سجّل عام 2009 بدايةً متفائلة نوعاً ما لأسواق المال العالمية، فعرفت أسعار الأسهم في البورصات العالمية، انتعاشاً وسط آمال المستثمرين بأن يكون العام مشرقاً بعد أن واجهت الأسواق سنةً رهيبةً في 2008 جراء الأزمة المالية، منيت خلالها بخسائر فادحة. وإلى أسواق المال حققت أسعار برميل النفط تقدماً نحو 50 دولاراً. ولعلّ هذا التحسن الخجول في البورصات والنفط، يعود إلى الجهود الدولية المكثفة التي بذلت خلال الأشهر الأربعة الماضية، إلى جانب بروز مسؤولية جماعية من اجل مواجهة تداعيات أزمة المال والركود الاقتصادي العالميين، ولا تزال متواصلة حتى يومنا بإجراءات متنوعة. ونأمل في أن يشهد الربع الأول من العام الحالي، ترجمة ولو بسيطة لتلك الجهود، بخاصة إذا بادرت المؤسسات والمصارف والشركات الكبرى، لتكون أكثر شفافية في الإعلان عن نتائجها المالية للسنة الماضية، وأن تظهر حقيقة أوضاعها وبرامجها خلال العام الحالي، من أجل أن تتعامل مع الأوضاع سلباً أو إيجاباً، فنحن لا زلنا نعتقد بأن الأسواق في حاجة إلى استعادة الثقة، كحجر للزاوية في جهود التعافي في تعاملاتها. ويتطلّع القطاع الخاص العربي، يتقدمه اتحاد المصارف العربية، إلى قمة الكويت الاقتصادية التي تعقد خلال الشهر الجاري، كونها توفر أرضية العمل الاقتصادي المشترك لبقية العام. وبقدر ما تنجح القمة في التعامل مع القضايا الاقتصادية العربية الكبرى من تطوير وبرامج التنمية المستدامة وإصلاحها، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين، والتكامل الاقتصادي العربي بما فيه منطقة التجارة الكبرى وتحرير قطاع الخدمات، وقضايا الاستثمار البيني والمشاريع المشتركة وشفافية الأسواق والتشريعات وتبسيطها وغيرها من المواضيع المهمة للقطاع الخاص العربي، بقدر ما تسهم الدول العربية في الجهود العالمية الهادفة إلى التصدي للركود الاقتصادي من جهة وفتح الأبواب أمام نشوء تكتل اقتصادي عربي ضخم قادر على التأثير في الاقتصاد العالمي، والاستفادة قدر الإمكان مما تتيحه اتجاهات العولمة والانفتاح الاقتصادي العالمي من مزايا المنافسة والتكتلات الاقتصادية. ولنا ملء الثقة في أن القطاع المصرفي العربي بات يمثل قوة مالية واقتصادية متينة ومتنامية، بحيث تشير التوقعات إلى نموه بنحو 30في المئة خلال 2008 ليبلغ مجموع الموجودات المصرفية العربية نحو 3 تريليون دولار، ويتوقع أن تنمو أرباح المصارف العربية 20 في المئة لتبلغ نحو 36 بليون دولار. وبناء عليه يفترض في المصارف العربية، أن تستثمر ما تمتلك من مكامن القوة، لتلبي حاجة البلدان العربية الماسة إلى التنمية والتكامل، بخاصة في ظل الأوضاع الراهنة، من أجل تنمية الثروة العربية وتوطينها على الأرض العربية، مع بذل جهود خاصة في تنمية المشروعات المشتركة في المجالات كافة، بخاصة المشاريع الزراعية والطاقة المتجددة وتحلية المياه وتوطين التكنولوجيات الخاصة بالمنطقة.? وكما هو الحال مع الأسواق العالمية، فإن المصارف العربية مدعوة لأن تتعامل بشفافية أكبر بهدف استرجاع الثقة بين مؤسسات المال في المنطقة العربية وبينها وبين المستثمرين، وزيادة التعاملات والتوظيفات"البين مصرفية"، كون التشدد الراهن غير مبرر، إذ أدى هذا التشدد، وإلغاء خطوط الائتمان أو خفضها، في مصارف عربية، إلى إشاعة نوع من التأثير النفسي السلبي واهتزاز الثقة لدى المستثمرين، ما انعكس سلباً على الأسواق والبورصات العربية التي شهدت انحداراً كبيراً غير منطقي فاق حتى نسبة هبوط"داو جونز"ومؤشرات البورصات الأوروبية والآسيوية الكبرى في 2008. ويُعتبر التشدد غير منطقي أو مبرراً، نظراً إلى الجهود التي بذلتها المصارف المركزية لتهدئة الأسواق وطمأنتها لناحية السيولة أو دعمها. فالمصارف العربية مدعوّة إلى النظر في الجوانب الإيجابية الكثيرة المتاحة لديها، والتي كوّنتها مسيرة العمل المصرفي العربي، التي كانت في منأى عن الكوارث والعواصف المصرفية العالمية المعروفة، نتيجة للسياسات الاستثمارية والمصرفية السليمة، ونتيجة أيضاً، وهو سبب هام للغاية لتركيز المصارف استثماراتها على أسواقها العربية. ونرى اليوم أن هذه الأسواق باتت أكثر اتساعاً وجاذبيةً نظراً إلى تطوير البنية التشريعية للاستثمار في الدول العربية، ونظراً لانفتاح الأسواق، وتنافس الدول على استقطاب الاستثمارات الخارجية. لذلك، فإن المصارف العربية مدعوة لتعزز وجودها في أسواقها العربية، ليس لأن ذلك واجب قومي عليها، ويحقق لها عوائد جيدة، بل لأنه يخفف من تعرضها لما تشهده الأسواق والاقتصادات العالمية من تقلبات حادة بين فترة وأخرى. * رئيس اتحاد المصارف العربية