صعود مؤشرات الأسهم اليابانية    أمطار رعدية على اجزاء من مناطق الرياض ومكة وعسير    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    مرصد حقوقي: المجاعة وشيكة في غزة ومليون طفل يعانون سوء تغذية حاد    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    توتنهام يتغلب على أينتراخت فرانكفورت    النفط يسجل زيادة بأكثر من 3 بالمئة    تشيلسي الإنجليزي يتأهل للمربع الذهبي بدوري المؤتمر الأوروبي    مجلس الأعمال السعودي الأمريكي يحتفي بمرور 30 عامًا على تأسيسه    قتيلان في إطلاق نار في جامعة في فلوريدا    ممتاز الطائرة : الأهلي يواجه الاتحاد .. والابتسام يستضيف الهلال    الغزواني يقود منتخب جازان للفوز بالمركز الأول في ماراثون كأس المدير العام للمناطق    نائب وزير الخارجية يستقبل وكيل وزارة الخارجية الإيرانية    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    «تنمية رأس المال البشري».. تمكين المواطن وتعزيز مهاراته    تقاطعات السرديات المحلية والتأثيرات العالمية    هل أنا إعلامي؟!    فرح أنطون والقراءة العلمانية للدين    الاستمرار في السكوت    في إشكالية الظالم والمظلوم    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على الخليج    انطلاق مهرجان أفلام السعودية في نسخته ال11 بمركز إثراء    ضبط إثيوبيين في عسير لتهريبهما (44,800) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    غدًا.. انطلاق التجارب الحرة لجائزة السعودية الكبرى stc للفورمولا 1 لموسم 2025    القبض على إندونيسي ارتكب عمليات نصب واحتيال بنشره إعلانات حملات حج وهمية ومضللة    أمير القصيم يستقبل مدير فرع الشؤون الإسلامية    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    نائب أمير جازان يرأس الاجتماع الرابع للجنة الإشرافية للأمن السيبراني    عبدالعزيز المغترف رئيساً للجنة الوطنية لمصانع الابواب والألمنيوم في اتحاد الغرف السعودية    نائب أمير منطقة جازان يطّلع على تقرير "الميز التنافسية" للمنطقة لعام 2024    أمير القصيم يستقبل منسوبي تجمع القصيم الصحي ويطّلع على التقرير السنوي    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    تخريج الدفعة ال22 من طلاب "كاساو" برعاية نائب وزير الحرس الوطني    بتوجيه من القيادة.. وزير الدفاع يصل العاصمة الإيرانية طهران في زيارة رسمية    جامعة الإمام عبدالرحمن وتحفيظ الشرقية يوقعان مذكرة تفاهم    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    وفاة محمد الفايز.. أول وزير للخدمة المدنية    سهرة فنية في «أوتار الطرب»    1.5 مليون طالب وطالبة يؤدون اختبارات "نافس" الوطنية    مجلس «شموخ وطن» يحتفي بسلامة الغبيشي    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    الأمير سعود بن جلوي يرأس اجتماع المجلس المحلي لتنمية وتطوير جدة    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    أنور يعقد قرانه    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    حرب الرسوم الجمركية تهدد بتباطؤ الاقتصاد العالمي    مؤسسة تطوير دارين وتاروت تعقد اجتماعها الثاني    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    رُهاب الكُتب    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفاهم روسيا وأميركا يمنع "حرب النجوم" و"عسكرة الفضاء" أساس الردع الاستراتيجي
نشر في الحياة يوم 07 - 07 - 2009

