اختتم الرئيس اللبناني ميشال سليمان زيارته باريس أمس بعد سلسلة لقاءات أجراها مع كل من رئيس الحكومة الفرنسي فرانسوا فيون الذي أقام عشاء على شرفه في قصر ماتينيون، في مقر رئاسة الحكومة أمس الأول ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه الذي أقام مأدبة غداء على شرفه تبعها لقاء مع رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية البرلمان برنار اكواييه. وتركزت الأسئلة التي طرحت على الرئيس خلال اللقاءات المختلفة على الانتخابات الاشتراعية المقبلة وكيفية الإعداد لها وعلى تطور العلاقات مع سورية والوضع في الجنوباللبناني. قالت مصادر مطلعة ان الرئيس ميشال سليمان أكد الإعداد الجيد للانتخابات، وأن نتائجها لن تغير الوضع في شكل كبير، لأن الفارق بين المعارضة والأكثرية سيكون قليلاً ولأنه أياً كانت نتيجة الانتخابات والطرف الذي سيحوز على الأكثرية، فإن حكومة الوحدة الوطنية ستفرض نفسها لأن الوضع اللبناني يقتضي ذلك. وأضاف سليمان بحسب المصادر، ان"هناك انقساماً سياسياً بين الجهتين وانقساماً طائفياً، فإذا تشكلت حكومة على أساس قانون الأكثرية، فإن ذلك يعني أن الطرف الحائز على الأكثرية يحكم من دون الآخر، أي إما السنّة من دون الشيعة وإما الشيعة بلا السنّة، وهذا غير ممكن وغير فعال ولا يتماشى مع روح المؤسسات اللبنانية التي تستند الى مساهمة جميع الطوائف في الحكومة". وحول العلاقة مع سورية، قال سليمان ان الأمور تتحسن وأن السفير السوري سيتم تعيينه قريباً، وان العلاقات الديبلوماسية نشأت بين البلدين"والأمور ستتطور ايجاباً". وذكرت المصادر ان سليمان تطرق خلال لقائه الرئيس نيكولا ساركوزي الى مسألة ترسيم الحدود اللبنانية - السورية، بالقول ان لبنان عيّن ممثلين في اللجنة المعنية بدرس هذا الموضوع، وينتظر من سورية أن تعيّن ممثليها في اللجنة. ومضى يقول انه بعد ذلك في الإمكان البدء بترسيم الحدود انطلاقاً من الشمال، لأن هناك في الجنوب احتلالاً لمزارع شبعا والقيادة السورية لن توافق على ذلك طالما لم يتحرر الجولان. وحول مراقبة الحدود، قال سليمان للجانب الفرنسي ان هناك تقدماً، وأنه يبقى المزيد مما ينبغي القيام به على هذا المستوى. وأشار الى وجود مسألتين"ينبغي حلهما في اطار هذا الموضوع، مسألة المراكز الفلسطينية على الحدود التي يأمل أن يكون هناك بعض التقدم في شأنها بعد الانتخابات الاشتراعية اللبنانية، والمسألة الثانية وهي الأصعب هي مسألة المعتقلين، وقد أجريت بعض الاجتماعات في شأنها لكنها لم تعط أي نتيجة حتى اليوم". وأشارت المصادر الى أن سليمان وصف الوضع في الجنوب بأنه هادئ وأن هناك تعاوناً جيداً بين قوات حفظ السلام الدولية والجيش اللبناني، وأن هذا ساعد على الحفاظ على الهدوء خلال الحرب الإسرائيلية على غزة. ولفت الى أنه"في ظروف أخرى لكان في إمكان مثل هذه الحرب أن تؤدي الى تدهور الوضع في لبنان، لكن الوضع بقي هادئاً بفضل التعاون بين الجيش والقوات الدولية وأيضاً لأن"حزب الله"وإسرائيل لا يريدان مواجهة جديدة في الجنوباللبناني". وعن الأزمة الاقتصادية، أشارت مصادر لبنانية وفرنسية الى ان الرئيس اللبناني أكد أن لبنان تمكن حتى الآن من