واجهت قوات الاحتلال الإسرائيلي"مقاومة عنيفة"على الأرض في أول أيام العملية البرية في غزة، تاسع أيام حربها على القطاع، ما أسفر عن مقتل"عدد من الجنود"، بحسب فصائل المقاومة، لكن الجيش الإسرائيلي لم يعترف سوى بمقتل واحد من جنوده، وإن أقر بإصابة أكثر من 30 آخرين. ووقع أعنف المواجهات عند محاور التماس وخطوط المواجهة التي رسمها الاجتياح في شمال القطاع وشرقه، وجنوب مدينة غزة. وسقط أكثر من 50 شهيداً منذ بدء الهجوم البري ليل السبت - الأحد، عندما شرعت قوات الاحتلال في اجتياح شمال القطاع من أربعة محاور، وجنوبه من محور واحد أقصى جنوب شرقي مدينة رفح عند الحدود مع مصر. وشهدت الساعات الأولى من العملية البرية في ليلتها الأولى، وساعات ما قبل بزوغ فجر الأحد قصفاً شديداً، إذ كثفت الطائرات المقاتلة النفاثة من طراز"اف 16"، والمروحيات من نوع"اباتشي"الأميركية الصنع، والدبابات المتوغلة والمدافع المنتشرة على طول الحدود الشرقية والقطع البحرية على شاطئ غزة، ضربها مناطق سكنية مأهولة وغير مأهولة وأراضي زراعية. وسقطت قذيفة أو صاروخ كل 10 ثوان، أي ما يعادل 700 في الساعتين الأوليين للعملية البرية، لكن عند الرابعة من فجر أمس اشتد القصف، فشهدت المناطق المحتلة والقريبة منها سقوط قذيفة أو قذيفتين في الثانية الواحدة. وعمل قطع التيار الكهربائي عن مدينة غزة والمناطق المحتلة شمال القطاع التي يقطنها نحو نصف عدد سكان القطاع الذين يقدرون بمليون ونصف المليون، ضد رغبة إسرائيل التي بثت شريطاً تلفزيونياً صورته قوات الاحتلال يُظهر عشرات الجنود الإسرائيليين وهم يتوغلون في القطاع سيراً على الأقدام لبث الرعب في قلوب الفلسطينيين. ولم يتمكن مئات آلاف الفلسطينيين من مشاهدة تلك الصور أو صور أرتال الدبابات وهي تتقدم في أراضي القطاع. وكانت عشرات الدبابات والآليات العسكرية اجتاحت شمال القطاع من ثلاثة محاور: من بلدة بيت لاهيا التي تحتل الجزء الشمالي الغربي من القطاع، ومن بلدة بيت حانون الزراعية الصغيرة عند الطرف الشمالي الشرقي للقطاع، ومن عزبة عبدربه شرق مخيم جباليا للاجئين الواقع في منطقة بين ميناء غزة والبلدتين. وتقدمت الدبابات من معبر المنطار"كارني"واتجهت غرباً قاطعة طريق صلاح الدين، وصولاً إلى ما كانت يوماً مستوطنة"نتساريم"الخالية من أي سكان، وتجاوزتها متجهة غرباً حتى الشاطئ جنوب غربي مدينة غزة، ما مكنها من عزل هذه المنطقة عن وسط القطاع. وبعد ساعات من القصف المتواصل اجتازت قوات الاحتلال بلدة بيت حانون وتوغلت عميقاً في بلدة بيت لاهيا ووقفت عند أطراف مخيم جباليا وشرق مدينة غزةوجنوب شرقي المدينة، من دون مقاومة شديدة، نظراً إلى أن معظم هذه المناطق خالية أو شبه خالية من السكان، وهي إما زراعية أو صناعية. وبدا لافتاً أن قوات الاحتلال أحضرت معها بيوتاً متنقلة"كرافانات"ووضعتها في"نتساريم"وشرعت في اعتقال عشرات المواطنين واستجوابهم عن مطلقي الصواريخ وأماكن إطلاقها. ورغم"مظلة"الطائرات من مختلف الأنواع، خصوصاً طائرات الاستطلاع من دون طيّار التي تطلق صواريخ مضادة للأفراد، بدت المواجهة الحقيقية والعنيفة مع هذه القوات عند خطوط التماس مع المناطق التي احتلتها قوات الاحتلال فتدخلت الطائرات المروحية فأطلقت الصواريخ والرصاص بكثافة من رشاشاتها لإبعاد المقاتلين عن خطوط التماس. وتحت جنح الظلام الذي لف معظم مناطق القطاع، لم يجد الفلسطينيون الذين حبسوا أنفاسهم ليل السبت - الأحد سوى أقل من نصف قمر يشع بنور ضعيف يؤنس وحشتهم في ظل العدوان الذي أرادته اسرائيل أن يدب الرعب في قلوبهم قبل أن يبدأ. وظلوا طوال ساعات الليل يقظين خائفين يتابعون اجتياح قوات الاحتلال وتحركاتها من خلال عدد من الإذاعات المحلية التي واكبت العدوان من بدايته على مدار الساعة من دون توقف، رغم الخطر الشديد من احتمال قصفها أو استهداف العشرات من مراسليها على الأرض. لكن ما إن بزغت الشمس وسرى الدفء في أجساد الغزيين خارج المناطق المحتلة، حتى بدأت حركة قليلة بطيئة ورتيبة تدب في الشوارع، خصوصاً الفرعية منها في مدينة غزة، كبرى مدن القطاع. وقالت مصادر طبية إن نحو 50 فلسطينياً، جلّهم من المدنيين ومعظمهم من الأطفال والنساء، استشهدوا حتى مساء أمس بنيران قوات الاحتلال منذ بدء الحملة البرية. وقال مدير الإسعاف والطوارئ في غزة الدكتور معاوية حسنين إن عدد الشهداء منذ بدء العدوان على قطاع غزة ارتفع إلى 512 شهيداً، بينما ارتفع عدد الجرحى إلى أكثر من 2400. ومع بداية العدوان البري، استشهد 12 مدنياً في بيت لاهيا، معظمهم من النساء والأطفال. واستشهد محمد عبد بربخ قائد"كتائب المقاومة الوطنية"، الذراع العسكرية ل"الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين"، في حي النهضة شرق مدينة رفح جنوب القطاع مع أربعة من أفراد عائلته إثر استهدافهم بصاروخ من طائرة استطلاع إسرائيلية. وسقط خمسة شهداء على الأقل وجرح نحو 40 في قصف إسرائيلي للمنطقة الغربية لبلدية غزة الواقعة قرب سوق فراس الشعبية وسط المدينة. وأفادت مصادر طبية أن طفلين استشهدا صباح أمس في قصف إسرائيلي استهدفهما داخل منزلهما في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع. وقالت إن الطفلين أصيبا إصابة مباشرة بعد استهدافهما من أعلى سطح منزل عائلتهما. ومساء أمس، استشهد خمسة في غارة استهدفت مسجداً في مخيم جباليا للاجئين. وقال شهود إن غارة إسرائيلية استهدفت ظهراً مقر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في مدينة غزة، ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات في أوساط المارة، فيما شنت الطائرات الاسرائيلية غارة على مدينة خان يونس، ما أوقع عدداً من الاصابات. وعلى الأرض، دار أعنف الاشتباكات في حيي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، والشجاعية شرق المدينة، وشرق مخيم جباليا للاجئين شمال القطاع، حيث أطلق مقاومون من مختلف الفصائل والأجنحة المسلحة عشرات قذائف الهاون، و"آر بي جي"في اتجاه القوات المتوغلة التي اعترفت بمقتل جندي على الأقل شرق جباليا، وبإصابة ثلاثين آخرين، بينهم جنديان جروحهما خطيرة. وفي بلدة بيت