على عكس سلفيها في المنصب كوندوليزا رايس وكولن باول اللذين صوبا نظريهما في اتجاه أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا كأول محطة لسفرهما مع توليهما وزارة الخارجية في 2000 و2004، توجهت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون شرقاً الى القارة الآسيوية حيث وصلت الى اليابان أمس، في أول جولة آسيوية لها منذ توليها منصبها. وتظهر هذه الجولة الأولويات المختلفة للإدارة الجديدة سياسياً واستراتيجياً، إذ تتصدر محادثات كلينتون الأزمة الاقتصادية وتمتين التحالفات مع عمالقة آسيا، وخصوصاً اليابانوالصين، في إطار البحث عن مخرج للأزمة المالية. راجع ص 8 وفي خطوة لم تشهدها الولاياتالمتحدة منذ العام 1961 عندما توجه وزير الخارجية آنذاك دين راسك الى آسيا للبحث في حرب فيتنام بعد سنتين على بدايتها، اختارت كلينتون مساراً مشابهاً لجولتها الخارجية الأولى، إنما بحثاً عن"الديبلوماسية الاقتصادية"وفي خضم الأزمة المالية العالمية الأسوأ منذ الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي. وقالت الوزيرة الأميركية لدى وصولها الى طوكيو:"اخترت آسيا لتكون أول زيارة لي كوزيرة خارجية، كي أقول ان العلاقات بين أميركا وآسيا لا غنى عنها في مواجهة التحديات واغتنام الفرص في القرن الواحد والعشرين"، مشيرة الى ان هذه التحديات تشمل الوضع الاقتصادي إضافة الى مخاطر الانتشار النووي كوريا الشمالية وإيران وأفغانستان وباكستان والتغيير المناخي. وتشير الخطوة بحسب مستشارة كلينتون للشؤون الآسيوية السفيرة السابقة ويندي شيرمان، الى"تركيز أميركي على التحدي الأمني الأول الذي تمثله الأزمة الاقتصادية"، كما تعكس بحسب المراقبين توجهاً استراتيجياً براغماتياً لإدارة الرئيس باراك أوباما، يفترق عن نهج باول الذي زار دولة مالي الأفريقية كأول محطة له وتحدث عن نشر"الديموقراطية"، وعن رايس التي توجهت الى أوروبا والشرق الأوسط العام 2005 بحثاً عن ردم الهوة مع الأوروبيين التي تسببت بها الحرب على العراق، ودفع عملية السلام. وارتأت كلينتون أن تكون طوكيو أول محطة لها أمس، لطمأنة الحليف الاستراتيجي لواشنطن حول عمق هذا التحالف، خصوصاً بعد تحفظات لليابان عن رفع كوريا الشمالية عن لائحة الإرهاب، وتنامي نفوذ العملاق الصيني. واعتبرت كلينتون ان التحالف الياباني - الأميركي ما زال يشكل"حجر زاوية"بالنسبة الى الأمن الإقليمي. وستقودها جولتها أيضاً إلى إندونيسيا وكوريا الجنوبيةوالصين، بعد أن تلتقي اليوم رئيس الوزراء الياباني تارو اسو ووزيري الخارجية والدفاع وزعيم المعارضة اشيرو اوزاوا. وكثرت التكهنات حول احتمال تحضير كلينتون لزيارة يقوم بها أوباما للقارة، واحتمال إلقائه خطاباً يتوجه به الى العالم الإسلامي من العاصمة الإندونيسية جاكرتا. إلا أن الإطار الأعرض لجولة كلينتون هو تعزيز التعاون مع الحلفاء الآسيويين، وخصوصاً الصين، إذ شددت الوزيرة الأميركية على اتساع المصالح الأميركية - الصينية وضرورة التعاون بين البلدين. وأكدت وزارة الدفاع الأميركية أمس، ان واشنطنوبكين ستستأنفان أواخر الشهر الجاري حوارهما العسكري الذي علقته الصين السنة الماضية، احتجاجاً على مبيعات الأسلحة الأميركية الى تايوان. ولم ترد كلينتون في شكل مباشر على سؤال عما إذا كانت ستلتقي مع مدافعين عن حقوق الإنسان في بكين حيث اعتبرت كلمتها كسيدة أولى عن هذا الموضوع العام 1995 أمام المؤتمر العالمي للمرأة، اعنف انتقاد حتى الآن من قِبل ضيف أجنبي لسياسات الصين في مجال حقوق الإنسان. وقالت:"لن نتجنب تناول قضايا حقوق الإنسان، ولكن لدينا جدول أعمال واسع جداً". وستكون مسألة"النووي"الكوري الشمالي والتهديد الإقليمي الذي يطرحه، على جدول المحادثات، إذ عرضت كلينتون قبل مغادرتها واشنطن سبل تطبيع العلاقات مع بيونغيانغ وإبرام اتفاق سلام وتقديم مساعدات في مجال الطاقة ومعونات اقتصادية، مؤكدة ان على كوريا الشمالية التخلي أولاً عن برامجها للأسلحة النووية. وأثارت كوريا الشمالية تكهنات أمس، بأنها تُعدّ لتجربة صاروخ بعيد المدى، معتبرة انه يأتي في إطار"برنامجها الفضائي". وتأخذ إدارة أوباما على سلفها جورج بوش، تأخره في استخدام الديبلوماسية اللازمة مع كوريا الشمالية حتى ولايته الثانية، ما أدى بحسب مسؤولين أميركيين الى تعزيز بيونغيانغ ترسانتها الدفاعية وبروزها كتهديد إقليمي. واعتبرت اليابان زيارة كلينتون مؤشراً الى ان إدارة أوباما ستحتفظ بعلاقات قوية مع اقدم حلفائها في المنطقة، على رغم صعود الصين كقوة جيو - سياسية واقتصادية. وينتظر ان توقع كلينتون أيضاً اتفاقاً لإعادة نشر 8000 من عناصر"المارينز"الأميركيين من قاعدة اوكيناوا جنوباليابان، الى جزيرة غوام في المحيط الهادئ. وستغادر هيلاري كلينتون اليابان الأربعاء لتزور إندونيسيا 18 الى 19 الشهر الجاري وكوريا الجنوبية 19-20 منه والصين بين 20 و22 الشهر.