الصمود في وجه الأزمة المالية،"لكن التخوف هو من نتائج الأزمة الاقتصادية والكساد في الخليج الذي قد يؤدي الى فقدان اللبنانيين وظائفهم هناك". وأكدت المصادر أن الرئيس اللبناني حصل على تأييد كامل من جانب فرنسا وقيادتها. المؤتمر الصحافي وكشف سليمان خلال مؤتمر صحافي عن مطالبته نظيره الفرنسي ساركوزي المساعدة على تطبيق القرار 1701 الذي لم تلتزم به إسرائيل بعد، كما عبّر عن تأييده لمؤتمر سلام دولي على أساس مرجعية مدريد ومبادرة السلام العربية. وشدد على أن أي حل في المنطقة ينبغي أن يجنب لبنان التوطين، ورفض القول بنزع سلاح"حزب الله"، مفضلاً الحديث عن تسليم السلاح في إطار استراتيجية تدافع عن البلد. وذكر ان اسم السفير السوري سيعرف الأسبوع المقبل. وقال سليمان خلال المؤتمر الذي عقد في دار السفارة اللبنانية في باريس، أن محادثاته مع ساركوزي كانت مفيدة ومعمقة حول المواضيع الثنائية وأيضاً المواضيع الإقليمية والدولية. وأشاد بوقوف فرنسا الى جانب لبنان ودعمها له"في أصعب الظروف"ودعمها الاقتصادي،"إضافة الى التعاون المتعدد الجوانب والدعم العسكري الذي تقدمه الى الجيش اللبناني ومساهمتها في قوة حفظ السلام الدولية في جنوبلبنان يونيفيل". ونفى وجود شروط فرنسية، لتسليم لبنان بعض المعدات العسكرية، وقال:"ليكن واضحاً أن أي دولة في العالم لم تشترط أي شيء لتسليح الجيش اللبناني"، موضحاً أن الجانب الفرنسي أبدى استعداده خلال الزيارة لتزويد لبنان صواريخ خاصة بالطائرات من نوع"غازيل". وبالنسبة للسلام في المنطقة، قال سليمان انه دعا نظيره الفرنسي"الى ترجيح فكرة اعتماد مقاربة شاملة لحل النزاع العربي - الإسرائيلي لا سيما من خلال مؤتمر سلام دولي تدعى إليه الأطراف المعنية ويعقد على أساس القرارات الدولية ومرجعية مدريد ومبادرة السلام العربية". أضاف أنه شدد خلال محادثاته مع ساركوزي وكبار المسؤولين الفرنسيين،"على ضرورة عدم الأخذ بأي حل للشرق الأوسط على حساب لبنان أو التعارض مع مصالحه"، ولا سيما"عدم السماح بأي شكل بتوطين اللاجئين بما يتعارض مع الدستور والقانون والعدالة الدوليين". ونقل عن الرئيس الفرنسي تأكيده المتكرر دعم استقلال لبنان وسيادته وعزمه على المضي بدعمه في المجالات كافة، وأيضاً إعرابه مجدداً عن ارتياحه للتقدم الذي أحرز منذ اتفاق الدوحة وترجيحه مساعي إحلال التوافق والحوار والمصالحة. وذكر سليمان أن محادثاته في فرنسا تخللها استعراض للتقدم الذي حصل على صعيد العلاقات اللبنانية ? السورية، وأنه أكد للجانب الفرنسي"انها على المسار الصحيح بما يخدم مصلحة البلدين". واعتبر ان التأخير في إرسال سفير سوري الى بيروت"شأن إداري سوري محض"، وان"المهم في الديبلوماسية هو مرسوم إنشاء هذه العلاقات"، وان"العلم السوري يرفرف على مقر السفارة في بيروت والعلم اللبناني في دمشق". وقال سليمان ان الفريق الديبلوماسي المعاون للسفير في كلا البلدين أخذ مكانه"واسم السفير سيرسل الأسبوع المقبل". وبالنسبة لهوية مزارع شبعا وما إذا كانت لبنانية أم سورية، أشار سليمان الى أنه أثناء القمة التي عقدت بينه وبين الرئيس بشار الأسد"كان بيان مشترك ذكرنا فيه حرفياً أن شبعا لبنانية"، مضيفاً