يكشف كتاب "عالم اللامساواة" الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي أن أكثر من 98% من الأميين الذين أحصتهم اليونيسكو يعيشون في البلاد السائرة في طريق النمو، وفيما يبدو أن سكان البلاد الغنية متعلمون جميعا، ولا يزيد عدد المتعلمين على 30% فقط من السكان في دول مثل أفغانستانوغينيا. ويعد باحثون معدل وفيات الأطفال مؤشرا على اللامساواة التي تتسيد العالم، حيث وجدوا أن طفلا من كل 4 أطفال لا يصل إلى سن الخامسة في أفغانستان وسيراليون، مقابل طفل واحد من بين 250 في فرنسا. يواصل كتاب "عالم اللامساواة" الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي كترجمة عربيّة لكتاب "أوضاع العالم 2016"، الذي أشرف عليه الباحثان الفرنسيان الأستاذان في معهد الدراسات السياسية في باريس، برتران بادي ودومينيك فيدال، ونقله إلى العربية نصير مروّة، بحثه في اللامساواة التي تسود العالم، وتتصدر المشهد. ويتحدث أوريليان بوتود المستشار، الباحث المستقل، عضو فريق عمل محفل من أجل مؤشرات أخرى للثروة، في هذا الجانب ببحث يتناول تعميق فكرة اللامساواة، وهو يقول: اتسم النصف الأول من العشرية الحالية بالعودة اللافتة إلى مسألة اللامساواة في السجالات الاقتصادية والسياسية، وكان توماس بيكيتي نشر كتاب رأس المال في القرن ال21، وردود الفعل التي أثارها، والتي كانت في بعض الأحيان حادة جداً، شواهد على هذه الصحوة الفذة. وقد تزايدت الفوارق في المداخيل في غالبية البلدان الغنية عند منعطف القرن ال21 بعد تراجعها في سابقه، ما يؤكد أن مسألة إعادة توزيع الثروة لا تزال مسألة راهنة. وعندما نذكر «اللّامساواة» نبدأ بأكثرها بداهة، وهي اللامساواة التي تمسّ توزيع الثروات الاقتصادية لأنها الأيسر على التناول والإدراك. وبما أنّ المسألة هي تناول الظاهرة في شمولها وإجماليتها، فإننا سنهتم بادئاً بتوزيع الثروات المنتجة كل عام على المستوى العالمي، فالتفاوتات على هذا المستوى، تقاس في أغلب الأحيان انطلاقاً من مداخيل الأسر، أو بالاستناد، إذا ما تعذر ذلك، إلى الناتج المحلي الإجمالي، ولهذا نتساءل، كيف تتوزع الثروات المنتجة؟ ما هو مدى التفاوتات العالمية واللامساواة العالمية؟ وكيف تطورت؟. أغنياء العالم يراكمون في يومين ما يحتاج الفقراء سنة لجمعه عند ملاحظة توزيع الثروات بين البلدان (أي اللامساواة الخارجية)، ومقارنة الأوضاع بين الطرفين الأقصيين المتقابلين، أي الأعلى والأدنى، أن الفرد من سكان قطر يتمتع في المتوسط بدخل أعلى ب226 ضعفا من مداخيل فرد من سكان جمهورية أفريقيا الوسطى. غير أنّ لمثل هذه الطريقة في العمل حدّا بدهيا: فكلا طرفَيْ المقارنة يمثّلان جزءاً ضئيلاً جداً من سكان العالم، المقارنة هنا تكاد تشبه إلى حد ما المقارنة بين المتسابق الأول والمتسابق الأخير في سباق في الركض، ولهذا، فإن مقاربة ثانية تهدف إلى الحصول على صورة أكثر واقعية للامساواة، يكون قوامها مقارنة متوسط المداخيل في مجموعتين متقابلتين من البلدان، فيهما من السكان ما يمثل قريباً من 10 % من سكان العالم، كما يقترح جان جادري، ال10 % (الأغنى) يمثلها 23 بلداً يملكون ناتجاً محلياً إجمالياً محسوباً بالفرد الواحد