نقص التغذية عند كبار السن شائع بسبب التغيرات الفيزيولوجية والوظيفية التي تطرأ على أعضاء الجسم، خصوصاً جهاز الهضم ويتباين توقيت حدوثها ودرجتها من شخص مسن إلى آخر، وينتج عن هذه التغيرات جملة من المضاعفات التي تعرقل، في شكل أو في آخر، عملية الإفادة من الأغذية المختلفة، وتتمثل في صعوبة مضغ الطعام وبلعه وهضمه وامتصاصه وامتثاله. لقد بينت التحريات السريرية التي أجريت على كبار السن أنهم لا يحصلون على ما يكفيهم من العناصر الغذائية الموصى بها، وفي حال عدم معالجة النقص في الوقت المناسب فإنه قد يسبب اضطرابات عقلية وجسدية، وربما يؤدي الى الموت. وأوضحت الأبحاث أن كبار السن أكثر عرضة من غيرهم لنقص بعض العناصر الغذائية، خصوصاً على صعيد المعادن والفيتامينات وأهمها: معدن الحديد الذي تشير الدراسات إلى أن فقر الدم بنقص الحديد منتشر بكثرة بين المتقدمين في السن، وتدني نسبة هذا المعدن تؤدي إلى تدهور مستوى خضاب الدم الهيموغلوبين، ولفتت بحوث الى أن فقر الدم بنقص الحديد يساهم في ارتفاع نسبة الوفيات لدى كبار السن. ويعتبر شح الحديد في الطعام، أو الاعتماد على أكل الخضروات والفواكه من دون اللحم سببين لفقر الدم لدى كبار السن. ويعاني المصاب بفقر الدم بسبب نقص الحديد من عوارض شتى، مثل التعب والإرهاق، وقلة التركيز، واصفرار الجلد والعينين، وشحوب الوجه، وزيادة ضربات القلب، وانخفاض الضغط الشرياني، وضيق النفس أثناء القيام بالجهد العضلي، وقد يظهر لدى بعضهم عارض غريب هو الرغبة في تناول مواد غير الأكل مثل الورق والتراب والعشب والثلج. ويمكن أن يقود نقص الحديد المزمن إلى متاعب ذهنية على صعيد التفكير والذاكرة، وإلى خلل يطرأ على وظيفة الجهاز المناعي. إن الجسم يفقد الحديد يومياً، لذا لا بد من تعويض الكمية المفقودة، ومن أهم مصادر الحديد الأغذية الآتية: اللحوم والدجاج والأسماك ومنتجات البحر والفواكه المجففة والبقول. وطبعاً من الضروري تناول الخضروات والفواكه الغنية بالفيتامين سي للمساعدة على امتصاص الحديد من الأمعاء. ولا يغرب عن البال العمل على تغيير أسلوب تناول الطعام بحيث يجب شرب الشاي بعيداً من الوجبة، أو بتناول الأغذية الغنية بالكالسيوم أو بالنخالة أو بالنشاء بعد ساعة أو ساعتين على استهلاك الطعام لأنها تعرقل امتصاص الحديد من قبل الأمعاء الدقيقة. نقص معدن الكالسيوم. كما هو معروف فإن الكالسيوم مهم جداً لبناء الثروة العظمية، وفي حال نقص الوارد من هذا المعدن، فإنه مع مرور الوقت يعمل على تدمير الأسنان والعظام، وهناك علاقة قوية بين نقص الكالسيوم ومرض هشاشة العظام، والأخير مرض صامت يبدأ خفية ولا يسبب الألم، وكثيراً ما يكشف عنه بالصدفة أو بعد حصول مضاعفاته خصوصاً الكسور في الورك والعمود الفقري، التي غالباً ما تكون العارض الأول للمرض، وما يزيد الطين بلة هو أن كبار السن يميلون بطبعهم إلى قلة الحركة ما يزيد من خطورة الإصابة بمرض الهشاشة. وخير سبيل لتفادي نقص الكالسيوم، وبالتالي المضاعفات المترتبة عنه، تأمين الحاجة اليومية منه والتي تقدر بما بين 1000 إلى 1200 ملغ. ويعتبر الحليب ومشتقاته من أهم مصادر الكلس. نقص الفيتامين د. إن الفيتامين د ومعدن الكالسيوم