في زيارته الأولى لموسكو، يواجه الرئيس باراك أوباما ثلاث عقبات بارزة تعيق مسار توصل الولايات المتحدة وروسيا الى تفاهم عميق حول الردع الاستراتيجي وأسلحته التي تعتبر الذروة في الدمار على الأرض. والمعلوم أن معاهدة"ستارت 1"START 1، إختصاراً لعبارة STrategic Arms Reduction Treaty، وترجمتها "معاهدة تخفيض الأسلحة الاستراتيجية" تنتهي في الخامس عشر من كانون الأول ديسمبر المقبل. وقد رسمت"ستارت 1"، التي اقترحها الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان قبيل إطلاقه"مبادرة الدفاع الاستراتيجي"أو"حرب النجوم"، سقفاً استراتيجياً للتفاهمات بين القوتين الأضخم عالمياً في هذا الصدد وخلفت سلسلة معاهدات"سالت"SALT التي كانت فاتحة التفاهمات المعلنة عن الأسلحة الاستراتيجية. ووُقّعت"ستارت1"في 31 تموز يوليو 1991، قبل خمسة أشهر من إنهيار الاتحاد السوفياتي، على يد الرئيسين الأميركي جورج والكر بوش والسوفياتي ميخائيل غورباتشوف. والمعلوم أيضاً أنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا في العام 2001، وبعد أن أضيف إليها ملحق وقّعته 4 دول"ورثت"الأسلحة الاستراتيجية للإتحاد السوفياتي السابق هي روسيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا وكازاخستان. ولعل أولى تلك العقبات الاستراتيجية في محادثاتها مع أوباما هي إصرار روسيا على التزامن بين تخفيض الرؤوس الاستراتيجية وتقليص عدد الناقلات الاستراتيجية التي تشمل الصواريخ والقاذفات البعيدة المدى والغواصات. وتتمثل ثانيتها في الخلاف على نشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا المرتبط بتوسع حلف شمال الاطلسي شرقاً، ليلامس ما تعتبره موسكو حدودها الاستراتيجية. وتتجسد العقبة الأخيرة في فكرة حظر نشر أسلحة خارج أراضي البلدين، خصوصاً نشر أسلحة استراتيجية كونياً، ما يُشار إليه عادة بمصطلح"عسكرة الفضاء الخارجي"Militarization of Outer Space.
ففي الشهور الأخيرة، تزايد الحديث في موسكو عن نية أميركا نشر أسلحة هجومية متطورة في الفضاء الخارجي. وغدت عبارات مثل"خطط عسكرة الفضاء"و"سباق التسلح الجديد"و"نقل المواجهة إلى خارج المجال الجوي"شائعة في تصريحات المسؤولين الروس، خصوصاً في إطار البحث عن تدابير روسية للرد على ما يوصف بأنه"التحدي الجديد الأكبر خطراً".
وتزامن ذلك مع احتدام النقاش حول مستقبل المشروع الأميركي لنشر الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية وتداعياته على أمن روسيا الاستراتيجي. ولم تبد الإدارة الأميركية الجديدة حماسة كبرى لإنجاز المشروع الذي بدأه الرئيس السابق جورج دبليو بوش، بل تحدثت أوساط مقربة من البيت الأبيض عن توجه أوباما لدراسة جدوى نشر"الدرع"قبل إتخاذ القرار النهائي في شأنها.
لكن هذا التطور في الموقف الأميركي لم يهدئ قلق روسيا التي لم تر كما قال أحد كبار المسؤولين العسكريين فيها"خطوات عملية حتى الآن للتراجع عن تطور ينذر بإطلاق سباق تسلح جديد".
في هذه الظروف عاد التركيز في روسيا على تطوير صناعات الصواريخ بنوعيها: التكتيكية القصيرة المدى والاستراتيجية المتوسطة والعابرة للقارات. وشملت عمليات تطوير وتحديث الصواريخ الفضائية والصواريخ النووية المتعدّدة الرؤوس.
وجاءت العقيدة العسكرية الروسية الجديدة التي صاغها الرئيس السابق فلاديمير بوتين وأقرت في شكلها النهائي في العام الماضي، لتعيد مبدأ"الردع المتكافئ"إلى الواجهة، على رغم هموم روسيا الإقتصادية والأزمة المالية المستفحلة عالمياً. ويكفي القول إن تقليص النفقات الذي سرى على القطاعات العسكرية كلها، لم ينسحب على قطاعين أساسيين: الصناعات النووية والصواريخ.
وبحسب تصريحات مسؤولين بارزين فإن هذين القطاعين لن يخضعا لأي تخفيضات في النفقات خلال السنوات المقبلة.
"حرب النجوم"...مُجدّداً
منذ أن بدأت التقارير المتنوّعة تشير إلى تقدم في الجهود أميركياً نحو نشر أنظمة صاروخية متطورة في الفضاء الخارجي، اعتبر الخبراء العسكريون الروس أن بلادهم تواجه نسخة جديدة عن برنامج"حرب النجوم"الذي أطلقه الرئيس الأميركي رونالد ريغان، فأُرهقت الموازنة السوفياتية، حينها، في البحث عن سبل للرد عليه.