من السكان، يفوق 26 ألف دولار أميركي من القدرة الشرائية، وال10 % (الأفقر) 36 بلداً يتمتعون بناتج وطني قائم للفرد الواحد من السكان يتدنى عن نحو 2900 دولار أميركي من القدرة الشرائية؛ فنلاحظ حينها أن الفرد الواحد من سكّان البلدان الغنيّة، كان يحوز في العام 2013 متوسط دخل أرفع من دخل الفرد الواحد من سكان البلدان الفقيرة ب30 مرّة. وثمّة طريقة أكثر مواءمة للإعراب عن هذه اللاّمساواة تقوم على ملاحظة كيفية توزيع «قطعة الحلوى» على مجمل السكان، بحيث نكتشف حينها أن 8% من الأفراد الأغنى في العالم يستأثرون بنصف المداخيل العالمية - ومعنى هذا بطبيعة الحال أن نسبة ال92 % المتبقية من السكان يتقاسمون النصف الآخر. متوسط مداخيل ال5% الأغنى في العالم، هي أعلى ب160 ضعفاً من مداخيل ال5% الأفقر، وال5% الأغنى يراكمون في أقل من يومين، ما يقضي ال5% الأفقر سنة بكاملها لجمعه!. وما هو أكثر إثارة للاهتمام، هو أن هذه اللامساواة الإجمالية الشاملة البالغة الارتفاع، لم تُبدِ منحى واضحاً نحو التدني والانخفاض خلال العقدين الأخيرين، غير أن هذا الركود النسبي يخفي أحياناً تطورات «نوعيّة» ذات دلالة، فالمُلاحظ أن ثمة انخفاضاً في الفوارق بين متوسطات المداخيل في البلدان الغنية والبلدان الصاعدة - فالهند والصين على سبيل المثال تشهدان ارتفاعاً في متوسط مداخيلهما وبوتيرة أسرع من ارتفاع متوسطات المداخيل في أوروبا والولايات المتحدة، غير أن اللّامساواة بين الأفراد في داخل هاتين الكتلتين - الغنية والصاعدة - غالباً ما تميل إلى التزايد، بحيث إن التقارب النسبي بين المعدلات الوطنية يجد ما يراجحه و«يعوض» عنه في زيادة اللامساواة والتفاوتات في داخل الأمم. وباختصار، فإننا مستقون من هذا الحديث كله رقمين ملفتين: نصف المداخيل يستولي عليها 8% من سكان العالم، بينما يمتلك 1% من البشرية نصف ثروة الأرض. 98 % من الأميين يعيشون في البلدان النامية فضلاً عن الصحة والمداخيل، فإن الأممالمتحدة تعد التربية العنصر الرئيس الثالث في الانعتاق الإنساني والتنمية البشرية، والتوصل إلى المعارف والحصول عليها، هو عامل في تقليص الفقر واللاّمساواة، إلا أن الوصول إليها يظل متفاوتاً وغير متساوٍ في العالم. وفي حين أن سكان البلدان الغنيّة متعلمون بكلهم وجميعهم، فإن مستوى التعلم يظل أدنى من نسبة %30 من السكان في عدد من البلدان مثل أفغانستان أو مثل غينيا، فأكثر من 98 % من الأشخاص الأمّيين الذين أحصتهم اليونسكو، يعيشون في البلدان السائرة في طريق النموّ. ومن البديهي أن تكون الإمكانيات التي يجري توفيرها للتربية عاملاً مهماً في تقليص اللاّمساواة وخفضها. وحالة كوبا هي حالة بالغة الدلالة، ذلك أن هذا البلد يكرس 13 % من ناتجه المحلي الإجمالي للتربية، ويصل إلى معدل تعلم قريب من 100%، غير أن كوبا ليست استثناءً. ففي الأماكن الأخرى يظل مستوى الحياة المادية ومستوى التربية مترابطين في غالب الأحيان. فنسبة الأهالي الراشدين الذين وصلوا إلى التعليم الثانوي تصل إلى 100 % في البلدان الشمالية مثل كندا أو فنلندا، أما في البلدان التي يتدنى مستوى التنمية البشرية فيها، فإن معدّلات الأهالي الذين يصلون إلى التعليم الثانوي