يزداد اهتمام البريطانيين بالفن المعاصر في الشرق الأوسط، ويذكر تقرير لموقع"آرت تاكتيك"على الانترنت ان قيمة الأعمال الفنية العربية والايرانية في المزادات البريطانية ارتفعت من مليون جنيه استرليني في 2006 الى 17 مليوناً حتى الآن، وان معدل الأسعار زاد 260 في المئة في الفترة نفسها. تشارلز ساتشي، العراقي اليهودي الذي هاجر طفلاً الى بريطانيا وروج لما يسمى"بريت آرت"في التسعينات، يهيّئ معرضاً بعد سنتين لفنانين ايرانيين وعرب اشترى أعمالاً منهم مباشرة أو من معارض في نيويورك ودبي. وفي حين يصور الفنانون العراقيون مآسي الحروب في بلادهم يتحدى بعض زملائهم الايرانيين الممنوعات ويرسمون العري صريحاً. على أنهم لا يستطيعون عرض لوحاتهم المتمردة الا بتدبير سري وخاص كما يفعل الأخوان ركني ورمين حائرزادة اللذان يعيشان في ايران."بعض الفن الشرق أوسطي طريف، وبعضه يثير الرعب، وأفضله حاد كمبضع الجراح"يقول ساتشي الذي اشترى أعمالاً لأحمد السوداني وحليم الكريم اللذين هرباً من قمع نظام صدام حسين الى أميركا. ومن الفنانين الذين يشتركون في معرض ساتشي اللبناني جعفر الخالدي الذي هاجر الى أميركا خلال الحرب، وطعّم الصور الشعبية في لوحاته بالدلالات السياسية. شحذ الهجوم على مركز التجارة العالمي في أيلول2001 فضول الغرب إزاء الثقافة الاسلامية، وقدمت زيادة أسعار النفط الفرصة لبناء مزيد من المتاحف والغاليريات في الدوحة وأبو ظبي ودبي بدعم رسمي. أحدث معرضين شرق أوسطيين نظمتهما غاليري"ووترهاوس أند دود"في كورك ستريت، لندن، بعنوان"دروب"و"ملتقيات"وهما يستمران حتى 25 تشرين الأول أكتوبر. عشرة فنانين ايرانيين وخمسة عرب معظمهم نساء في"دروب"يلتقون في المرجعية الدينية والتركيز على وضع المرأة في اذعانها وتمردها، وكلا الموضوعين يلفت الأوروبيين الذين يتراوح مفهومهم للشرق بين مقولة الكاتب رديارد كبلنغ ان الشرق والغرب"لن يلتقيا أبداً"والرغبة في تحسين المعرفة به خصوصاً بعد الهجوم على برجي التجارة في نيويورك. الكويتية حمرة عباس التي تعيش في اسلام أباد تعرض في"دروب"صحوناً من ورق أبيض قصته لتحصل على أشكال تراثية وعلّقتها على عمود قوي الإنارة. كلمة"تفضل"المتكررة على الورق أكدت أهمية الطعام في الحضارة العربية ونفتها معاً في صحون ممتلئة بفراغها. هجاؤها الاجتماعي يتلازم مع التمسك بالجمالية في الأشكال المنمنمة الشبيهة بالدانتيل ونور قمة العمود الساطع. يصف المغربي نجا مهداوي نفسه ب"مستكشف الاشارات"ويلقب بمصمم الحروف. يكتب هذه صغيرة في خطوط منحرفة يشكلها مربعات وأعمدة ومثلثات، أو يجمعها كبيرة وسط عاصفة من الخطوط الدقيقة ليصنع مشهده الشديد الحيوية والحركة. يتجنب وسائر زملائه كتابة نص مفهوم لئلا لا يشترك المعنى في العمل ويسرق من التشكيل الهندسي، ويدخل الألوان القوية باقتصاد يعزز التعارض مع اللونين الأساسييين ويبرز محور اللوحة. تستخدم