كيف حجزوا تذاكرهم للأبد مقاعدهم للردى لم يكن في السماء قمر ولا رغيف لم يكن في ثدي الحياة صمغ حياة كان الليل متجهماً والريح عبوسة فجأة نبتت مخالب العاصفة أنياب نجمة صبحٍ لم يكن قريباً يا فجر الخامس والعشرين يا قرصان الأرواح الخفيفة يا رسول الدمع والصقيع كيف خنت نفسك واسمك كيف أطبقت على طفلة من رحيق ألقيت دميتها لوحوش الماء. لماذا يا حزام الأمان يا قبطان الأسى ومضيفات الفطور المؤجّل لماذا يا دعاء السفر سبحان من سخّر لنا هذا من كتب ما كتب عيون تلك التي أضاءت كبد الغيم أم كتلة من لهب. من يمحو حبر السماء من يعيد ترتيب الأسماء من يكفكف لوعة اليابسة. يا رجفة الشفتين يا اصطكاك الركب يا جحوظ العينين يا برق الروح في الريح يا رعد الأحبة ومطر القلب الى أعلى سبحان من سخّر لنا هذا من وضّب الأعمار في حقائب السفر من ألقى النوم في عيون الناجين ثم أقفل المدى. يا سمرة أثيوبيا المذابة في الأبيض المتوسط يا مفترق الأحلام الشاقّة ورصيف الأحزان يا حنان أفريقيا ومنجم وعودٍ مجبولةٍ بالعرق لذهب الغربة لمعان زائف لفراق الأهل جمر لا يترمّد أحجار الوطن كريمة مهما طال السفر منذ ألف ضوءٍ نهاجر منذ ألف حلم مستحيل نمتطي البرّ والبحر والغيم المسافر حاملين حظوظنا في تأشيرات الأجانب معلّقين احتمالات الفجر على المشاجب كلّما ضاق الوطن اتّسعت جوازات السفر كلّما فاض القلب مشينا على الماء على شفرة الروح وشفير الغياب سبقنا الضوء الى مصدره والريح الى جذرها على وجوهنا نذور الأمهات في قلوبنا شوق الأحبّة. في حدائق المنفى نغرس وروداً على أسماء صغارنا نعانق زوجاتنا في الإنترنت نقبّل أطفالنا في ألبومات الصوَر. لا يجيد البحر لفظ أسمائنا لا يجيد الموج حمل أمتعة أرواحنا لا عشب للغائبين في المياه المالحة لا شواهد للقبور المائية لذا نمضي خلسةً يا مقبرة الأبيض المتوسط نمضي بخفّة أحلامنا بخفّة أطفالنا تاركين جثامين ذكرى وليلاً ثقيلاً يردم ثقوب الذاكرة يستر ذنوب البلاد نعود بعد أن تكمل الفصول دورتها ويهدأ روع المطر فهل لنا / لكم أن تكتبوا على رخام ذكرانا: "الأرض لينة لولا الطغاة". * الى ضحايا كارثة الطائرة الأثيوبية - مقاطع من نص طويل. نشر في العدد: 17100 ت.م: 28-01-2010 ص: 34 ط: الرياض