ومع زيادة نشاط واشنطن في اختبارات الصواريخ الباليستية الاعتراضية بدا أن روسيا تستعد لخوض مواجهة جديدة عبرت عنها بوضوح كلمات قائد سلاح الصواريخ الاستراتيجية نيكولاي سولوفتسوف:"بتحليل الوضع يبدو جلياً ان أميركا تعمل على تطوير أسلحة جديدة لاقتحام الفضاء الخارجي الذي يراه الأميركيون مساحة مهمة في الحروب. ولا يبدو أنهم مستعدون للتخلي عن فكرة نشر أسلحة هجومية في الفضاء الخارجي، لذلك علينا أن نعمل على اتخاذ خطوات مناسبة للدفاع عن أمننا ومصالحنا".
وبحسب سولوفتسوف، اتخذت موسكو سلسلة خطوات لتطوير الصواريخ الاستراتيجية وجعلها قادرة على"الاستجابة للمعطيات والمتغيرات على الصعيدين السياسي والعسكري".
وبوضوح أكبر، أشار ذلك المسؤول العسكري إلى أنه في حال ظهور أسلحة في الفضاء، فإن روسيا ستنشر أسلحة متطورة في مجال الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، تتميّز بقدرتها على الطيران في مسارات تمويهية، ما يجعلها خارج دائرة تغطية نظام الدفاع الجوي الأميركي.
ويبدو واضحاً من كلمات الجنرال الروسي أن لدى موسكو ترسانة حديثة من أنظمة صاروخية لا تُعلن عن تفاصيلها حتى الآن.
لكن بعض النماذج الصاروخية الحديثة في روسيا غدت معروفة أخيراً، خصوصاً بعد تعمد موسكو الإعلان تكراراً عن اختبارها. وعرضت بعضاً منها في الساحة الحمراء أثناء الإحتفال بعيد النصر على النازية، ربما للتذكير، بحسب رأي أحد المعلقين الذي قال:"يد روسيا الصاروخية ما زالت طويلة جداً، ويجب أخذها في الاعتبار".
ويرى كثير من الخبراء، أن صاروخ"توبول أم"الذي عملت موسكو منذ تسعينات القرن الماضي على تطويره وزيادة قدراته، ربما كان الأكثر بروزاً بين تلك النماذج الحديثة.
ويصف العسكريون الروس ذلك الصاروخ الحديث العابر للقارات بأنه سلاح القرن ال21. إذ زُوّد بتقنيات حديثة تُمكّنه من اختراق أقوى خطوط الدفاع الجوي. وعلى رغم أن المؤسسة العسكرية الروسية لا تكشف ميزات الصاروخ القتالية، لكنها أعلنت أنه قادر على التحليق في مسار بالغ الإرتفاع، وأن سرعته العالية تجعله عصيّاً على شبكات الدفاع الجوي، كما ضوعفت قوة تحمله الأسلحة المزودة بتقنية الليزر، بفضل تصفيحه المتطوّر.
جعلت هذه التفاصيل مسؤولين عسكريين يصفون"توبول أم"، الذي ينتمي إلى الجيل الخامس روسياً من الأنظمة الصاروخية العابرة للقارات، بإنه الصاروخ الذي سيرسم قدرة الترسانة الصاروخية الروسية ككل. وقال عنه سولوفتسوف أيضاً:"إنه عنصر الردع الأساسي".
وجرّبت روسيا صاروخها الأقوى في تشرين الأول أكتوبر من العام الماضي بحضور الرئيس الروسي، فأصاب"توبول"هدفه بدقة على بعد 6 آلاف كيلومتر. وفي نيسان أبريل الماضي خضع الصاروخ لتجربة جديدة قرّرت المؤسسة العسكرية بعد نجاحها تمديد مجال الخدمة الميدانية ل"توبول"في سلاح الصواريخ الإستراتيجية حتى عام 2022.
وأعلن في الوقت نفسه، أن نظام"توبول - م"الصاروخي المتطور سيشكل أساس كل وحدات القوات النووية الاستراتيجية البرية، مع حلول عام 2016.
الرماية الصاروخية المتحركة
في غضون ذلك، يضع الخبراء الروس راهناً الترتيبات الأخيرة لانضمام صاروخ حديث آخر إلى الترسانة الروسية، بعد تجربته خلال العام المنصرم. إنه صاروخ"أر أس 24"العابر للقارات الذي يشكل برأي الخبراء مع"توبول أم"منظومة متكاملة تزيد من قوة سلاح الصواريخ الهجومية الروسية في شكل غير مسبوق.
