نحن نشكو من همجية اسرائيل والتواطؤ الأميركي معها، والمحافظون الجدد يشكون من أن ادارة بوش لا تبطش بنا بالقدر الكافي. ليس هذا رأيي وحدي، وانما هو الاستنتاج الوحيد الممكن من متابعة المادة الغزيرة التي يفرزها الجناح المحافظ جداً حول الادارة، فالمحافظون الجدد عصابة، إلا أنهم ليسوا مؤامرة، لأن لا سرية في عملهم. وجريدة"واشنطن بوست"الراقية نشرت تحقيقاً بعنوان"غضب المحافظين على سياسة بوش الخارجية يزداد"جاء فيه أن الجناح المتطرف يشكو من أن الادارة منشغلة بالعراق من دون أن يكون عندها عدد كاف من الجنود لدحر التمرد، وأنها تتجاهل قمع المعارضين في مصر وروسيا، وأن كوريا الشمالية تطلق صواريخ من دون عواقب، وايران تكسب الوقت لبناء قنبلة نووية، وكل هذا فيما الادارة تتابع من حلفائها الأوروبيين ديبلوماسية عقيمة. لا أعرف من نصّب الولاياتالمتحدة شرطياً على العالم كله أو قاضياً، هي متهمة قبل ايران نفسها كخطر على السلام العالمي في استطلاعات أوروبية للرأي العام، إلا أنها غطرسة وعنصرية مع كره مزمن مقيم للعرب والمسلمين. كان يمكن أن نعتبر مواقف المحافظين الجدد صورة كاريكاتورية لما يجب أن تكون عليه السياسة الأميركية، إلا أن المشكلة ان الرئيس بوش يصغي للمتطرفين الذين يمثلون قاعدته الانتخابية الاساسية، وهكذا فما نعتبره شططاً أو كاريكاتوراً قد يصبح سياسة غداً. أحد رموز المحافظين الجدد هو السياسي الفاسد نيوت غينغريتش، رئيس مجلس النواب السابق، وهو تحدث على التلفزيون عن مؤامرة جمع فيها ايران وسورية وحزب الله وحماس، وهذا مفهوم، إلا أنه زاد عليها كوريا الشمالية، وهذا مبالغة، ثم زاد فنزويلا، ما جعلني أضحك قبل أن اتذكر أن مثل هذا الاحمق رأيه مسموع، وهو يريد"سحق"المتآمرين. غينغريتش يطرح نفسه مرشحاً للرئاسة الأميركية، ما يعني أن نترحم يوماً على جورج بوش واعتداله. و"نيويورك صن"اليمينية تقول ان سياسة جورج بوش خربت لأنه أبعد المحافظين الجدد، لذلك فهي في مقال افتتاحي يعبر عن رأي العاملين فيها دعت الى اعادة المحافظين الجدد، وتحسرت على أيام بول وولفوفيتز ودوغلاس فايث في وزارة الدفاع، على رغم ثبوت تلفيق استخبارات الحرب على العراق ومقتل أكثر من 2500 جندي أميركي حتى الآن، وذكرت بالخبر ريتشارد بيرل، وهو من أحقر اعداء العرب والمسلمين في كل ادارة. أريد قبل أن يضيق المكان بنا أن اقدم نماذج عن التطرف الذي تستمع اليه الادارة الاميركية: - كنت كتبت في الأسابيع الأخيرة حلقات عن المتطرفين دانيال بايبس ومايكل ليدين، وركزت على حملتهما الدائمة على العرب والمسلمين. وهما لم يخيبا أملي بتطرفهما بعد الحرب النازية الاسرائيلية على الفلسطينيين ولبنان. وبايبس كتب مقالاً حقيراً آخر في"نيويورك صن"عارض فيه كل مفاوضات سابقة ولاحقة، وحضّ فيه على سياسة"ردع بطيء وشديد ومحبط وممل"كسياسة وحيدة نافعة، والردع في رأيه ليس مجرد غارة اسبوع أو حصار أو جولة حرب وانما جهد عقود، أي أنه يريد من اسرائيل أن تقتل وتدمر لعقود مقبلة. أما ليدين فطالب بأن تسقط الولاياتالمتحدة نظامي ايران وسورية، لأن اسرائيل لا تستطيع اسقاطهما بقتال حماس وحزب الله، أي انه يطالب بقتل ألوف الشباب الأميركيين مرة أخرى في سبيل اسرائيل. - كنت أشرت الى قول وليام كريستول، منظّر المحافظين الجدد في بوقهم"ويكلي ستاندارد"ان حرب اسرائيل"حربنا"، أي حرب الولاياتالمتحدة، فهي حرب الاسلاميين مع الغرب، وكرر الفكرة في المطبوعة نفسها دان دارلنغ الذي كتب موضوعاً عنوانه يغني عن شرح، فقد كان"عدو اسرائيل هو عدو أميركا"وتحته التاريخ الدموي لحزب الله. وطبعاً فإسرائيل أكبر عدو للولايات المتحدة ومصالحها، لأنها جعلت أكبر دولة في العالم على عداء مع 1.2 بليون مسلم لمصلحة حكومة نازية متطرفة تقتل وتدمر كل يوم، فاذا كان هناك تاريخ دموي في الشرق الأوسط فهو تاريخ اسرائيل وجرائمها عبر عقود. - نشرت"ناشونال ريفيو"، وهي بوق آخر للمحافظين الجدد، مقالاً افتتاحياً يعبّر عن رأي جهاز التحرير فيها عنوانه"اسرائيل تعمل"، وعملها هو القتل والتدمير، لأن الافتتاحية تحذر من ممارسة أي ضغط أميركي عليها، فيما هي"تعمل"فذلك سيكون فائدة لإيران. وتوقفت عند مقالين آخرين في المطبوعة المتطرفة. فقد كتب اندرو ماكارثي تحت عنوان"تصحيح المسار"أن حرب اسرائيل مع حزب الله"هي حربنا مع ايران، الحرب ضد الارهاب"، وأقول مرة أخرى ان الارهاب اسرائيلي، وهو بعقوباته الجماعية نازي المستوى، كما كتب شاؤول سنغر، وهو اسرائيلي أميركي، مقالاً بعنوان"قال حتى النهاية"تحدث فيه عن وحدة الاسرائيليين، ما يعني أنه يشكك في استمرار هذه الوحدة في الجريمة اذا طالت الحرب. - لا يكتمل الحديث من دون اشارة الى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فبعدما كتب مديره التنفيذي روبرت ساتلوف ان هزيمة اسرائيل هزيمة للولايات المتحدة قرأت لديفيد شنكر سياحة تاريخية عن"سورية وحماس وأزمة غزة"يدعو الى التركيز على سورية. وأخيراً، أقول ان تطرف هذه العصابة الاسرائيلية التي خطفت السياسة الخارجية الأميركية يفسر قدرة اسرائيل على التطرف مع حصانة أميركية تحمي جرائمها ضد المدنيين. ولا أمل بانفراج حتى يسقط المتطرفون في أميركا واسرائيل، فلعل الدكتورة كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية تجترح معجزة بعدما مضى عهد المعجزات.