يضيق منزل عايدة بأكوام المجلات النسائية. هي ليست من صنف النساء اللواتي يضعن المجلة في سلة المهملات عندما ينتهين من قراءتها، أو يتخلصن منها باعطائها إلى شخص آخر."تخزّن"الكمية الممكنة من الأعداد القديمة، وتفلفش صفحاتها لتستمتع بقراءة تحقيق أو لإنعاش ذاكرتها بوصفة طبية من الزيوت الطبيعية تعيد النضارة الى وجهها. منذ زواجها قبل 15 عاماً، تهوى عايدة قراءة المجلات النسائية بشغف، وهي اليوم تشعر كأنها تملك أسرار الجمال والعالم بين يديها لمجرد أنها تبتاع شهرياً أكثر من عشر مجلات متخصصة في شؤون المرأة والعائلة."عدوى"شغف المجلات لم ينتشر في المنزل إلا منذ مدة قصيرة."المصاب"الجديد هو زوج عايدة الذي سخر دوماً من"مرض"شريكته غير القابل للشفاء... فإذا به يقع فريسة سهلة للصفحات الملوّنة المغرية، ولكنْ، لاعتبارات مختلفة تماماً عن تلك التي جعلت زوجته"رهينة"لها. عايدة وطارق من الوجوه الاجتماعية"الناشطة"في البلد. أجندتهما تفيض عادة بمواعيد المناسبات الاجتماعية والعائلية والفنية. تجول الكاميرات وسط المدعوين الى هذه المناسبات وتلتقط الصور. في الأسبوع التالي، ترى عايدة صورتها مع زوجها منشورة في إحدى المجلات... تهلّل للانتصار، وتنتظر بفارغ الصبر مناسبة أخرى لتغيّر"اللوك"والتسريحة والماكياج،"لتضبطها"الكاميرا في سهرة جديدة توسّع حلقة"شهرتها". عايدة من هواة الاستفادة من كل كلمة وصورة. المجلة النسائية هي"خريطتها"للمعرفة والاطلاع على آخر ابتكارات الموضة والجمال، واستكشاف أسرار المشاهير وتوسيع نشاطاتها وصورتها الاجتماعية. أما طارق فلا تعنيه من مجلة المرأة سوى الصورة و"دلالاتها". هو رجل أعمال من دون ثروة، يعطي عمله اهتماماً كبيراً. وحديثاً، اكتشف أن"العلاقات الاجتماعية"عبر المجلات تزيد من رصيده المهني وتفتح له أبواب التواصل مع"مفاتيح"كبار رجال الأعمال في لبنان. هكذا لم يعد طارق يجد حرجاً في شراء وتفحّص كل مجلات المجتمع بما فيها النسائية، بعد أن صنّفها جزءاً من"البيزنس"... وإن كان للمسألة وجه آخر. عندما تتحوّل المجلة النسائية الى"دليل"للرجل العصري والمنفتح فلا بأس من المجازفة باستكشاف عالم المرأة. طارق بات يستمتع بالتعرّف أكثر الى ذوق المرأة وأناقتها وأسرار جمالها... والأهم من ذلك استكشاف"مغارة المحرّمات"التي عادة ما تنغلق المرأة داخلها، ولا تجد طريقها الى الكلام المباح إلا على صفحات المجلات النسائية المتخصّصة. يعترف طارق وبعض من أصدقائه بأن قراءة المجلات النسائية"ليست عيباً". صحيح أنها تعني المرأة بالذات، كما فئة معينة من الرجال الذين يعملون في مجال الفن والجمال، إلا أن الفئة"الأخرى"من الرجال قد تجد الكثير داخلها مما يثير الاهتمام. يقول داني صديق طارق:"لم اشتر يوماً مجلة نسائية، لكن مجرد وجود عدد منها داخل المنزل يدفعني الى فلفشة صفحاتها". داني معجب بالمواضيع الجريئة التي تتناولها بعض المجلات اللبنانية النسائية:"هي مواضيع تخصّ المرأة في نصفها الأول والرجل في النصف الثاني". يضيف داني:"هناك مجلات تخصّص في صفحاتها مقابلات مع رجال لهم حيثيتهم، أو مواضيع يكون للرجل الحصة الأكبر فيها. هذا التنويع يكسر الاحتكار الأنثوي لها". بكثير من"العنصرية"، يتعاطى كريم 30 سنة مع موضوع المجلات النسائية. يرى فيها"بيئة أنثوية"لا علاقة للرجل بها. أكثر من ذلك يصنّفها في خانة مجلات"القال والقيل"أو"الثرثرة"النسائية"التي تعكس اهتمامات المرأة السطحية في الحياة". عالم كريم ينحصر في قراءة كتب التاريخ والسياسة والأدب. يبدي انزعاجاً بالغاً عندما يرى إحدى مجلات"الثرثرة"تستريح فوق مكتبه. مكانها"الطبيعي"في المطبخ أو على شرفة المنزل وبين يدي والدته المولعة بمواضيع المرأة"الحساسة". يرفع فادي 40 سنة، شقيق كريم، شعاراً مختلفاً تماماً. هو من أنصار معادلة"إعرف المرأة... من مجلاتها". غالباً ما يلجأ فادي الى مشاركة زوجته في قراءة بعض المجلات النسائية. تستوقفه المواضيع التي تلامس الخط الأحمر وتعكس"الوجه الآخر"المخفي للمرأة، وينطلق منها لمناقشة شريكته في مسائل لم تخطر في باله. لكن كريماً لا يخفي شغفه أيضاً باستكشاف بئر الجمال. تستهويه بقوة صور جميلات لبنان والعالم يتمخترن على صفحات المجلات في"عصر إعلاني"يتقن إبراز مفاتن الوجه والجسد. هي هواية جديدة أضافها كريم الى هواياته المتعددة، وقد تكون الأهم. بتهكم يقول:"هي متعة حقيقية تنعش ذاكرة أنهكها روتين الحياة الزوجية". في منزل أبو شادي 50 سنة قصة من نوع آخر. هنا ثمة من يحارب علناً المجلات النسائية ومشتقاتها كافة. رب العائلة يفرض ما يشبه الحظر على دخول هذا النوع من المجلات الى منزله، والاعتبارات كثيرة. في مفهومه"هي مادة ترويجية وإعلانية لا تقدّم ولا تؤخّر في يوميات الرجل العملي... و"فخ جميل"للمرأة يدفعها للاقتراض لتلبية متطلبات"ما تقترحه"صفحات المجلة". لا ينكر أبو شادي أن الرجال لهم أحياناً حصتهم على صفحات عالم المرأة، لكنها حصة"تسويقية"تنفع مناقشتها على فنجان قهوة في"صبحية نسوان". نشر في العدد: 16946 ت.م: 27-08-2009 ص: 23 ط: الرياض