وفي تطور أول من نوعه في صناعة الصواريخ روسياً، كشف مسؤولون عن استخدام تقنيات"نانو"لتطوير قدرات ذلك السلاح. واعتبر أحدهم ان التقنيات الحديثة المستخدمة والتي سيتم العمل على تزويد كل الصواريخ الاستراتيجية الروسية بها في خطة تستكمل في عام 2020 تضمن استمرارية الصواريخ في أداء مهماتها لأطول فترة في ظل وجود أسلحة هجومية في الفضاء الخارجي. وجاء ذلك في إشارة إلى نجاح تجربة الصاروخ"أر أس 24"في تشرين الثاني نوفمبر 2008، التي تلاها قرار بضمه إلى الخدمة الميدانية قبيل نهاية العام الحالي.
وينتظر أن يحلّ مكان نظامي"أر أس 18"و"أر أس 20"المنتميين إلى الجيل الخامس من الصواريخ المتطورة، كما يقدران على حمل 6 الى10 رؤوس نووية. وثمة خطة مقرّر تنفيذها في أواخر العام الحالي، تشتمل على إمداد القوات المسلحة بأول فوج مزوّد بأنظمة صاروخية ذات منصات إطلاق متحرّكة تحمل صواريخ برؤوس منشطرة.
وتشير بعض المصادر إلى تزويد قوات الصواريخ الاستراتيجية 6 منصات إطلاق من هذا النوع في عام 2009. وفي الوقت ذاته، تخطّطپموسكو لوضع الأنظمة الصاروخية"توبول- أم"، المتحركة والتي تطلق من منصات تحت الأرض، في تشكيلتي الصواريخ الاستراتيجية"تيكوفو"و"تاتيشيفو".
ويرى الخبراء أن الصاروخ"أر أس 24"البالستي العابر للقارات سيشكل مع منظومة"توبول - ام"الصاروخية القوة الضاربة الأساسية في قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية.
وبذا، فإن"ترسانة الصواريخ الروسية المُحدّثة ستحمي روسيا وحلفاءها حتى أواسط القرن ال21"، كما قال أحد المسؤولين العسكريين أخيراً.
ومع عمليات التحديث المتواصلة، لا يخفي القادة العسكريون حرصهم على المحافظة على الترسانة الصاروخية الحالية التي أثبتت قدرتها على الدفاع عن أمن روسيا ومصالحها. وفي هذا الإطار، قال رئيس سلاح الصواريخ الإستراتيجية سولوفتسوف إن تمديد فترة خدمة منظومة"أر أس - 20 أف"الصاروخية، قبل استبدالها بنظام"أر أس 24"، يتيح الحفاظ على هذه الصواريخ التي تعتبر من الأقوى عالمياً، لفترة 8 الى 10 سنوات أخرى. وأضاف:"أن استبدالها بصواريخ جديدة يتطلب نفقات مالية تزيد مرات على النفقات على الأعمال المطلوبة لتمديد فترة الخدمة. فلا توجد في الوقت الحاضر مشكلات تقنية في مواصلة تمديد خدمة منظومة"ار اس - 20 ف"غير قابلة للحل".
أما بالنسبة الى الجيل الأقدم من صواريخ"أر أس - 20 ب"فبات واضحاً أنها تقترب من نهاية خدمتها ميدانياً. وأشار خبراء في وزارة الدفاع الى أنها ستُسحب قريباً"من أجل ضمان الأمن النووي". والتحقت صواريخ"أر أس -20 أف"التي أطلق عليها اسم"فويفودا"، بالخدمة في 1988، فنُصِبَت على 88 منصة إطلاق في 1992.
ويطلق حلف شمال الأطلسي عليها اسم"شيطان". ويبدو أن التسمية ليست عبثاً، إذ يحمل هذا الصاروخ عشرة رؤوس تصل قدرتها التدميرية إلى 8.8 ميغاطن من"تي أن تي"، كما يصل مداه إلى 11 ألف كيلومتر.
ولا يخفي جنرالات روس أن تطوير قدرات روسيا الصاروخية الاستراتيجية يجب أن يتزامن مع إعطاء صواريخ الفضاء خصائص تميّزها عن الصواريخ الباليستية. ويرون في ذلك رداً على المخاطر التي ربما تنجم من خطر نشر أسلحة"معادية"في الفضاء الكوني.
