قبل فوز محمود أحمدي نجاد بالرئاسة الإيرانية لولاية ثانية كانت عناوين الصحف الغربية عن حملة الانتخابات تقول: - نعم يستطيعون استعارة من شعار لأوباما: إيرانيون متحمسون يجرؤون على الحلم بإسقاط الرئيس. - وجه إيران الشجاع الجديد يأمل بثورة تنهي"إمبراطورية الكذب". - أحمدي نجاد يجاهد للبقاء بعد أن أظهر استطلاع للانتخابات تحولاً لمصلحة خصمه. - في إيران قوى متنافسة تتجمع ضد أحمدي نجاد. - متنافسون سابقون من الإصلاحيين والمحافظين يشكلون جبهة قوية لإسقاط الرئيس. - إيران الأرياف قد تغير ولاءها. - ثورة الطبقة الوسطى تعزز فرص المعتدلين في الفوز بالانتخابات الإيرانية. - رعد حرية الكلام. ما سبق كان قبل الانتخابات، أما بعد فوز أحمدي نجاد فقرأت العناوين الآتية: - نقاتل لنسترد أصواتنا المسروقة. - آمال التغيير تتحول رماداً بعد مهزلة الانتخابات. - وجه في الجمهور لفتاة محجبة صرخة من القلب. - طهران على حافة العنف بعد فوز مشكوك فيه للمتشددين. وهكذا وهكذا... كُل ما سبق يعكس تمنيات أصحابه لا أي حقيقة على الأرض، وقد انتقدت الرئيس أحمدي نجاد مرة بعد مرة، وقلت إنه طبل أجوف، واعترضت على إنكاره المحرقة، وعلى خطابات استفزازية لا مبرر لها، غير أنني لم أفصّل الدنيا على قياسي كما فعل خصومه في الغرب وإسرائيل، فقد كان واضحاً أنه متقدم على منافسيه، وموقع"صوت أميركا"نفسه نشر عشية الانتخابات نتائج استطلاع للرأي العام الإيراني أجراه معهدان أميركيان هما"غد خالٍ من الإرهاب"و"مؤسسة أميركا الجديدة"، ووجد الاستطلاع أن 34 في المئة من الناخبين يؤيدون أحمدي نجاد في مقابل 14 في المئة لمنافسه الإصلاحي حسين موسوي، واثنين في المئة لمهدي كروبي وواحد في المئة لمحسن رضائي. مثل هذه النتيجة لا يناسب خصوم الرئيس فقرروا أن الإصلاحيين متقدمون، وما قرار آية الله خامنئي إعادة عدّ أصوات بعض الأقلام إلا لثقته بالنتيجة النهائية. شخصياً أخذت نتيجة الاستطلاع الأميركي من معاهد ضد النظام، وزدت عليها ما يفرضه المنطق، فطهران ليست إيران والإصلاحيون والنساء المتعلمات، والمثقفون وأنصارهم يبقون أقلية صغيرة بالمقارنة مع مجموع الشعب الإيراني، ومحمود أحمدي نجاد رئيس شعبي قاعدته الفقراء والأرياف لا جامعة ازاد في طهران، لذلك فالاعتراض، على النتيجة، في طهران أساساً، وربما في مدينة كبرى أخرى، وهذا ليس إيران. وقد أزيد هنا ظاهرة إيرانية لا سر فيها، فإذا أخذنا التاريخ الذي كنا شهوداً عليه لإيران منذ الثورة الإسلامية نجد أن كلاً من الرئيسين السابقين فاز بولايتين متتاليتين. علي أكبر هاشمي رفسنجاني انتخب رئيساً سنة 1989 وأعيد انتخابه سنة 1993، ومحمد خاتمي تبعه سنة 1997 وأعيد انتخابه سنة 2001، وجاء أحمدي نجاد سنة 2005 وكرر مسيرة سابقيه. رافق الأخطاء السابقة خطأ مستمر، فالحديث كله كان عن المتطرف، أو المتشدد، أحمدي نجاد، والمعتدل موسوي، ولا يزال هذا التصنيف قائماً مع أن تاريخ موسوي لا يدل على اعتدال، فقد كان رئيس وزراء في سنوات الحرب مع العراق، عندما شهدت إيران أكثر نسبة من الاغتيالات والإعدامات، وعندما أغلقت الجامعات أربع سنوات، أما كروبي فأتجاوز دوره في حج الإيرانيين سنة 1985 لأذكر فقط أداءه رئيساً للبرلمان والحملات على حرية الصحافة والمنشقين الإيرانيين في تلك الأيام. لو كان هناك مرشح إصلاحي حقيقي في الانتخابات الإيرانية لتمنيت فوزه، ولكن لا يوجد فاكتفيت بالمراقبة الموضوعية، ويقيني أن أي رئيس إيراني جديد سيواصل البرنامج النووي بحماسة كما فعل أحمدي نجاد وكل من سبقه. البرنامج النووي هو في أساس تعامل الغرب مع إيران، كائناً من كان الرئيس، وانتخاب أحمدي نجاد لولاية ثانية حمل فائدة هامشية هي انه أزعج إسرائيل، من دون أن يغير من موقف إدارة أوباما في التفاوض مع إيران على الأمور العالقة بينهما. وثمة خطر كبير تمثله إسرائيل وأنصارها، فلجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي أصدرت تقريراً عن برنامج إيران النووي نسب الى"مسؤول استخبارات"في بلد أجنبي، أي إسرائيلي وإسرائيل، أن إيران أوقفت برنامجها النووي العسكري سنة 2003، كما أكد تقرير استخبارات أميركي، لأنها أكملت انتاج رؤوس نووية. هذا التزوير، مع مخالفة رأي الاستخبارات الأميركية، يذكرني بتزوير وثائق يورانيوم النيجر الذي نفذته في روما الاستخبارات الإسرائيلية مع ليكوديين أميركيين لا يزالون يسعون لحرب أخرى في الشرق الأوسط، إذا وقعت سندفع ثمنها قبل غيرنا. نشر في العدد: 16875 ت.م: 17-06-2009 ص: الاخيرة ط: الرياض