يقولون في مصر:"إذا أردت تعطيل قضية أو تعقيد مشكلة أو إطالة أمد معضلة فيكفي أن يحال الأمر إلى لجنة للبحث فيها ووضع واقتراح الحلول وذلك كفيل بتحقيق الهدف"، فما بالنا إذا كان الفلسطينيون الذين اجتمعوا وتحاوروا في مصر اتفقوا على تشكيل ست لجان"لتفعيل الحوار الفلسطيني وطي صفحة الانقسام الداخلي وتمهيد الأجواء لاستمرار التوافق بينهم". صحيح أن المقولة مصرية وليس لازماً أن تنطبق على غير المصريين حتى لو اتخذوا قرار اللجان على أرض مصرية، والصحيح أيضاً أن من تابعوا جلسات الحوار والمؤتمرات الصحافية لقادة الفصائل لاحظوا لهجة مختلفة عن كل حوار سابق، وشعروا بإدراك الفصائل مدى الخطورة التي تهدم القضية الفلسطينية، وصحيح أن اللجان الست ستضطلع بأدوار دقيقة وحساسة ومهمة إلا أن الصحيح أيضاً أن أسئلة بقيت من دون إجابات، وأن اللجان التي يفترض أن تبدأ العمل في العاشر من آذار مارس المقبل وتنتهي مهماتها قبل نهاية الشهر لن تقترب من الإجابة عن تلك الأسئلة التي تدور في أذهان المهتمين بالشأن الفلسطيني والراغبين في الوصول إلى نهاية لعصر الانقسام الفلسطيني والتشرذم العربي. ستبحث اللجان في قضايا: الحكومة والأمن ومنظمة التحرير والانتخابات والمصالحة الوطنية، إضافة إلى لجنة التوجيه العليا, واتفقت الفصائل على تسمية خمس لجان منها وتوقفت الحملات الإعلامية، لكن هل تقبل"فتح"مرة أخرى بحكومة تشكلها"حماس"إذا ذهبت أصوات الناخبين إلى الحركة؟ وهل تقبل"حماس"بحكومة ل"فتح"في قطاع غزة إذا نالت المنظمة أصوات المقترعين؟ وماذا عن مصير المسلحين في الحركتين وباقي الفصائل؟ هل ستسلم"حماس"ما لديها من أسلحة ومتفجرات وعتاد ولو بسيط إلى السلطة أو الحكومة المقبلتين من دون أن تتذرع بالمقاومة أو مواجهة الاحتلال؟ هل يثق الفلسطينيون في حكومة أو سلطة تقودها"فتح"في مواجهة أي عدوان إسرائيلي مقبل؟ نفى قادة الفصائل أن تكون مصر سمت اسماً لرئيس الوزراء لحكومة الوفاق الوطني التي تقرر تشكيل لجنة خاصة بها، لكن هل ابتعدت القوى الإقليمية وارتضت أن يحل الفلسطينيون مشاكلهم بأنفسهم مهما كان شكل الحكومة المقبلة والسلطة القادمة وموازين القوى على المسرح الفلسطيني؟ عموماً لا يجوز التسرع بالإعلان عن نجاح الحوار الفلسطيني في مصر والابتهاج بأن الفلسطينيين توصلوا إلى قواسم مشتركة بينها أسلوب التعامل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، أو أنهم اتفقوا على شكل الحكم الفلسطيني في السنوات المقبلة وطبيعة العلاقات بين الفصائل والقوى الإقليمية. الأمور الآن في عهدة"اللجان"وبحسب ما ستتوصل إليه فإنه يمكن الحكم على الحوار ونتائجه. ورغم نفي قادة الفصائل أن تكون هناك ضغوط مورست على أي طرف من أجل إنجاح الحوار فإن الحقيقة أن المجتمع الدولي لا يمكنه التعاطي مع القضية الفلسطينية في ظل الوضع الحالي, وبغض النظر عن حسابات المكسب والخسارة بعد العدوان الإسرائيلي على غزة. فالحرب فرضت واقعاً جديداً على الجميع ولا يمكن إخراج جهود المصالحة العربية وتقارب الموقفين المصري والسعودي من موقف سورية عن هذا السياق. وإذا كانت الخلافات العربية أسهمت لفترة طويلة في تأجج الصراعات الفلسطينية - الفلسطينية فإن تقارب المواقف العربية تجاه المصالحة الفلسطينية يجب أن يصب في صالح المصالحة وليس ضدها، وهذا ما يأمله كل العرب والشعب الفلسطيني ولا يمكن أن تعمل"اللجان"الفلسطينية من دون أن يكون واضحاً أمام أعضائها أن عملهم مجرد بداية وأن ما سيتوصلون إليه سيتم البناء عليه وأنهم سيضعون أساساً لبناء ضخم وكلما كانت قواعد ذلك البناء راسخة أمكن للمصالحة أن تستمر وتبقى تحت أي حكومة"فتحاوية"أو"حمساوية"أو وطنية تضم ممثلين عن مختلف الفصائل. أما إذا جاءت القواعد هشة والأساس رخواً فإن المصالحة ستنهار عند أول اختبار. نشر في العدد: 16767 ت.م: 01-03-2009 ص: 15 ط: الرياض