وتتميز الصواريخ الفضائية عن العابرة للقارات بقدرتها على قطع مسافات غير محدودة. كما تستطيع أن تصيب أهدافها من مواقع متعاكسة، ما يجبر الخصم على إنشاء قوة ردع لتواجه هجوماً صاروخياً محتملاً من جهتين كحد أدنى، الأمر الذي يعني إنفاق الكثير من الأموال، إضافة الى أن الوقت الذي يلزم هذه الصواريخ للوصول إلى الهدف أقل من الذي تحتاجه الصواريخ العابرة للقارات.
ومع الإعلان عن نجاحاتها في الحفاظ على يدها الصاروخية الطويلة جداً، تبدو روسيا وكأنها تسعى إلى دفع الأميركيين إلى التفكير جدياً بجدوى نشر الدرع الصاروخية في أوروبا.
ويرى أحد الخبراء في"مركز الأمن العالمي"التابع ل"معهد العلاقات الدولية"أن قوة الدفاع الجوي التي تنوي الولايات المتحدة نشرها في أوروبا الشرقية لا تشكّل تهديداً حقيقياً للقوة النووية والصاروخية الروسية.
وبحسب ذلك الخبير،"يجب استخدام 10 مضادات للصواريخ لضرب هدف روسي مُفرَدْ، ما يعادل كل ما تعمل واشنطن على نشره في بولندا".
خطط تطوير بعيدة المدى للمنظومات الدفاعية
في إطار الخطة الشاملة التي أعلنتها موسكو أخيراً لتطوير قدراتها العسكرية وإعادة تأهيل المؤسسة العسكرية، يضع المُجمّع الصناعي العسكري دراسات بعيدة المدى تمكنه من التعامل مع"التحديات الجديدة". وتشمل هذه الدراسات قطاع البحوث العلمية الذي أعلن رئيس الوزراء فلاديمير بوتين أن موازنته ستزيد عاماً وراء عام حتى الوصول إلى العام 2020، وهو موعد اكتمال تنفيذ خطة التطوير العسكرية الشاملة في روسيا. وفي هذا الإطار ينبغي ملاحظة أن موسكو سرعت جداً خططها التي تشمل إجراء تجارب على أنواع جديدة من الصواريخ. ففي العام الحالي، تعتزم موسكو تنفيذ 14 تجربة إطلاق على نماذج حديثة من الصواريخ البعيدة المدى، إضافة الى المقذوفات الاستراتيجية الجديدة التي تقدر على حمل رؤوس نووية. وبحسب قيادة قوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية، فان الهدف من هذه العمليات يتمثل في تجربة أنواع جديدة من الرؤوس الحربية والذخائر التي تحملها الصواريخ، وكذلك تمديد فترات خدمة المنظومات الصاروخية المستخدمة راهناً. كما ستجري روسيا عمليات إطلاق في إطار برنامج نقل شحنات إلى الفضاء خلال الفترة ذاتها.
وبحسب الخطة الموضوعة، سيجري تزويد سلاح الصواريخ الاستراتيجية بأسلحة هجومية ودفاعية جديدة بالكامل، قبل 2015 كحد أقصى. وكذلك من المتوقع تحديث المواقع النووية التابعة لهذا السلاح بنسبة 20 في المئة في العام 2010، وبنسبة مئة في المئة قبل العام 2015.
واللافت أن خطّط التحديث لا تطاول سلاح الصواريخ الاستراتيجية البعيدة المدى وحدها، بل تشمل الصواريخ التكتيكية المتوسطة والقصيرة. إذ أعلن وزير الدفاع الروسي أناتولي سيرديوكوف في الاجتماع الموسع لهيئة الوزارة أخيراً، أنه وضع في حال التأهب القتالي في روسيا، فوجاً ثانياً مزوداً بنظام الدفاع الجوي من طراز"أس 400 تريومف"S 400 Triumph الذي ينتمي إلى الجيل الأكثر حداثة من تلك المنظومة.
وتتميز منظومة صواريخ"أس-400"بقدرتها على إصابة وتدمير جميع الطائرات والأجهزة الطائرة والصواريخ المجنحة"المعادية"وجميع وسائل الهجوم الجوية الأخرى الموجودة في العالم حالياً.
وأوضح سيرديوكوف أن وزارة الدفاع نفذت في العام 2008، إجراءات تطوير القوات النووية الاستراتيجية، ومراقبة الفضاء، وتوسيع إمكانات منظومات الإنذار المبكر. وأضاف:"تشمل هذه الإجراءات أيضاً، وضع فوج آخر مزود بنظام"تريموف"الصاروخي المضاد للجو في حال التأهب قتالياً".
