لو نظرت المغنية كارول سماحة الى نفسها جيداً في الفيلم الذي صوّرته الى جانب مجموعة من نجوم الغناء"بحر النجوم"، وتحديداً في الأغنية التي جمعتها الى هيفا وهبي ورويدا المحروقي ووائل كفوري وأحمد الشريف، وراقبت الجهد المكثف الذي بذلته في الرقص، والمبالغة في الحركات، لاكتشفت أنها وضعت رقصاً و"نطنطة"وپ"حيوية"في المكان غير المناسب، أو بالضبط وضعت كل ذلك حيث لا ضرورة له مطلقاً. بعض الحركات الراقصة كانت كافية لذلك المقطع السينمائي، ولتلك الأغنية، وأيضاً لتلك الوقفة الى جانب زملائها النجوم الذين رقصوا وتحركوا مع الأنغام لكن في الحدود المعقولة المعبرة عن الموقف: يتبين من ذلك أن كارول سماحة تريد أن تبزّ غيرها في الرقص، وأن توحي للمشاهد أنها صاحبة حيوية مسرحية غير متوافرة في الأخريات. وهذا حقها، هذا حقها، انما ليس بهذه الصورة المفتعلة! ولو نظرت كارول أيضاً الى كليبها ما قبل الأخير"اسمعني شو بدي قول"وراقبت حضورها"الجنوني"الجميل، وأسلوبها في تعمّد"الدوران"الراقص، والحركات المشهدية المثيرة صعوداً وانحناءً وتلوِّياً، لاكتشفت انها هنا أيضاً بالغت في التعبير عن جسدها المطواع وعن موهبة الرقص الكلاسيكي لديها. وإذا كان هذا حقها الطبيعي، فإن الإيغال في الحركات الراقصة بما لا يخدم طبيعة الأغنية المصورة ينقلب سؤالاً بل استفهاماً بل... جواباً واضحاً بأنها تريد أن يعلق في ذاكرة الجمهور، وفي شكل حازم وجازم، انها راقصة بمثل ما هي مغنية. ولو نظرت كارول سماحة الى كليبها الأخير"علي يا علي"وراقبت نفسها كپ"حسن صبي"يقوم ويقعد، يلعب ويتسلّى ويقفز راقصاً في كليب كأنه كان يرغب في استحضار صورة سعاد حسني بالذات دون غيرها، لاكتشفت أن تلك الأغنية التي تجند لها ثلاثة ملحنين وشاعران ما هي إلاّ نسخة طبق الأصل عن محاولة بعض الفانتازيين في السبعينات من القرن الماضي"تركيب"أجمل امرأة عصرية، فأخذوا جسد كلوديا كاردينالي وقامة بريجيت باردو وعيون زبيدة ثروت... الخ طمعاً في الحصول على الجمال الكامل فكانت النتيجة... امرأة ليس في شكلها أي تناسق، امرأة تشبه"قصقص ورق ساويهن ناس"!؟ أي ان كارول بالغت مجدداً في الرقص والاستعراض بما يفوق طاقة الأغنية الخفيفة التي تكاد تتبخر من الخفّة المصطنعة، فوقعت في المحظور الذي هو رغبتها في تأكيد أنها راقصة... جداً! ومع أن كارول في"بحر النجوم"رقصت في شكل مختلف عن رقصها في أغنية"اسمعني شو بدي قول"، ورقصت في"علي يا علي"في شكل مختلف عن رقصها في الأغنيتين الأوليين، فإن المبالغة والتضخيم"والزائد أخو الناقص"كلها كانت تحاصرها من كل جانب وفي كل مشهد لا لشيء إلا لتبرهن عن قدرتها الاستعراضية الفائقة بل المتفوقة فعلاً عن غيرها ولو حيث لا تفيد البرهنة ولا تنفع الإثباتات طالما انها غير مطلوبة... ينبغي أن تدرك كارول سماحة أولاًَ قبل الجمهور أن الرقص ليس مجرد حركات باليدين أو الخصر أو الساقين أو غير ذلك. الرقص هو حركات بكل هذه الأعضاء لكن من الداخل لا من الخارج، أي من العصب الإنساني الحميم ومن العصب الانفعالي المركب، ففي"بحر النجوم"الذي جمعها مع نجوم ونجمات، صرفت كارول"قوة جسدية اضعافاً مضاعفة مما صرفت هيفا وهبي مثلاً فيه، ومع ذلك بقيت هيفا ملتقى الأنظار في رقصها الذي لا يتجاوز ما يطلبه الواقع، مع أن روح الشباب كانت مسيطرة في الفيلم. والشباب حيوية ومشاركة وانفعال... بالفطرة! وينبغي أن تعلم كارول سماحة أنها ترقص أفضل وأجمل بكثير من زميلاتها المغنيات، وتحديداً في اتقانها التقنيات الغربية الصعبة على الكثيرات، لكن ما لا تتقنه هو الرقص الشرقي. فالتوجه الى الجمهور العريض، جمهور الأغنية في العالم العربي اليوم، من خلال الرقص في الغناء لم يصل الى هدفه مع الكثيرات إلا بالروح الشرقية التي تجمع الأنوثة والدلال مع الذوبان في الموسيقى والتعبير عن ذلك بحركات من"تراث"العين والذاكرة والحسّ الشرقي، أما"التراث"الغربي الراقص فقد بقي مع المغنيات العرب على الرصيف، لا لانتفاء قدرتهن على الإجادة فيه، بل لانتفاء قدرتهن على تحويل مهاراتهن الغربية الراقصة الى شرقية أمام جمهور قد يعجب جداً بالتقنيات، غير أنه يستسلم للعاطفة الشرقية في الرقص أكثر من أي عاطفة أو شيء آخر... تُغيِّر كارول سماحة وتبدِّل في الألوان الغنائية والراقصة، وكأنها أمام امتحان قبول في الفن. لقد قُبلت كارول بين النجمات الرائعات صوتاً وصورة ورقصاً مُحكم الجمال، فما هو السبب في ظهورها وكأنها على قلق وكأن الريح تحتها، كما قال المتنبي ذات يوم ليس عنها هي طبعاً بل عنه هو! نشر في العدد: 16766 ت.م: 28-02-2009 ص: 39 ط: الرياض