الجرذان من المحافظين الجدد يتركون سفينتهم الغارقة، منذ فوز باراك أوباما بالرئاسة، مع بقاء قلة تبكي على الأطلال، أو تحاول إعادة بناء ما تهدم منها، مثل تشارلز كراوتهامر وديفيد فروم. في المقابل ريتشارد بيرل، وهو جرذ بامتياز، ينكر أنه من العصابة التي دمرت سمعة أميركا وقتلت أبناءها مع مئات ألوف العراقيين، ومع ذلك بقيت تحاول دفع ادارة بوش الى حرب مع ايران. حمل مقال في"واشنطن بوست"لدانا ميلبانك عنواناً ظريفاً هو"أمير الظلام ينفي وجوده نفسه"، وكان المقال كله في ظرف العنوان، فبيرل قال في ندوة في مركز نيكسون: - بيرل ليس من المحافظين الجدد. - المحافظون الجدد غير موجودين. - حتى لو وجد المحافظون الجدد فهم حتماً لا يمكن لومهم على كوارث السنوات الثماني الماضية. كانت مجلة"ناشونال انترنست"، وهي ليكودية من أبواق المحافظين الجدد، رعت الجلسة مع بيرل، وعدت اليها ووجدت انه كتب مقالاً في حوالى ثماني صفحات أنكر فيه ارتكاب الجريمة، بل وجود جريمة أصلاً، وأترجم باختصار من فقرتين فقط في المقال: فهم سياسة بوش الخارجية والدفاعية يقتضي إيضاح جذورها وتفكير الإدارة إزاء القرارات الأساسية. هذا يعني رفض الادعاء ان قرار إزالة، صدام حسين، وسياسات بوش عموماً، أثر فيها بشكل مهم عقائديون من المحافظين الجدد لهم أجندة سرية تنطوي على طموحات إمبريالية وفرض الديموقراطية بالقوة والترويج لمصالح إسرائيل على حساب المصالح الأميركية. ربما فاتني شيء إلا أنني لا أذكر بياناً أو موقفاً من أحد المحافظين الجدد في الحكومة أو قربها دعا الى غزو العراق بهدف نشر الديموقراطية أو الترويج لرؤية المحافظين الجدد، وأكثرية هؤلاء يعتقدون أن أفضل طريقة للحصول على النفط هي شراؤه، والإسرائيليون كانوا يعتقدون أن ايران خطر أكبر عليهم وعارضوا، بشدة أحياناً، الهجوم الأميركي على العراق.... لا أعرف من أين أبدأ، فهناك مشروع القرن الأميركي الجديد سنة 1996، ورسائل وقَّعها محافظون جدد، بينهم بيرل، تطالب بغزو العراق، وأخرى تحرض على ايران وسورية، وكبار المحافظين الجدد في الإدارة كانوا في قلب عصابة الحرب، حتى انني لا أشعر بحاجة الى تكرار ما هو ثابت قطعياً عن تآمر بول وولفوفيتز ودوغلاس فايث ولويس ليبي، ومعهم بيرل وآخرون لتدمير العراق. لا أستغرب إذا قام من المحافظين الجدد من يقول ان صدام حسين انتحر، مثل المسيح قبله. هل هي صدفة أن الدجال بيرل تكلم في مركز نيكسون، أي ذلك الرئيس الذي استقال قبل أن يعزل وكذب كما تنفس، وكما يفعل بيرل هذه الأيام. مقال"واشنطن بوست"قال ان المستمعين كانوا يضحكون من ردود بيرل، وهي مضحكة فعلاً لولا جريمة الحرب على العراق. وبيرل الذي ينكر أي تحريض، بل وجود المحافظين الجدد هو الذي ألف كتاباً تحريضياً عنوانه"نهاية الشر"قال فيه: لا يوجد طريق وسط أمام الأميركيين. إما النصر أو هولوكوست. هذا الكتاب هو دليل النصر". وهو بقي يحرض بعد تركه رئاسة مجلس سياسة الدفاع في فضيحة مالية، وقد قرأت له في الجريدة نفسها في 26/6/2008 مقالاً بعنوان"تحالف العاجزين"يهاجم فيه وزيرة الخارجية في حينه كوندوليزا رايس ومشروع"التعددية"الدولية في وجه ايران، فهو يرى ان التعددية تحتاج الى تنازلات لأعضائها، وهو على ما يبدو يخشى أن يضعف هذا المواجهة ضد إيران. الغالبية العظمى من المحافظين الجدد ليكوديون، يقدمون مصالح إسرائيل على مصالح"بلادهم"أميركا، وهم عندما كتبوا لبنيامين نتانياهو بعد تسلمه رئاسة الوزارة سنة 1996 تقريراً اختاروا عنواناً له"انفصال تام"ودعوا الى استمرار الاحتلال ورفض قيام دولة فلسطينية. وكنت أعرف أن بيرل وأمثاله سينكرون أي دور لهم في الجرائم ضد الفلسطينيين أو العراق، إلا أنني لم أتصور أن ينكر بيرل وجود المحافظين الجدد، وهناك عشرات الكتب وألوف المراجع في فهارسها عن وثائقهم المسجلة. هذا الإنكار لا يعني سوى انهم يدركون فداحة ما ارتكبوا ويخشون أن يأتي من يحاسبهم. نشر في العدد: 16766 ت.م: 28-02-2009 ص: الأخيرة ط: الرياض