قبل ثلاثة أعوام كتب الدكتور غازي حمد الناطق باسم الحكومة الفلسطينية حينها، مقالاً حمل عنوان"ارحموا غزة". وأنا اليوم أستأذن الدكتور حمد لأكرر النداء للجميع"إرحموا غزة".... قبل نحو شهرين خرجت غزة من حرب صهيونية همجية شرسة، ارتكبت خلالها أبشع المجازر والجرائم ضد الإنسانية، حيث خلّفت وراءها أكثر من 1300 شهيد، 5300 جريح، وطاولت أضرارها أكثر من 5000 منزل ومسجد ومنشأه، لقد حرقت إسرائيل بهمجيتها الأخضر واليابس، ولا يزال الناس يقيمون في خيام، وكأننا أمام نكبة جديدة، نكبة 2009. كأن قدرنا أن نبقى نعيش في نكبات، صحيح أننا أمام محتل من نوع آخر، نعم إنها دولة إسرائيل الديموقراطية العلمانية، والتي من مبادئها المركزية: استمرار الاعتماد على تفوق جيش الدفاع الإسرائيلي بصفته الرادع للتهديد العربي والفلسطيني. وجوب الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولو كان الفصل ضد الديموقراطية التي يدعيها الإسرائيليون. لن تكون هناك دولة فلسطينية غرب نهر الأردن، بل يمكن أن يكون هناك هيكل لدولة هزيلة تابعة للأردن أو مصر فقط. لا عودة إلى حدود 1967. هذه هي دولة إسرائيل الديموقراطية، نعم هي ديموقراطية قتل الأطفال والنساء والشيوخ. ارحموا غزة. يا من سطرّتم أروع ملاحم العز والفخار، يا مقاومتنا الغراء، يا من بسلاحكم الطاهر وبصواريخكم المباركة فرضتم معادلة سياسية جديدة في المنطقة، يا من سطرتم لوحة فنية تلاقت فيها الألوان المتخاصمة لتشكل نموذجاً لحركات التحرر في العالم. غزة اليوم تئن بجراحها، تحتاج لمن يمسح دمعة عن وجه طفل يتيم، تحتاج لمساعدة عائلة مشردة قُصف منزلها وتقيم في خيمة، غزة تحتاج الى هواء جديد يستبدل هواء يحمل في طياته رائحة الدم وغبار الدبابات، ودخان الصواريخ الإسرائيلية. إرحموا غزة... يا إقليمنا الحبيب، نحبكم بالله، فأنتم من وقف معنا في يوم خذلنا فيه الآخرون، اسمحوا لنا بقسط من الراحة، نريد أن نسحب الذرائع من المحتل، كفاكم دعماً لفصائل هنا وهناك، لضرب صاروخ أو قذيفة هاون، لم تضرب أيام الحرب للأسف، أتريدون غزة مشتعلة، لماذا؟؟ هل تعتقدون باشتعال غزة، سيبتعد عنكم الخطر، أم سيلعنكم الله من السماء ولعنة الله أشد وأكبر. إرحموا غزة... يا أخواننا في الفصائل الفلسطينية، الشعب في غزة يريد أن يعيش، ويريد أن يقاوم، ولكنه يرفض أن يقاوم مدى الحياة، كما يرفض أن يفاوض مدى الحياة أيضاً. ارحموا غزة... أوقفوا صواريخكم وقذائفكم موقتاً، دعونا نعمّر ونبني ما دمره الاحتلال، ولنعتبرها استراحة مقاتل، فالاحتلال يكرس أوقاته بعد الحرب لتعويض الذخيرة التي فقدها خلال الحرب. فيا من تطلقون الصواريخ صباحاً ومساء، هل جهزتم أنفسكم للمرحلة المقبلة، هل دربتم مقاتلين جدداً لاستبدالهم مكان الشهداء، هل أدخلتم ذخائر وصواريخ بدل التي أطلقتموها؟ إرحموا غزة... يا من تتحاورون في مصر الكنانة، أنظروا إلى شعبكم وقضيتكم أولاً وأخيراً، وافعلوا ما فيه مصلحة لشعبكم، ثقتنا بكم كبيرة، وأملنا براعي الحوار الكبير، من غزة نتمنى لكم النجاح والتوفيق. حسام الدجني كاتب وباحث فلسطيني - بريد الكتروني