يفترض أن يكون الإنسان متسامحاً إزاء عدو خاسر، إلا انني لست صلاح الدين الأيوبي ولن أكون، وعندما خسر الجمهوريون، وتحديداً عصابة الحرب من المحافظين الجدد أعداء العرب والمسلمين، الانتخابات النصفية لم أشعر بأي تسامح، ولم أقل عفا الله عما مضى، وإنما غلبتني الشماتة، من دون وخز ضمير، فأنا أحتقر فكر عصابة إسرائيل، من دون أن أكره أحداً، أو أتمنى شراً لأحد. أرجو أن أقول يوماً في ديك تشيني ما قلت في دونالد رامسفيلد بعد استقالته أو إقالته، وما أقول في مثل هذه المناسبات السعيدة النادرة: اللهم لا شماتة، ولكن أحمده إن أماته. وطبعاً فالقول هذا ينطوي على شماتة حتى وهو ينكرها. ما سبق مقدمة، فقد توقفت عند باب مبنى"الحياة"مع بعض الزملاء في الصباح، وقلت انني سأكتب مقالاً عن الجرذان التي بدأت تفر من السفينة الغارقة، بعد أن انتقد المتطرف المعروف ريتشارد بيرل ادارة الحرب في العراق، ووصلت الى مكتبي ووجدت بين المادة التي جمعتها مقالاً عنوانه"بوش والمحافظون الجدد: الجرذان تفر من السفينة الغارقة"، على الموقع الالكتروني لجماعة"العمال الاشتراكيون"ومقالاً آخر بعنوان"سفينة المحافظين الجدد"كتبه أنور حسين لمجموعة أتلانتك فري برس، ومقالات أخرى كلها بالمعنى نفسه. الموضوع ثار بعد أن هاجم إدارة بوش غلاة المحافظين الجدد مثل ريتشارد بيرل وكنيث ادلمان وفرانك غافني وديفيد فروم ومايكل روبن بسبب حرب العراق التي سعوا جميعاً إليها. والموضوع لا يفهم من دون خلفية سريعة، فالصحافي ديفيد روز أجرى مقابلات مع دعاة الحرب عشية الانتخابات النصفية الأميركية، لتنشر في عدد كانون الثاني يناير من مجلة"فايفتي فير"الواسعة الانتشار جداً. وتاريخ العدد في الولاياتالمتحدة يحمل آخر يوم، لا أول يوم، فكان مفروضاً ألا ينزل العدد الى السوق حتى السادس من الشهر المقبل، أي بعد الانتخابات، فلا يؤثر فيها. وقال ديفيد روز في مقابلة صحافية لاحقة انه لم يكن يعرف ان المجلة تنشر بعض المواضيع مسبقاً على موقعها الالكتروني، وهذا ما حدث، فقد نشر الموضوع تحت العنوان"نيو كولبا"قبل الانتخابات واعتبره المحافظون الجدد محاولة للتأثير في سيرها. العنوان بحاجة الى شرح فهناك عبارة لاتينية تستخدم في الكنيسة هي"ميا كولبا"، أي الاعتراف بالذنب أو بارتكاب خطيئة، والكاتب مزج العبارة باسم المحافظين الجدد، نيوكونز، ليطلع بعنوان يعني اعترافهم بذنبهم. ريتشارد بيرل كان رئيس مجلس سياسة الدفاع، وخسر الرئاسة في فضيحة وأصبح عضواً، ثم استقال تحت وطأة فضيحة أخرى، وهو سعى جهده ليدفع الولاياتالمتحدة نحو حرب، وتعاون مع أحمد الجلبي والمبعدين العراقيين وكذبوا معاً ومنفردين. بيرل أصبح الآن يقول انه أساء التقدير ومستوى الوحشية في العراق مخيف، والعراق قد ينتهي"دولة فاشلة"، أو ساقطة. بل هو يقول انه لو كان يعرف في حينه ما يعرف الآن لعارض الحرب. ما أقول أنا هو أنه يساهم في قتل نصف مليون عراقي ويدمر بلدهم ثم يقول"بردون". أما كنيث ادلمان الذي كان عضواً في مجلس سياسة الدفاع فهو لا يُذكر إلا ويذكر معه انه كتب مقالاً في"واشنطن بوست"في شباط فبراير 2002 قال فيه ان الحرب على العراق ستكون"نزهة". وبوب وودوارد يقول في كتابه السابق"خطة الحرب"انه عندما سقط صدام حسين سريعاً دخل ادلمان على نائب الرئيس ديك تشيني وعانقه، وهو يكاد يبكي فقد غلبته عاطفته الاسرائيلية، لأن موقفه هذا لا يمكن ان يعتبر سياسياً خالصاً. ادلمان أصبح الآن يقول انه اعتقد ان فريق الحرب سيكون فعالاً، إلا انه بين أفشل ما عرفت البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، وكل عضو في الفريق عانى من نقص وضعف والمجموع كان معطلاً، أو لا يعمل. وضم المقال أيضاً: - مايكل ليدين، من معهد أميركان انتربرايز اليميني، ورأيه ان سبب المشكلة هو ان جورج بوش محاط بنساء مثل لورا، زوجته، وكوندي، ويقصد وزيرة الخارجية وهارييت ميرز وكارن هيوز. وليدين هذا، إضافة الى موقفه الغريب من النساء لا يزال يدعو الى حرب على إيران. - ديفيد فروم الذي طرد من عمله كاتباً لخطابات جورج بوش بعد ان زعم انه نحت العبارة"محور الشر"أصبح الآن يقول ان جورج بوش لا يلتزم الأفكار التي تعبر عنها الكلمات التي يقولها في خطاباته. - فرانك غافني، من مجلس سياسة الدفاع، يزعم ان بوش ليس صاحب مبادئ، فهو يتكلم عن الطريق الصواب، إلا ان أقواله تفتقد التنفيذ. - مايكل روبن من مكتب الخطط الخاصة في وزارة الدفاع الذي رأسه دوغلاس فايث برعاية بول وولفوفيتز، ولفّق معلومات الاستخبارات عن العراق، وأصبح يقول الآن إن الشعب وثق بجورج بوش إلا أن هذا خذل الشعب عندما لم يتبع كلامه بالأفعال"تماماً كما فعل أبوه في 15/2/1991 عندما دعا الشعب العراقي الى الثورة ثم تخلى عنه". أقول انهم جرذان تفر من سفينة غارقة، إلا أنني أرجو أن يحاكموا جميعاً، فأيديهم ملطخة بدماء مئات ألوف الضحايا الأبرياء.