أن سورية تعترف بالقرارين 1701 و425 اللذين ينصان على الانسحاب من الأراضي اللبنانية من دون شروط. وتناول سليمان التقارب بين سورية والمملكة السعودية بالقول ان إسرائيل خاضت حروبها على العرب عندما كانوا متفرقين، وانه منذ توليه منصبه عمل على التقريب بين الدول العربية، والآن"تمت المصالحة وهذا يكسب الدول العربية قوة في موضوع التفاوض والآن رأينا كيف نضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي لتنفيذ التزاماتها ومنها المبادرة العربية وإلا سيصار الى تعليق هذه المبادرة". وتطرق الى الانتخابات النيابية المقبلة، مؤكداً أنها ستحصل في موعدها في 7 حزيران يونيو المقبل ووفقاً للقانون الانتخابي، مشيراً الى أن رأيه في الكتلة الوسطية هو نفسه في الكتل الأخرى،"فالديموقراطية تتسع للجميع وللجميع الحق في الترشح وطرح البرامج الشعارات التي تتناسب مع برامجهم". ورأى سليمان ان يوم 8 حزيران يونيو أي غداة الانتخابات النيابية، سيكون"بداية مشوار الإصلاح في لبنان"و"يوماً يتأكد فيه اللبنانيون من أن لديهم ديموقراطية فريدة وسباقة في المنطقة"، وان كل ما جرى"من تهويل في هذا الإطار بدأ يزول...". ورداً على سؤال حول نزع سلاح"حزب الله"قال سليمان:"نحن لا نتكلم عن نزع سلاح... حزب الله مقاومة قامت بدور كبير في حماية البلاد عندما كانت الدولة غائبة عن الجنوب"، ولذا هناك سعي"الى ترتيب آلية للاستفادة من قوة المقاومة وهنا تستخدم كلمة تسليم السلاح وليس نزعه في إطار استراتيجية تدافع عن لبنان وتؤمن استقراره". أضاف:"هذا الموضوع مطروح على طاولة الحوار إضافة الى كونه على صلة بتطبيق إسرائيل القرارات الدولية وخصوصاً القرارين 1701 و425، والتزامها بالمبادرة العربية للسلام". ونفى سليمان أن يكون هناك تأخير على صعيد مذكرة التفاهم حول المحكمة الخاصة بلبنان، وقال ان المذكرة وزعت على الوزراء وهي"موضوع قانوني يتطلب دراسة معمقة ومن الصعب إبداء الرأي فيها فوراً". وأشار الى أن المحكمة بدأت العمل ومستمرة بصرف النظر عن المذكرة. وكان سليمان استقبل صباحاً في قصر مارينيي للضيافة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير وأجرى معه محادثات حول مأدبة فطور. السفير السوري في بيروت خلال شهر وكان سليمان اكد امام جمع كبير من ابناء الجالية اللبنانية جاء للترحيب به ليل اول من امس، ان"انطلاق العهد كانت بمثابة الاشارة الى عودة لبنان الى الخريطة الدولية حيث يجب ان يكون وليس الى المكان الذي يريد الآخرون ان يضعوه فيه". وطمأن الى وحدة الجيش اللبناني التي تعكس وحدة الوطن، مشيداً بما بذله الجيش"على صعيد الدفاع عن لبنان ضد اسرائيل وضد الارهاب، مع الحفاظ على قيمه والدفاع عن حقوق الانسان وحرية التعبير". وخاطب ابناء الجالية قائلاً:"لكم كامل الحق في اجراء جردة حساب لما تم التعهد به والوعد بالعمل على اصلاح الامور في لبنان. وكان من الضروري ان نعيد علاقاتنا الصحيحة مع كل الدول الصديقة والشقيقة التي وقفت الى جانبنا في كل المجالات وبخاصة في المنحى السياسي والاقتصادي. بدأنا بالدولة الشقيقة سورية، وأقمنا علاقات ديبلوماسية لم تكن موجودة منذ الاستقلال. وها هو اليوم العلم