سمر يزبك ومولود محفوض، اسمان لمثقفَين وناشطَين علمانيَين شارك كل منهما في فاعليات الانتفاضة على طريقته الخاصة، وهما إلى جانب ذلك سليلا عائلتين تنتميان بالمعنى الديني والتاريخي إلى طائفتين كريمتَين من طوائف الأقليات في سورية، وهنا بيت القصيد. لا نقول هذا الكلام من باب اللعب على وتر طائفي أو ديني يخالف الفكر العلماني الذي يتبناه كاتب هذه السطور، والذي يشترك معه فيها كل من الروائية سمر يزبك والدكتور مولود محفوض، وهو الفكر القائم على ضمان حرية الاعتقاد الديني أو اللاديني وتجاور القناعات كافة في دولة مدنية علمانية، تكفل حقوق المواطنة لكل مواطنيها بصرف النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم، لكننا نسوقه دليلاً على تهافت ما تسوقه آلة التضليل السلطوي في سورية عبر وسائل إعلامها الرسمية وغير الرسمية في محاولة يائسة منها لإفراغ الانتفاضة من محتواها الوطني. سمر يزبك زعيمة عصابة مسلحة تقوم بتوزيع السلاح ونشر الرعب في صفوف «المواطنين الآمنين» على ما تسوق تلك المدونة. في هذا ما يخالف الرواية الرسمية التي يبثها إعلام النظام وفضائيتا «الدنيا» السورية و «المنار» الإلهية، والتي دأبت فيلَكا على التسويق لها عبر التهجم على معارضي النظام السوري، ذلك أن العصابات المسلحة «سلفية تسعى إلى إقامة إمارات إسلامية في سورية»، وهذه ما لا يتوافر في اختيار سمر يزبك أداة لها وفق ما تمتاز به كتاباتها. هنا، يغيب الضابط الذي يفترض أن يضبط روايات النظام عن العصابات الإرهابية المسلحة، وليشمل وعلى شكل رد فعل وفي شكل غير مدروس كاتبة معارضة تعتز الساحة الثقافية السورية بانتمائها لها، كاتبة قد تنسف ماهيتها وأفكارها وعلمانيتها رواية النظام الفارغة أصلاً، وهذا ما دفعت ضريبته سمر يزبك تشهيراً انتقل من فيلكا اسرائيل إلى مدونات وصفحات فايسبوكية عدة، فالمرأة السورية إما أن تكون بعثية أو منتمية إلى أحزاب «الجبهة الوطنية»، وإما أن تكتفي بدور هامشي شأنها في ذلك أقل بقليل من شأن الرجل المهمش بدوره عن السياسة والمشاركة في الشأن العام ضمن إطار «كن مع النظام وإلا فإياك والسياسة»، وهو ما اعتمد النظام عليه عبر تدمير الحياة السياسية ومشاركة الرجل والمرأة فيها على حد سواء، بما يناقض ما كان يسوق من أنه نظام علماني يكفل حقوق الأفراد ويؤمن بالمساواة بين الجنسين، وهو ما يصطدم ويتناقض مثلاً مع وضع المرأة في قانون الأحوال الشخصية السوري والمستمد بعضه من قوانين وتشريعات دينية لا من القوانين المدنية ومواثيق حقوق الإنسان. أضف أن كل ذلك لا يقف عند حدود عدم التشهير جنسياً وأخلاقياً بالكاتبات والمثقفات اللواتي يغردن خارج نسق النظام وحلفائه الممانعين، على ما شهدت مدونة فيلكا سابقاً وما شهدته الساحة السورية عبر مؤيدين للنظام، وهذا بقدر ما يدل على فكر منحرف عن الحداثة ونتاجاتها وعقيدة فاشية تتزايد باضطراد مع تزايد هواجس الجنس والتشهير جنسياً بالمناوئين، فإن له دلالة بالغة على فشل مشاريع التنوير والتحرر التي ادعتها الأنظمة الانقلابية ومنها نظام الحكم في سورية، والنكوص إلى مفاهيم بدائية غرائزية تجد أرضية لها في مجتمعات حكمتها هذه الأنظمة وانتشارها كالنار في الهشيم، وهذا ما ينقلنا إلى الدكتور مولود محفوض وقصته مع النظام السوري. على الصعيد الأمني وفي ما خص مشاركته الميدانية في الانتفاضة، فإن الموضوع يُختزل في كون هذا الناشط لم يبصر النور منذ بداية الانتفاضة إلا في فترات شهدت مشاركة فاعلة له في التظاهرات وفاعلياتها. فبعد أن كان متهماً من أوساط موالية للنظام بالارتباط بجماعات خارجية بصفته وسيطاً مالياً بينها وبين المحتجين في الشارع، انتقل الموضوع إلى بيان صدر عن «جهة مجهولة» يشهر به وبزوجته وببعض الناشطين والأطباء والنساء المحترمات. يتم قبل أيام تناقل مقطع فيديو يصور عملية جنسية بين امرأة ورجل لا يبدو منه أية ملامح لوجهه وتحت عنوان «مولود محفوض والحرية». هكذا، وكما اختزلت الانتفاضة الوطنية إلى عصابات مسلحة إرهابية مزعومة، شُوهت قضية الحرية التي دفع السوريون والشعوب العربية التي سبقتهم في انتزاعها دماء كثيرة وتم تصويرها على أنها «انحلال أخلاقي وإباحية جنسية» لا أكثر ولا أقل، وبمفاهيم ما قبل حداثية تعود بالذاكرة إلى أيام الغزو والسبي والمحظيات التي لا تجد آلة التشهير بالمثقفين السوريين حرجاً في العودة إليها.