اعتبرت الخرطوم، أمس، صدور مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس عمر البشير بمثابة إعلان حرب، مؤكدة أنها لم تتلق من المحكمة أو أي عضو فيها ما يفيد بصدور قرار في شأن طلب مدعيها العام لويس مورينو أوكامبو توقيف البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وابادة في دارفور، وذكرت أن المساعي العربية والافريقية لتعليق تحركات المحكمة عبر مجلس الأمن لم تصل إلى طريق مسدود. وقال مسؤول رئاسي سوداني ل"الحياة"إن التسريبات الصحافية عن صدور قرار من المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف البشير تبدو مقصودة لتهيئة الرأي العام لاستقبال قرار المحكمة المنتظر، كما أن تزامن ذلك مع استمرار محادثات الدوحة بين الحكومة و"حركة العدل والمساواة"يحمل إشارات متناقضة، فمن جهة يوجّه رسالة سلبية إلى المتمردين تدعوهم إلى عدم التعامل مع البشير، أو أنها لممارسة ضغوط على وفد الحكومة المفاوض لتسريع عملية السلام. واستبعد السفير السوداني لدى الأممالمتحدة عبدالمحمود عبدالحليم في تصريح نقلته وكالة الأنباء السودانية الرسمية أي تعاون مع المحكمة الدولية، وقال"إن هذه إهانة للبلد ولصورة الأمة. إنه شيء غير مقبول، وهناك شعور بالإهانة عبر البلاد". وأضاف:"من يريد أن يسألنا عن هذا الأمر وأن يتأكد من أننا سنسلّم رئيسنا، سنعتبر ذلك عملاً معادياً وإعلانا للحرب"، وجدد وصف المحكمة بأنها مسيّسة، مشيراً إلى أن بلاده لن تعترف بأي أمر تصدره ولن تتعاون معها. وعن الإجراء المتوقع في حال صدور مذكرة اعتقال بحق البشير، قال عبدالحليم:"أوضحنا لهم أنكم إذا كنتم تتوهمون اعتقال رئيس الجمهورية ورمز سيادة البلاد فإنه ينبغي أن تعتقلوا أربعين مليوناً من السودانيين". وزاد:"إذا كان لهذا القرار أي فوائد فإنه قد وحّد الشعب تماماً خلف القيادة السودانية". وذكر عبدالحليم"انه لن يعني شيئاً بالنسبة إلينا ولا يستحق الحبر الذي كُتب به... لن نهتز أبداً لهذه المحاولة الإجرامية لتلويث حياتنا السياسية وتخريب جهودنا للتنمية والسلام". وفي الفاشر، كبرى مدن دارفور، تظاهر مئات الشباب دعماً للبشير في موكب انطلق من وسط المدينة إلى مقر البعثة الأممية - الافريقية المشتركة"يوناميد"، وسُلّمت رسالة إلى البعثة تطالب بتوقيف أي تحرك لتوقيف البشير. وفي خطوة يبدو أنها احترازية، بعثت السفارة الأميركية في الخرطوم برسائل عبر الهواتف الجوالة لاختبار نظام الاتصال بالرعايا الأميركيين في السودان عند حدوث أي طارئ. وتدعو الرسالة الرعايا الأميركيين في السودان الذين يطلبون مساعدات طارئة إلى الاتصال بالسفارة الأميركية في أي وقت والتحدث مع المسؤول المناوب في السفارة، وإن في امكان الذين يطلبون مساعدات اضطرارية الحصول على ذلك من مكتب القنصل من دون مواعيد مسبقة. وطالبت السفارة الرعايا الأميركيين في السودان بتسجيل أسمائهم لديها حتى يسهل الاتصال بهم عند الطوارئ. وفي لاهاي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بياناً قالت فيه إنها"ترغب في إبلاغ وسائل الإعلام أن أي أمر بالقبض لم يصدر ضد الرئيس السوداني عمر البشير. لم يتخذ قضاة الدائرة التمهيدية الأولى حتى الآن قراراً يبت الطلب الذي قدمه المدعي العام في 14 تموز يوليو 2008 لإصدار أمر القبض هذا. وسيتم الإعلان عن قرار الدائرة