اللبناني يرفرف في دمشق، وفي الاسبوع المقبل وخلال شهر كحد اقصى، سيقيم السفير اللبناني في سورية ويقيم السفير السوري في السفارة السورية في بيروت". واضاف:"كان لا بد من الاتفاق على بداية ترسيم الحدود بيننا وبين سورية كي يأخذ كل مواطن حقه، ويراقَب التهريب، وتضبط الحدود من كل الآفات التي يمكن ان تنتقل بين البلدين وتلحق الضرر بالدولتين والشعبين، كما اتفقنا على متابعة قضية المفقودين اللبنانيين المحتملين في سورية والمفقودين السوريين المحتملين في لبنان". التعاطي مع الدولة عبر رئيسها وتحدث عن اعادة"علاقاتنا مع الدول الاوروبية التي ارسلت ابناءها الى لبنان ضمن القوات الدولية للدفاع عن ارض لبنان"، وشكرها على مواقفها المساندة للبنان وبالتحديد الدولة الفرنسية،"وللأسف، كان قسم من اللبنانيين يتعرض لهذه الدول التي ساندت لبنان اكانت عربية ام اوروبية، وقسم آخر ينتقد ويشتم بعض اللبنانيين، انتهى هذا الامر الى غير رجعة، لذلك، كان لا بد لنا من الحديث مع رؤساء الدول وابلاغهم اننا نفتخر بعلاقة لبنان مع دولهم، ولكن التعاطي مع الدولة اللبنانية ولمصلحة هذه الدولة لا يتم الا عبر رئيسها". وشدد على ان"الايام اثبتت صحة مطالبنا ورهاناتنا، فانفتحت فرنسا على الشرق الاوسط، وبدأت الدول العربية المصالحة، وحتى الولاياتالمتحدة تراجع اليوم سياستها لتحقيق انفتاح على الدول العربية والاقليمية". وأشار الى انه"اذا كانت الادارة الداخلية تعاني نوعاً من الشلل في الوقت الحالي، فهو امر طبيعي نظراً الى اقتراب موعد الانتخابات النيابية وانشغال الجميع بها، الا ان بعد انتهاء هذا الاستحقاق الدستوري، ستتواصل عجلة الاصلاحات وتستمر وسيستأصل الفساد. والاصلاحات الدستورية يجب ان تحصل، فهي تمنع كل الاشكالات التي ظهرت خلال الفترة الماضية، وبعد تطبيق الطائف علينا ان نهتم مجتمعين، بالخلل الموجود فيه ونصححه ليس لتقاسم الصلاحيات- صلاحية رئيس او مجلس نواب او مجلس وزراء- ولكن لتوزيع المسؤوليات على هذه المؤسسات والاشخاص، فمسؤولية رئيس الدولة هي حماية الدستور، والحرص على فصل السلطات". لا أحد يملك وكالة حصرية وشدد على ان"الوضع الامني سيكون ممسوكاً بشكل ممتاز خلال الانتخابات، واطمئنكم في هذا الخصوص. ان كل من يثير مخاوف الناس من الامن سيدفع الحساب في صندوق الاقتراع، ولن تنتخبه الناس. يكفينا اتهامات، فنحن نعلم جميعاً ان الوطنية في لبنان ليست محصورة بفريق معين وكذلك الاخلاص والاستقامة، والمقاومة ايضاً موجودة لدى الشعب اللبناني بأكمله. لا أحد يملك وكالة حصرية بكل هذه المعاني الموجودة لدى كل شخص منكم، والتي يختزنها اللبناني منذ ولادته. لن يقبل الشعب بأن يستهتر احد بامكاناته وكفاءاته". ودعا سليمان"الى الخروج من الاصطفاف السياسي والمذهبي، والتفكير بعقولنا لاعادة لبنان الى ما ينص عليه دستوره وفق حكومة ميثاقية، على ان يتولى رئيس الجمهورية تصحيح اختلال التوازن في البلد اذا ما حصل لأن نظامنا فريد من نوعه". ورأى ان لبنان"استطاع بمواقفه الاخيرة تجاوز خطر الحرب العدوانية على غزة بفضل الوعي اللبناني وشبكة الامان التي بناها". نشر في العدد: 16785 ت.م: 19-03-2009 ص: 12 ط: الرياض