ السيولة وقال في مؤتمر عُقد في منتجع جزيرة جيكل السبت والأحد الماضيين لاستعراض إنجازات المجلس وإخفاقاته في قرن ونيف من تاريخه:"ثمة اعتقاد سائد بأن سياسة التيسير الكمي واحدة من الأشياء الجديدة والغريبة، وأننا لا نملك أدنى فكرة عما سيحدث، بينما هي في الواقع سياسة نقدية لا تختلف في نجاحها أو فشلها عن أي من السياسات المعتادة والأكثر تقليدية". ولم يؤكد برنانكي ان الجولة الجديدة من ضخ السيولة استهدفت إضعاف الدولار فحسب، بل شدد أيضاً على ان لجنة السياسة النقدية في المجلس التي يرأسها"تدرك تمام الإدارك الدور المهم الذي يلعبه الدولار في اقتصاد العالم وأسواقه ونظامه المالي"، مخاطباً ضمنياً الحكومة الصينية التي قالت على لسان مسؤول رفيع المستوى في وزارة خارجيتها"ان الولاياتالمتحدة بصفتها مصدر عملة احتياط عالمية، مدينة للعالم بتفسير لسياستها النقدية". وفيما صوت عضو اللجنة النقدية الأميركية المحافظ كيفن وورش لمصلحة قرار ضخ السيولة، اعترف، في كلمة أمام اتحاد أسواق السندات والأوراق المالية في نيويورك الاثنين الماضي، نشر المصرف المركزي نصها، بأن تدخل المجلس في سوق السندات الحكومية يعرض الدولار وأسعار السلع والأصول الاستثمارية بكل أنواعها وفي كل أنحاء العالم لأخطار"لا يُستهان بها". وقال:"ان لسندات الخزانة خصوصية لما تلعبه من دور فريد من نوعه في النظام المالي العالمي، فهي رديف للدور الذي يلعبه الدولار كعملة احتياط عالمية، كما ان عوائدها الخالية من الأخطار تشكل الأساس المعتمد في تقويم عوائد الأصول الاستثمارية بكل أنواعها تقريباً وفي كل أنحاء العالم". ولفت إلى ان الخطورة في استحواذ مجلس الاحتياط على سندات الخزانة تكمن في التأثير في عوائدها. وأفاض وورش في اعترافاته لحض اللجنة النقدية على التزام الحذر في التطبيق، لكن المحللَين موريشيو كارديناس وادواردو يياتي من"معهد بروكينغز"خلصا إلى ان سياسة التيسير الكمي الأميركية ليست سوى عنوان مقنّع لإضعاف الدولار وفصل جديد من فصول"حرب العملات". وحذّرا من ان ضخ السيولة في الظروف الحالية للاقتصاد الأميركي يتهدد الاقتصادات الناشئة، خصوصاً في أميركا الجنوبية. لكن أكبر تحدٍّ يعترض الطموحات التجارية الأميركية يكمن في الآثار الكارثية التي خلفتها الأزمة المالية ورديفها الكساد الكبير، إذ استنزفت الأولى موازنات دول مجموعة العشرين من دون استثناء ودفعت بالصادرات إلى قمة الخيارات المتاحة أمام الحكومات لخفض حالات العجز المالي، بينما أرهق الثاني كبار الشركاء التجاريين بدءاً بالسعودية التي انخفض فائضها مع الولاياتالمتحدة من 42 بليون دولار إلى 11 بليوناً وانتهاء باليابان التي انخفض فائضها من 80 بليون دولار إلى 40 بليوناً.