التمهيدية، لدى اتخاذه، بالأسلوب الرسمي من خلال إصدار بيان صحافي ونشر القرار على موقع المحكمة على الانترنت". وكانت مصادر وثيقة الصلة أبلغت"الحياة"في نيويورك، أول من أمس، أن المحكمة الجنائية اتخذت قراراً بالمصادقة على القرار الظني للمدعي العام أوكامبو، وستصدر قراراً بتوقيف الرئيس البشير. وأكدت المصادر أن القضاة الثلاثة توافقت آراؤهم على المصادقة على القرار الظني القاضي باعتقال الرئيس السوداني، والزام الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية بتنفيذ أوامر الاعتقال. وأوضحت أنه بسبب عدم توافق القضاة الثلاثة على تهمة أوكامبو للبشير بارتكاب جريمة"ابادة جماعية"، فقد أُسقطت هذه التهمة من القرار الظني. وتابعت المصادر أن أحد القضاة أراد إثبات تلك التهمة ضد الرئيس السوداني، لكن التُهمة أُسقطت في النهاية. وقالت إن القضاة الثلاثة من غانا والبرازيل ولاتفيا، وأن إعلان القرار الرسمي سيصدر لاحقاً وربما في حدود 20 الشهر الجاري، بعد اتخاذ الاجراءات الضرورية القانونية المعنية بإبلاغ مجلس الأمن بالقرار. ويُذكر في هذا الإطار أن مجلس الأمن هو الذي كلّف المحكمة الجنائية التحقيق في جرائم دارفور، وأن قرار المحكمة سيكون ملزماً للسودان بسبب صدوره بموجب توكيل من مجلس الأمن طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، على رغم أن السودان لم يصادق على اتفاقية روما التي أُنشئت بموجبها المحكمة الجنائية وليس عضواً في هذه المحكمة. وتخوّفت أوساط دولية من اندلاع أعمال عنف في شوارع السودان، إما تلقائياً أو بتحريض من أطراف في الحكومة السودانية، مشيرة إلى أن هذه المخاوف هي جزء من السبب الذي يؤخر إعلان قرار قضاة المحكمة الجنائية والذي تم التوصل إليه في الأيام الثلاثة الماضية. ونقلت وكالة أسوشيتد برس من واشنطن عن مسؤول أميركي بارز أن إدارة الرئيس باراك أوباما تتوقع صدور مذكرة توقيف في حق البشير"قبل نهاية الشهر". وأكدت صحيفة"نيويورك تايمز"نقلاً عن محامين وديبلوماسيين أن القضاة قرروا إصدار مذكرة الاعتقال. وحذرت رويترز الصين والجامعة العربية والاتحاد الافريقي من أن اصدار لائحة اتهام بحق البشير قد يؤدي الى زعزعة استقرار المنطقة ويزيد من تفاقم الصراع في دارفور ويهدد اتفاق السلام بين شمال السودان وجنوبه الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي. ويحاول ديبلوماسيون من الجهات الثلاث حشد الدعم لإرجاء قرار المحكمة لمدة عام، وهو الأمر الذي يقع في نطاق سلطة مجلس الأمن الدولي. وقالت جيانج يو الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية في مؤتمر صحافي روتيني:"موقفنا الراسخ هو أننا نتمنى أن تساعد قرارات المحكمة الجنائية الدولية في استقرار السودان والحل الملائم لمشكلة دارفور". وقال نور الدين المازني وهو ناطق باسم قوة حفظ السلام المشتركة في دارفور ان القوة لم تخطر بأمر مذكرة التوقيف في حق البشير. وأضاف أن القوة لديها تفويض منفصل ومحدد لإحلال السلام في دارفور وأنه لا علاقة لها بالمحكمة الجنائية الدولية. وحذّر بعض المحللين الدوليين من أن السفارات الغربية ستعيش حالة من الفراغ الديبلوماسي إذا صدرت مذكرة اعتقال بحق البشير، لأنها لن تعرف كيف تدير العلاقات مع رئيس مطلوب للعدالة. نشر في العدد: 16751 ت.م: 13-02-2009 ص: 11 ط: الرياض