تهبط إلى متوسّط يبلغ 21 %، وفي بعض البلدان الفقيرة مثل بوركينا فاسو، لا تتجاوز نسبة الذين تعدوا التعليم الابتدائي 2%، أما التعليم العالي، فإنه يظل امتيازاً من امتيازات البلدان الأغنى: ففي نهاية سنوات 2000، كان معدّل الواصلين إلى التعليم العالي 67 % في البلدان النامية، و 17 % في البلدان السائرة في طريق النموّ. وعلى هذا، فإن الفرد من سكان البلدان الأغنى يملك في المتوسط فرصاً في الوصول إلى الدراسات العليا تزيد ب4 أضعاف على فرص الساكن في أحد البلدان السائرة في طريق النمو. وفيات الأطفال أحد المحركات الرئيسية للاّمساواة الدولية هو وفيات الأطفال، فمعدل وفيات الأطفال الذين هم تحت سن 5 سنوات، يصل إلى 257 بالألف في أفغانستان، أو 262 بالألف في سيراليون، وهو يعني أن طفلاً من كل 4 أطفال لا يصل إلى سن ال5 من العمر في هذين البلدين، وفي فرنسا يصل معدل وفيات الأطفال إلى 0.04%، ما يعني ولادة واحدة من كل 250، وعلى هذا، فإن احتمال أن يواجه طفلٌ مولود في أفغانستان أو في سيراليون الوفاة قبل سن الخامسة، هو احتمال أعلى ب60 ضعفاً من ذاك الذي يواجهه طفلٌ يولد في فرنسا. ولا بد من التوضيح، استكمالاً لهذه البانوراما، بأن هذه اللامساواة الدولية في ميدان الصحة، تُستعاد في داخل البلاد وتتكرر، وهذه المرة بين الأفراد، إذ يتبين أن ليست المداخيل وحدها، وإنما شروط الحياة والعمل وأوضاعهما، هي التي تصبح العناصر المحددة الحاسمة في الّلامساواة. طفل من كل أربعة لا يصل سن الخامسة في أفغانستان وسيراليون في عام 2009 نشرت لجنة تقرير قياس الأداء الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، والتي يطلق عليها اسم «لجنة ستيغلتز» تقريراً أكد أن الناتج المحلي الإجمالي ليس مؤشراً كافياً لقياس التقدم ونمو المجتمعات الإنسانية، وخلال السنوات التي مرت، جرى اقتراح مبادرات عدة من أجل قياس ثروة الأمم على نحو مختلف، وكان أشهرها مؤشر التنمية الإنسانية الذي يستند إلى مبدأ بسيط هو أن التنمية البشرية تتبع لقدرة الأفراد على الانعتاق والتفتح وترتهن لها، وهذه القدرة لا ترتبط فقط بمستوى معيشة مادي لائق فحسب، بل بصحة جيدة وقدرة على الوصول إلى المعارف وتحصيلها. وعلى هذا فاللامساواة في ميدان الصحة تتراصف مع اللامساواة الاقتصادية وتُضاف إليها، فالوصول إلى الماء وإلى التغذية، والنزاعات وشروط العمل والسكن، والشروط الصحية، ومعها بالطبع إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية هي عناصر حاسمة، وحتى لو كان وضع البلدان الفقيرة يميل إلى التحسن تدريجياً، فإن الفجوة التي تفصل الشمال عن الجنوب والتي ينبغي طمرها وتجاوزها، لا تزال على العكس من ذلك عميقة وهائلة، فمن الملاحظ على سبيل المثال أن الفارق في الأمل في الحياة لايزال يفوق 38 سنة تفصل بين طرفي التصنيف العالمي: اليابان وسيراليون، فالفارق بين البلدان ال15 الأفضل حالاً والبلدان ال15 التي تحل كبلدان أخيرة في التصنيف هو 30 سنة، وأخيراً فإن ال49 بلداً التي تملك وفقاً للأمم المتحدة مستوى عالياً جداً من التنمية البشرية، تفوق إمكانية مدة الحياة فيها ال43 بلداً التي تملك مستوى تنمية بشرية ضعيفاً، بما متوسطه 21 سنة.