طالب منتجو الحليب في سويسرا أمس الحكومة بزيادة أسعار توريد الحليب إلى المصانع والشركات لتغطية تكاليف الإنتاج ووقف ما وصفوه ب"الليبرالية الاقتصادية المطلقة"التي تسببت بها اتفاقات تحرير التجارة العالمية،"لما أسفرت عنه من تداعيات أضرت بالاقتصاد الزراعي السويسري، لا سيما في مجال منتجات الألبان ومشتقاتها". وأكد رئيس حزب الشعب، المحسوب على اليمين المتشدد، طوني برونر ل"الحياة""فشل الحكومة في ملف المفاوضات الزراعية مع الاتحاد الأوروبي"، واتهمها ب"عدم الحرص على مستقبل المزارعين في سويسرا والمضي نحو خفض أسعار الحليب وصولاً إلى مستوى الاتحاد الأوروبي"، ما يعني القضاء على مستقبل مئات المزارعين من منتجي الحليب، لعدم استطاعتهم التكيف مع الأسعار الأوروبية التي تقل في المتوسط بنحو 25 في المئة عن تكاليف الإنتاج في سويسرا. ويتهم المتظاهرون اتفاقية التبادل التجاري الحر المبرمة بين سويسرا والاتحاد الأوروبي بتدهور صناعة الأجبان السويسرية، بحيث هبطت نسبة صادرات سويسرا منها من 12 في المئة من إجمالي صادرات مواد الغذاء لعام 2004، لتصل إلى 9 في المئة في 2007 وتستقر عند 6 في المئة في 2008 تعادل فقط 28 ألف طن. في المقابل ارتفعت واردات سويسرا من منتجات الألبان إلى 22 ألف طن خلال العام الماضي، بزيادة 6 في المئة مقارنة بما كانت عليه في 2007، فانعكست الزيادة سلباً على الصناعة المحلية. وبموجب المطالب سيكون سعر الحليب السويسري أغلى من نظيره في الاتحاد الأوروبي بنحو 25 في المئة، لإصرار المزارعين على احتساب فارق مستوى المعيشة المرتفع في سويسرا والتكاليف الإدارية مقارنة مع بقية دول أوروبا، ما ينعكس بصورة تلقائية على تكاليف إنتاج الحليب. ويؤكد المتظاهرون أن السياسة الراهنة"تدفع بصناعة الألبان السويسرية الشهيرة إلى الانتحار أو الموت البطيء". وتعترف وزارة الزراعة السويسرية بمشكلة حقيقية في تراجع أسعار الحليب ومشتقاته وتأثيرها في المزارعين، لكن الناطق الإعلامي باسمها يورغ يوردي قال ل"الحياة"إن المشكلة عالمية ولها علاقة مباشرة مع الأزمة المالية والاقتصادية، بحيث تراجعت القوة الشرائية للمستهلكين بما فيها استهلاك اللحوم الحمراء، ولا يمكن في ظل الأزمة الاعتماد على صادرات سويسرا من الأجبان على سبيل المثال، لتعويض خسائر ارتفاع تكاليف إنتاجها، وعدم مواكبتها حالة الانكماش الاقتصادي التي تعاني منها الدول الصناعية الكبرى التي تستورد الأجبان السويسرية". ويتوقع يوردي أن يشهد إنتاج الحليب والصناعات المتعلقة به"تغيراً ملحوظاً في الفترة المقبلة بحيث يرجح تراجع عدد المزارع المنتجة بعد أن تصبح مجبرة على إغلاق أبوابها لعدم مقدرتها على تغطية نفقات الإنتاج". وتعكس تظاهرة سويسرا الوضع العام داخل الاتحاد الأوروبي الذي يعكس بدوره المشكلة بصورة عالمية، حيث انهارت أسعار الألبان ومنتجاتها نتيجة فائض الإنتاج وتكدس إنتاج الزبدة والحليب المجفف في المخازن. وعلى رغم الدعم ببلايين اليوروات الذي قدمه الاتحاد الأوروبي إلى المزارعين، إلا أن المزارع لا يحصل سوى على 25 سنتاً عن الكيلو الواحد، في حين أن الحد الأدنى للسعر يجب ألا يقل عن 40 سنتاً، ليتمكن المزارعون من تغطية النفقات وتأمين دخل معقول. لجنة الاتحاد الأوروبي الزراعية تؤكد أنها ساهمت بنحو 350 مليون يورو لدعم التصدير وتكاليف التخزين، ووعدت برفع المساهمة إلى 600 مليون يورو مع نهاية السنة. وخزّنت اللجنة حتى منتصف السنة 81237 طناً من الزبدة و202 ألف طن من الحليب المجفف، إلى 96 ألف طن من الزبدة المخزونة لدى مؤسسات خاصة. ويواصل الاتحاد الأوروبي شراء الحليب المجفف والزبدة حتى آذار مارس 2010 للحفاظ على مستوى الأسعار، خوفاً من تراجعها بسبب كثرة المعروض الذي قد يؤدي إلى إغراق السوق. وتحتج دول نامية عدة على السياسة الأوروبية، وترى أن المبالغ الطائلة المدفوعة تحت مسميات مختلفة، لا تنسجم مع مقررات منظمة التجارة العالمية بحظر أنواع الدعم الزراعي وتضر بأسعار سوق الحليب ومشتقاته عالمياً، إذ تحاول أوروبا، بحسب رأي المنتقدين، الاستفادة من الإقبال المتزايد من السوق الصينية وضعف الإنتاج في كل من أستراليا ونيوزيلندا نتيجة تراجع الأمطار فيهما. ويتفق خبراء الاقتصاد على أن أسعار الحليب ومشتقاته ستواصل الهبوط ليس فقط بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، ولكن أيضاً نتيجة اتفاقات منظمة التجارة العالمية، بحيث تنبأت دراسة المعهد الفيديرالي السويسري للتقنية في زيوريخ عام 2005 بانخفاض أسعار الحليب في 2011 بين 52 و 63 في المئة مقارنة بما كانت وقت إعداد الدراسة. وتتفق النتائج مع توقعات الاتحاد الأوروبي بتراجع إنتاج الحليب إلى 147 مليون طن في 2010 من 148 مليوناً في 2006، وهو ما يشير إلى أن الأزمة ستدفع بالفعل إلى إغلاق مزارع إنتاج الألبان. وسيطاول هذا التأثير قطاعات إنتاج اللحوم الحمراء والعلف ويتوقع أن تتراجع أسعار اللحوم أيضاً بصورة كبيرة وينخفض الإنتاج الأوروبي من الحليب ومشتقاته، مع احتمال زيادة الاستثمار في هذا المجال في الدول النامية ذات المراعي الخصبة والأيادي العاملة الرخيصة. وتتساءل منظمات غير حكومية معنية بالتنمية والتجارة العالمية، حول ثبات أسعار منتجات الحليب المجفف في الدول النامية، لا سيما تلك المستخدمة في تغذية الأطفال وصناعات الغذاء ذات الصلة. نشر في العدد: 16949 ت.م: 30-08-2009 ص: 21 ط: الرياض عنوان: إنتاج الألبان يتراجع في أوروبا إلى 147 بليون طن في 2010