يعملان سوياً على تعمير الثروة العظمية، ويساعد الفيتامين د على امتصاص الكالسيوم من الأمعاء ويسهل عملية فرشه في العظام. وهناك دلائل عدة أفادت بوجود رابط ما بين نقص الفيتامين د وحدوث كسر الورك عند الشيوخ. إن نمط الحياة الذي يعيشه الشيوخ ساهم في الحد من واردات الفيتامين د من مصادره الغذائية، خصوصاً أن هذه الأخيرة ليست بالكثيرة كالسمك وبيض الدجاج وزيت كبد الحوت. إن ضوء الشمس يساعد على صنع الفيتامين د في الجلد من هنا أهمية التعرض له من أجل نيل الجسم ما يسد حاجته من هذا الفيتامين، والشيوخ يحتاجون إلى التعرض لضوء الشمس لفترات أطول من غيرهم نظراً الى التغيرات الطبيعية الحاصلة في الجلد بسبب الشيخوخة والتي تساهم في الحد من صنع الفيتامين. وإذا أخذنا بنتائج الدراسة التي أجرتها كلية طب وارويك البريطانية بالتعاون مع معهد العلوم البيولوجية الصيني، ونشرت أخيراً في مجلة الداء السكري، فإن افتقار الجسم إلى صنع الفيتامين د من طريق الجلد يمكن أن يعرضه لجملة من المطبات الصحية مثل هشاشة العظام، وضعف العضلات، والمتلازمة الاستقلابية التي تفتح الباب أمام خطر تعرض الجسم لإصابات مثل الداء السكري وأمراض القلب الوعائية. نقص الفيتامينات أ. و يظهر نقص هذا الفيتامين بشدة نتيجة كثرة استعمال المسنين الملينات التي تسحب معها الفيتامينات الذائبة في الدهون ومن ضمنها الفيتامين أ. نقص الفيتامين ب12، الذي يعتبر مشكلة صحية عامة خصوصاً عند المتقدمين في السن الذين لا يتناولون كميات منوعة ومتوازنة من الطعام. يوجد الفيتامين ب12 في الأكل الحيواني، لكنه يتحرر منه حالما يصل الى مشارف المعدة تحت تأثير حامض كلور الماء، غير أن الجسم لا يستطيع امتصاصه بسبب كبر جزيئته، ومن أجل التغلب على هذه العقبة يفرز جدار المعدة العامل الداخلي الذي يتحد مع الفيتامين ب12 ومن ثم ينحدرا معاً إلى الأمعاء الدقيقة حيث يتم امتصاصه بسهولة. ومع توغل الشخص في خريف العمر يتراجع إفراز ما يعرف بالعامل الداخلي الذي تطرحه بطانة المعدة والذي يعتبر وجوده أساسياً من أجل ربط الفيتامين ب12 وامتصاصه. والفيتامين ب12 لذمهم لصحة الجهاز العصبي ويشارك في إنتاج كريات الدم الحمر لهذا يسبب نقصه فقر الدم. وتعتبر المصادر الحيوانية الوحيدة التي تزود الجسم بالفيتامين د مثل اللحوم والبيض والحليب ومشتقاته. نقص الفيتامين ب6. إن الفيتامين ب6 ضروري لصنع الناقلات العصبية، خصوصاً السيروتونين، وتدل التحريات إلى أن نقصه قد تكون له علاقة ببعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والفصام. نقص حامض الفوليك، ويشاهد بكثرة عند كبار السن لنقص الواردات الغذائية الغنية به مثل الكبد والخضروات الورقية الخضراء والحبوب الكاملة. ويلعب الطهو المديد للأكل دوراً في تحطيم هذا الفيتامين، كما أن تجميد الأغذية يساهم في الإطاحة بقسم كبير منه. ويتسبب نقص حامض الفوليك في فقر دم شبيه بذاك الذي يسببه نقص الفيتامين ب12. ومن باب التذكير، فإن نقص الفيتامينات ب6، حامض الفوليك، الفيتامين ب12، في الجسم يؤدي إلى زيادة مادة الهيموسيستيئين التي أثيرت حولها الشبهات في أنها تسبب اختلالات وعائية تقف وراء الأزمات القلبية والدماغية.