بعدما انتهت الانتخابات الإيرانية الى فوز التيار الديني المحافظ والتجديد لولاية رئاسية ثانية للرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، باتت طهران في مواجهة تحدّيات سياسية واقتصادية شائكة على الصعيدين الداخلي والخارجي. فإضافة الى تحدّيها المتمثل بالحوار مع واشنطن وملف برنامجها النووي، هناك ما يوصف بتدخلات إيران في الشؤون الداخلية للعراق وأفغانستان ولبنان ومناطق السلطة الفلسطينية. وهناك التوتر في علاقاتها مع العواصم العربية. إضافة الى تحديات داخلية تتمثل في طبيعة توتراتها المتفاقمة مع الأقليات القومية والمذهبية والدينية، وسوء أوضاعها الاقتصادية والسياسية، والتشدد الحاصل في مواقفها إزاء تيارات الدعوة الى الإصلاح والتجديد. في الواقع، لا تضيف كل هذه التحديات جديداً الى تراث التحديات الإيرانية التقليدية التي رافقت الولاية الأولى للرئيس نجاد. لكن ما ينبغي أن تأخذه طهران في حسبانها، أن المؤشرات الأولية لمرحلة ما بعد الانتخابات الأخيرة، خصوصاً تلك التي وردت في الندوة الصحافية لنجاد، بعد فرز النتائج وإعلان الفوز، أو رافقت تظاهرات الإصلاحيين في شوارع طهران، أصبحت تشي باحتمال أن تتخذ التحديات التقليدية، في المقبل من الأيام، أبعاداً أكثر خطورة وجدّية. الأسباب في تحوّل كهذا كثيرة، بينها، اقتراب إيران من إنتاج وامتلاك أسلحة نووية. واحتمال أن تفضي القوة الشعبية التي منحتها الانتخابات لنجاد نحو 63 في المئة من أصوات الناخبين الى إعطاء ولايته الثانية مسحة من الغرور السياسي تدفعه الى معاودة أسلوبه الفجّ الاستفزازي السابق في التعامل مع التحديات التي تواجه بلاده. إضافة الى هذا، يصح التكهن بأن يؤدي استمرار نجاد في حكم إيران الى ابتعاد أوساط عسكرية وسياسية متشددة في الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية وإسرائيل، التي أصيبت آمالها في فوز الإصلاحيين الإيرانيين بإحباط شديد، عن دعوات الحوار والحلول السلمية، والتركيز بدلاً من ذلك، على خيارات الاستعداد لمرحلة مواجهات سياسية واقتصادية، وربما عسكرية مع إيران. لكل هذا، يخطئ الرئيس الإيراني إذا اعتقد أن التحديات التي واجهت بلاده في ولايته الأولى ستنتقل الى ولايته الثانية بمضامينها وأبعادها السابقة. أو أن السياسة التي استخدمها لمواجهتها تظل هي الأكثر فائدة وجدوى نظراً للثقة التي منحها الإيرانيون لسياساته في الانتخابات الأخيرة. هنا، قد يدفع أي خطأ يرتكبه نجاد في طريقة تعامله مع التحديات، العالم الخارجي والإقليمي الى قناعة مفادها أن التيار الإيراني المحافظ، هو بالفعل تيار غير مؤهل لقيادة الحكم، وعاجز عن تقديم الحلول والانخراط في حوار جدّي مع واشنطن أو غيرها. لا جدال في أن قناعات من هذا القبيل قد تغذي المنطق الإسرائيلي العسكري ضد إيران بحجج وذرائع إضافية. ما يساعد في هذا، أن أطيافاً إيرانية غير قليلة أصبحت تتحدث بصوت أكثر ارتفاعاً من السابق عن أن المعارضة السياسية والسلمية، في إطار النظام القائم، لم تعد مفيدة في التعامل مع التيارات المحافظة، بل ان الحالة أصبحت تستدعي اللجوء الى خيار الغزو العسكري الخارجي لتغيير الأوضاع الداخلية الإيرانية كما حدث مع العراق في عام 2003. استطراداً، ينبغي أن تأخذ طهران في حسبانها أن الأشهر الستة الماضية شهدت تغييرات جوهرية في العالم والفضاء الإقليمي: الأول، الدعم اللافت الذي أصبح يحظى به الرئيس أوباما في العالمين العربي والإسلامي. الثاني، الدعم المتعاظم الذي لا يني الأوروبيون يعلنونه للمواقف الأميركية حيال إيران، إضافة الى الليونة التي أصبحت تطبع مواقف روسيا والصين حيال جهود واشنطن على صعيد تجريد إيران من برنامجها النووي. الثالث، دخول واشنطن ودمشق مرحلة حوار وتطبيع، ما يشير الى احتمال حدوث شرخ، ولو طفيف، في جدار التحالف الإيراني - السوري. الرابع، انتخابات لبنان ونتائجها التي خيّبت آمال طهران لجهة التراجع في مواقع حزب الله اللبناني. أخيراً، انتقال خلافات إيران مع دول عربية معتدلة في الخليج ومصر والمغرب الى مرحلة الانتقادات والمواجهات الديبلوماسية والإعلامية. هذه التطورات التي سبقت الانتخابات الإيرانية الأخيرة مرشحة لتفاقم خطير في ولاية نجاد الثانية إذا ما أخفق في طمأنة المجتمع الإقليمي والدولي والأميركي الى أن التيار الديني المحافظ الذي دعم وصوله الى الحكم لم يعد يعني التشدد والتطرف والعزلة. بل أصبح تياراً يحمل في داخله عناصر التأهيل والقدرة على تقديم الحلول. في كل الأحوال، انتظر كثيرون، بينهم الأميركيون، فوز التيارات الإصلاحية وحصول تحوّل جذري في بُنية الحكم في إيران. بل إن كثيرين أبدوا، بل ما زالوا يبدون قدراً كبيراً من الشكوك حيال نتائج الانتخابات التي تمخضت عن تجديد ولاية الرئيس نجاد. مع هذا، لا يمكن لشأن داخلي إيراني، كالانتخابات ونتائجها، أن يغير شيئاً جوهرياً في السياسات الأميركية والدولية والإقليمية الداعية الى حوار جاد مع طهران أياً كان حاكمها. مع هذا، يظل التساؤل: هل يكرر نجاد نفسه وسياساته السابقة في ولايته الثانية؟ أم يقدّم صورة مختلفة، ويستثمر فوزه الانتخابي في اتجاه إحداث خرق في تعامل بلاده مع الفضاءين الداخلي والخارجي؟ لا جدال، في أن الوقت لا يزال مبكراً لإجابة شافية. نشر في العدد: 16879 ت.م: 21-06-2009 ص: 28 ط: الرياض