ينصح حائز جائزة"نوبل"للاقتصاد لعام 2008، الأميركي بول كروغمان، إدارة الرئيس باراك أوباما، بأن تضع، مكافحة اللامساواة في الدخل بين الأميركيين في أولوياتها. وهو موضوع يثير الانتباه، ليس فقط في الولاياتالمتحدة، بل في أنحاء العالم، حيث تسعى بلدانٌ فقيرة أو غنية إلى تعميم ظاهرة العدالة، بتقديم قروضٍ صغيرة أو توفير خدمات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. ومع تنامي تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وتوقع أن تكون السنة الحالية صعبة على صعيد الاقتصاد العالمي، يعود موضوع اللامساواة إلى الواجهة، لا سيما لدى البلدان المتقدمة. والموضوع معقد. إذ يصعب قياس اللامساواة، بعد أن صارت مقارنة مستويات المعيشة أكثر دقةً، باعتماد دخل أرباب العمل، في احتساب مؤشرات اللامساواة. وتميّز العقدان الأخيران، باتساع فجوة اللامساواة في الدخل من جهة، وفي عدد الفقراء من جهة ثانية. فنادي البلدان الغنية، ويمثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية،المنظمة لاحقاً، نشر تقريراً تشرين الأول/ أوكتوبر 2008 بعنوان"النمو واللامساواة"، تناول توزيع الدخل والفقر في البلدان الثلاثين الأعضاء. وفي الخلاصة تتميّز مجموعتان، متنافرتان في الجداول، فالسويد والدانمارك تتمتعان بتوزيع دخلٍ أكثر مساواة، وإيطاليا والبرتغال والولاياتالمتحدة تتميّز كمجتمعات تتعمّق فيها هوّة اللامساواة. ويظهر اعتدالٌ في شمال أوروبا وبلجيكا وفرنسا، ومن ثم تحقق أسبانياوبريطانيا واليابان مستويات أفضل. ويبدو أن مؤشرات اشللامساواة بدأت تتفاقم في ألمانياوكندا خلال السنوات الأخيرة. وسجلت سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، منعطفاً في توزيع الدخل لدى البلدان الأعضاء في المنظمة، بحيث كان مستوى العيش يتجه إلى التقارب، فبات يسجل اتساعاً بين شرائح المجتمع. ودخل في انحراف، فبقيت زيادة اللامساواة"معتدلة"حتى عام ألفين، عندما باتت تتسع أكثر في كنداوألمانيا والنروج والولاياتالمتحدة. وتتقلص في بريطانيا والمكسيك واليونان وأستراليا. وبنتيجة الانتعاش الاقتصادي، بداية الألفية الثالثة، سعت الحكومات إلى ترسيخ العدالة الاجتماعية بزيادة خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليم. بل تقدمت أكثر فأجازت لمؤسسات مالية توفير قروض فردية بشروطٍ ميسرة. لكن حصل أن الأثرياء ازدادوا غنىً ولم يتقلّص عدد الفقراء. وترى"المنظمة"في تقريرها، أن إثراء الأكثر غنىً يجب ألا يشكل عنصراً غير ملائم للفقراء الذين يستفيدون من سياسات إعادة التوزيع. لكن آليات سياسة إعادة التوزيع غير فعالة. فالبلدان الغنية، الأكثر لامساواة في توزيع الدخل، يزداد فقراؤها. هذا واقع الولاياتالمتحدة حيث يجب أن تشكل مكافحة اللامساواة، موضوعاً يثير انتباه إدارتها. وارتسمت لامساوة جديدة، هي"اللامساواة العليا"، في البلدان الغنية، التي يزداد عدد الأثرياء فيها أكثر من عدد الفقراء. وبات الشكل الجديد"اللامساواة العليا"، لتوزيع الدخل، يستوجب الاهتمام أكثر بالعالم المتحوّل الأشد غنىً، عالم"أثرياء العمل". هؤلاء يكوّنون ثرواتهم من أجورهم الكبيرة وليس من عائدات شركاتهم، ويشكلون في أميركا اليوم نسيجاً اجتماعياً مستقلاً. ويدخل هذا النسيج الى فرنسا أيضاً. وشكّل تحقيق ثرواتهم سبباً رئيساً من أسباب الأزمة العالمية، أدّى إلى انهيار مؤسساتهم. وتبدو اللامساواة متعددة الأبعاد. فإذا كانت لامساواة الدخل أكثر انتشاراً، فإنها تتخذ أشكالاً منوّعة، يمكن مع الوقت أن تنتقل بالوراثة. فاحتمال أن يرث ابنٌ مستوى والده، في العيش، قوي في فرنسا، بريطانيا، الولاياتالمتحدة وإيطاليا. فاللامساواة في الدخل بين الأجيال، وتلك المتعلقة بالوصول إلى تكنولوجيا المعلومات تتزايد. تضاف إليهما اللامساواة في السكن، وتبدو مهمة أيضاً في البلدان الغنية، سواء لناحية تملك المسكن أو لناحية توزيع المساكن بحسب كثافة الشاغلين، التي تشتد لدى الفقراء. لكن سياسات توفير السكن في دولة مثل الولاياتالمتحدة، انحرفت عن غايتها وكوّنت سوقاً ائتمانية شديدة الأخطار، أدت إلى أزمة المال العالمية، وتالياً إلى ركودٍ فازداد المشردون وارتفع عدد العاطلين من العمل. وتداركاً لانعكاسات الأزمة الاقتصادية الكبرى، تحاول المؤسسات المعنية والحكومات، المحافظة على مستوى الأموال والعطاءات التي تخفف من فروقات التباعد في الدخل وخفض مستوى الحاجة الاجتماعية. وتهدف سياسات إعادة توزيع الدخل إلى تقليص اللامساواة، وتحرك مستوى حياة كثر عن طريق الإقراض والاقتطاعات الضريبية. ومهما كانت أسباب فجوة عدم المساواة، العولمة أو أسباب أخرى، فإن اعتماد سياسات حكومية صائبة يمكنها أن تبدل المعادلة. فإذا كانت الاقتطاعات والقروض الاجتماعية تلعب دوراً أساساً في تصويب عدالة الدخل، فإن تقديم الخدمات العامة الصحة والتعليم الإلزامي، والسكن الاجتماعي تسهم بنصف التصويب. ويفترض التقرب من المساواة جعل النظام الضريبي أكثر عدالة، واعتماد مستوى إقراض اجتماعي عال وضمان كل الخدمات العامة بمستوى إنساني لائق. نشر في العدد: 16754 ت.م: 16-02-2009 ص: 22 ط: الرياض