"توبول أم"يمنح موسكو رهبة عالمية
بدأ العمل على تصميم نظام"توبول أم"Topol-M الصاروخي السيار عام 1977. وبدأ التسلح بهذا النظام عام 1988. وبلغ عدد الصواريخ التي صنعتها روسيا لحد الآن من هذا النظام 369. ويبلغ مداه نحو 11 الف كيلومتر، وتصل القدرة التدميرية لرأسه الحربي إلى ما يعادل أكثر من نصف ميلون طن من مادة"تي أن تي". ويتميز بالمناورة السريعة، وبقدرته على اختراق صفوف كاملة من الدفاعات المنسقة المضادة للصواريخ، ما يعتبر عاملاً من عوامل المحافظة على القدرة المطلوبة لقوات الصواريخ الاستراتيجية الروسية.
يبلغ طول هذا الصاروخ 22,7 متر، وقطره 186 سنتيمتراً. ووزنه عند الانطلاق يزيد على 47 طناً. ويقدر على حمل رأس متفجر يزيد وزنه على 1,2 طن. ويعمل بالوقود الصلب الثلاثي المراحل. وزودت روسيا الصاروخ برؤوس نووية منفصلة، قادرة على الانشطار.
ويورد موقع"غلوبال سكيورتي.أورغ"Global Security.org التابع للبنتاغون، أن"توبول أم"، القابل للتخزين تحت الأرض والذي يطلق من منصة متحركة، إضافة الى إمكان انطلاقه من محطات ثابتة، يعتبر ركيزة الدفاع الاستراتيجي الروسي في القرن 21. ويشير الى أن"معهد موسكو للهندسة الحرارية"ينفرد بالقدرة على بناء ذلك الصاروخ، الذي يعتبر أول سلاح استراتيجي من نوعه لم تشارك في صنعه أوكرانيا أو دول الاتحاد السوفياتي السابق. ويعيد الى الذاكرة أن موسكو اختبرته فعلياً في 20 كانون الأول ديسمبر 1994، كما اختبرت أجهزة طيرانه في 1995. ويذكّر بنجاح تجارب طيرانه كافة، وأن نقص التمويل حال دون الانتاج الموسّع له. ويشير على نحو خاص الى نجاح التجربة الرابعة لطيرانه، حين أُطلق من موقع اختبار للأسلحة الصاروخية تابع ل"القوات الباليستية الاستراتيجية"، شمال موسكو. وفي عام 1999، نجح صاروخ"توبول أم"في الانطلاق من ذلك الموقع، ليحط في موقع اختبارات مماثل في"كورا"في خليج"كامشتكا"القريب من اليابان، قاطعاً مسافة تقارب 8000 كيلومتر. وكرّر الصاروخ الرحلة عينها في 10 شباط فبراير 2000. وفي خريف ذلك العام، اجتاز الصاروخ التجربة الثانية عشرة، إذ انطلق من موقع القوات الباليستية في شمال موسكو ليصيب هدفاً في القطب الشمالي، مع ملاحظة أنه أطلق من منصة متحركة وقطع 4 آلاف كيلومتر. وفي عام 2005، أعلن معهد دولي متخصّص في دراسات الأسلحة الاستراتيجية، أن روسيا تمتلك 496 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، منها 270 صاروخاً من نوع"آر أس 12- أم توبول"، موضوعة على منصات متحركة. وفي عام 2006، صرح الكولونيل نيكولاي سولوفستوف، رئيس القوات الصاروخية الاستراتيجية الروسية، بأن بلاده شرعت في تجديد صاروخ"توبول أم"من نوع"أس أس- 27" بحيث يستبدل الرأس الذي يحمل سلاحاً وحيداً، برأس متعدد المراحل، ما يعني قدرته على حمل أكثر من قنبلة ذرية.
ويتوقّع موقع"غلوبال سكيورتي.أورغ"ألا تمتلك القوات الروسية، في حال نجاح التوصل الى معاهدة مع الولايات المتحدة تتضمن خفضاً متبادلاً للأسلحة الاستراتيجية، سوى 313 صاروخاً بالستياً عابراً للقارات، منها 159 صاروخاً من نوع"توبول أم"يمكن إطلاقها من منصات متحركة.
نشر في العدد: 16895 ت.م: 07-07-2009 ص: 32 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.