تستضيف"غاليري ساتشي"في لندن معرضاً تشكيلياً لتسعة عشر فناناً وفنانة من الشرق الأوسط يمثلون مدارس مختلفة يجمع بينها التوجه المعاصر لمنطقة تشهد حالياً حراكاً سياسياً واجتماعياً واسعاً لا بد من أن يتمظهر في النواحي الفنية المتنوعة. وكانت الغاليري نظمت قبل مدة معرضاً لعدد من الفنانين الصينيين الشباب. ويأتي معرض"الفن الجديد عن الشرق الأوسط"ليواصل مهمة تقديم المدارس الجديدة للجمهور الغربي، توازياً مع اهتمام دور المزادات العالمية أمثال سوذبي وكريستي وبونهام بالأعمال الآتية من الشرق الأوسط. الفنان اللبناني مروان رشماوي يقدم عملين في هذا المعرض، أحدهما"بيروت كاوتشوك"يلفت في دقة تنفيذه والمعاني الاجتماعية التي يحملها. العمل الفني هذا عبارة عن قطعة مسطحة من الكاوتشوك على شكل خريطة مدينة بيروت في تفاصيل شوارعها ومعالمها الأساسية. ويقول ريشاوي ان هذا العمل هو رسالة حب لبيروت التي أمضى ساعات طويلة في أنحائها يتأمل ملامحها التي لا يمكن ان تختزلها خريطة ما. وهو يعتقد أن من المستحيل تبسيط صورة بيروت واختصارها الى شرقية مسيحية وغربية مسلمة. واستمراراً لموضوع الأمكنة في الانتاج الفني، يقدم الفنان الفلسطيني وفاء حوراني"قلندية 2067"في محاولة لإستشراف مصير مخيم اللاجئين الذي أقيم عام 1967 في أعقاب نكسة حزيران. وقد دمج الفنان في هذا التصميم بين الواقعية الراهنة والخيال العلمي ليضع المتفرج أمام حقائق المأساة الفلسطينية. جدار جامد بارد يفصل المخيم الفلسطيني عن"المناطق"الاسرائيلية. من الجانب الفلسطيني البيوت الموقتة ومنازل الصفيح والأزقة المزدحمة، بينما في الجانب الاسرائيلي الالوان الفاقعة والمستعمرات الطاغية واعلام نجمة داوود في كل مكان. ومن الواضح ان أكثر ما يجذب انتباه المشاهد هو ذلك الجدار الذي غطته المرايا من الناحية الفلسطينية. يقول حوراني انه بعد رحيل كل الاحزاب الفلسطينية في المستقبل البعيد، سيصل الى الحكم"حزب المراية"الذي يعكس استمرار عذابات اللاجئين في واقع لا يتغير كثيراً. واللافت ان عمل حوراني حظي باهتمام خاص من الحضور في حفل الافتتاح، ولعل ذلك يأتي من طغيان أخبار قطاع غزة في هذه الفترة. ومع ذلك كان الفنان الفلسطيني حريصاً على ان ينظر الحضور الى نتاجه الفني بوصفه عملاً من الخيال العلمي ذي الابعاد السياسية الراهنة. ومن الفنانين الآخرين المشاركين في المعرض: ديانا الحديد سورية، حليم الكريم العراق، نادية عياري تونس، علي بني صدر ايران، شيرين فخيم ايران، رمين خيرزاده ايران، روكني خيرزاده ايران، هافي قهرمان العراق، جعفر خالدي لبنان، تالة مدني ايران، أحمد مرشدلو ايران. ولا بد في النهاية من الإشارة الى انه خلال السنوات الثلاث الماضية بات من الواضح للمهتمين بالشؤون الفنية في بريطانيا ان الحضور الشرق أوسطي أصبح ملحوظاً. وما مبادرة"غاليري ساتشي"إلا خطوة في هذا السياق وإن كان اختيار الأعمال الفنية خاضعاً لاستنسابية خاصة بالمنظمين. والملاحظ الآن ان مسؤولي المعارض الفنية ودور المزادات في بريطانيا ينتقون أعمالاً لفنانين من الشرق الأوسط انطلاقاً من تقدير هؤلاء المسؤولين لمدى تقبل المتفرج الغربي لهم. وكثيراً ما تحظى الأعمال التي تتناول مواضيع خلافية مثل الحجاب والمرأة والعنف بالأولوية. وهكذا فإن لوحات روكني خيرزاده على سبيل المثل، وان كانت جميلة ومشغولة بتقنية عالية، إلا أنها تقارب الفن الاستشراقي الذي ينظر الى المرأة بوصفها عنصراً مضطهداً... وهي النظرة المسبقة التي يحملها الغرب عن العالم العربي. لكن هذا لا يعني ان"غاليري ساتشي"تعتمد اللجوء الى الكليشيهات الاستشراقية، ذلك ان أعمال ديانا الحديد وحليم كريم مثلاً تقدم رؤى شخصية متميزة تعبر فعلاً عن نظرة مختلفة الى الذات والى الآخرين. لكن التوجه العام في سوق الفن الغربي، في تعامله مع الفنانين الشرق أوسطيين، هو اللجوء الى المواضيع المثيرة من أجل جذب المشاهدين!