السورية ليلى مريود المجوهرات غير المتسقة التي تصممها بنفسها قناعاً يخفي هوية النساء ويبرز صورة رجالهن الاجتماعية. في صورها الفوتوغرافية المركبة من عناصر عدة تتمدد المرأة لتنساب مع الأرض وتتحد معها، أو تنعكس شكلاً غير منسجم في مرآة تظهر ثدياً عارياً وتخفي الوجه خلف قناع من المجوهرات. يد المرأة احدى وسائل تعبيرها ضمدت بشريط، ووجهها أسود وصدرها المكشوف يرسخها موضوعاً جنسياً وهي جريحة مقموعة. أين الحقيقة؟ ما نراه أو ما نغفل عنه؟ تعتمد الفلسطينية ليلى الشوا الصور الفوتوغرافية بالأسود والأبيض وكتل اللون والخط لتحكي معاناة شعبها الطويلة. تصور رسائل الفلسطينيين على الجدار الفاصل وسيلة اتصال تنمو باطراد بينهم، وتلقي الفنانة ضوءاً أزرق على صورة الجدار والمنفذ فيه لتضيء الممر الى الحرية وثبات القمع ليل نهار. في"عشرون هدفاً"تتكرر صورة واحدة لطفل وسط دائرة حمراء ايحاء بتكرار قتل الأطفال وبغية العثور على نظام ما وسط الفوضى المتصلة الموجعة. تكرر وجدان، سفيرة الأردن في ايطاليا، اللوحة الصوفية نفسها"أنت أنا"بألوان مضيئة مختلفة وخطوط تتسع وتضيق لتوحي الاحتواء وتصاعد الشعور وحركته حول كلمات كتبت على ما يشبه اللوح. هل هي نص ديني أو وصايا أو رؤية العاشق المتصوف في طريقه الى الحلول في المعشوق والتجلي فيه؟ في وقت ينبع الخط من التراث العربي والاسلامي يقدم حرية لامتناهية للابداع الذي يفتن الغربيين، ترى الفنانة فيه خيطاً يصل الماضي بالحاضر. يستمر معرض"ملتقيات"للفنانة المغربية للا السعيدي بين 13 و 25 تشرين الأول أكتوبر الجاري ويضم صوراً فوتوغرافية لنساء رسمت وجوههن والجدارخلفهن والقماش تحتهن بالحنة في عملية مضنية تستمر ستة أشهر. تتشقق الحنة عندما تجف فتعيد السعيدي رسمها وترى الخط تعبيرياً لا يتطلب الفصل بين الصورة والنص كما في الفن الغربي. تعيش في نيويورك وتعمل مع مهاجرات مغربيات واجهن المنفى بالعودة الى التراث وسيلة"لاعادة التفاوض مع هويتهن". تتصل الكلمات المكتوبة على وجوه النساء بالنص على الجدران والأرض كأنهن جزء منه دلالة الى القيود الفيزيقية والنفسية المفروضة في عالمهن المحدود. وثمة بعد استشراقي تلصصي على حيز داخلي ممنوع على الرجال والغرباء، يظهر خصوصاً عندما تصور السعيدي جليساتها من خلف. وعلى رغم كمية الكلمات الهائلة المحيطة بالنساء يسود في الصور سكون وإذعان لمصير موروث. وتشارك الشابات أحياناً في لف الشرنقة حول أنفسهن بالمشاركة في الكتابة على القماش كأنهن يُحضّرن أكفانهن. على أن السعيدي تحرك أعمالها أحياناً بترتيب وضع الجليسات وحركة أيديهن أو بوقوف احداهن لفتح الستارة بينما رفيقاتها جالسات صامتات. العيون وحدها تقول سأمها وشكواها وتعبها واستسلامها في مناخ الأقمشة والكلمات الذي يبلغ حد الرومنطيقية والبذخ في صورة الشابة المستلقية بين الوسائد والستائر والكلمات... الكلمات الكلمات.