حانون، توغلت الدبابات مئات الأمتار وأغلقت الطريق الذي يربط البلدة بمخيم جباليا ومدينة غزة، من دون أن تجتاحها، فيما وصلت إلى منطقة المدرسة الأميركية في جنوب غربي بيت لاهيا. وفي مدينة رفح، توغلت الدبابات في محيط مطار غزة الدولي عند الطرف الجنوبي الشرقي للمدينة وسط إطلاق كثيف للقذائف ونيران الرشاشات الثقيلة، ما أدى إلى استشهاد مقاوم وجرح آخرين. وقصفت الطائرات المقاتلة والمروحيات أكثر من 100 هدف في أنحاء متفرقة في القطاع، بينها منازل وأفراد ومجموعات وطواقم طبية، ما أدى إلى استشهاد مقاومين وثلاثة مسعفين وجرح آخرين، أحدهم بترت ساقه، وتدمير سيارات إسعاف وأنفاق وأراض زراعية ومستودعات"ذخيرة". كما قصفت الطائرات محطة الشمس لتعبئة الغاز في حي الزيتون جنوب مدينة غزة. وشوهدت ألسنة اللهب تتصاعد بقوة إلى ارتفاعات كبيرة من المحطة، وتطايرت قطع معدنية ملتهبة. ويعتقد أن هناك شهداء لا تستطيع سيارات الإسعاف الوصول إليهم في المناطق المحتلة بسبب كثافة إطلاق الصواريخ والنيران من الطائرات المقاتلة، وسيطرة الدبابات وقوات الاحتلال عليها. وتوعدت حركة"حماس"قوات الاحتلال بأن يكون"ثمن التوغل البري باهظاً". وأكد القيادي في الحركة إسماعيل رضوان في مؤتمر صحافي عقده مع الناطق باسمها فوزي برهوم بعد بدء العملية أنها"لن تكون نزهة". وتوعد قوات الاحتلال"بالهزيمة وأن تنكس رؤوسهم في قطاع غزة". وشدد على أن غزة"ستكون مقبرة للغزاة". ورغم الاجتياح البري، واصلت الأجنحة المسلحة لحركات"حماس"و"الجهاد الاسلامي"و"فتح"والجبهتين الشعبية والديموقراطية ولجان المقاومة الشعبية وكتائب المجاهدين إطلاق الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية بعيدة عن القطاع، وعلى القوات المتوغلة. وقالت"سرايا القدس"الذراع العسكرية ل"الجهاد"إنها"دمرت دبابة للعدو"في جنوبغزة بعبوة ناسفة. وأعلنت"كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة"حماس"، إنها أسرت جنديين إسرائيليين، لكن إسرائيل لم تؤكد هذه المعلومات. وأضافت أنها أصابت"مروحية عسكرية صهيونية بمضاداتها الأرضية"، وفجّرت"دبابة ميركافا صهيونية"بقذيفة من طراز"بي 29"تحتوي رأسين متفجرين، أحدهما يخترق الدبابة والثاني ينفجر داخلها. وأشارت إلى أن"مصادر العدو أعلنت إصابة أحد قادة لواء غولاني الصهيوني بانفجار عبوة ناسفة زرعتها"، مشيرة إلى"مقتل خمسة جنود صهاينة وجرح آخرين بعبوة ناسفة شديدة الانفجار"، الأمر الذي لم تؤكده اسرائيل. وأعلنت أنها قصف قاعدة"تسليم"البرية الإسرائيلية بصاروخي"غراد". وقالت في بيان أمس إن"هذه القاعدة هي أكبر قواعد جيش الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة الجنوبية". ولم يصدر أى تعقيب من قوات الاحتلال في شأن القصف أو الخسائر الناجمة عنه. وقالت"ألوية الناصر صلاح الدين"، الذراع العسكرية ل"لجان المقاومة الشعبية"، إن مجموعة من مجموعاتها"تمكنت من قصف تجمع للقوات الراجلة الصهيونية شرق مخيم جباليا بثلاث قذائف هاون". وأضافت في بيان أن"العدو الصهيوني اعترف بسقوط عدد من قذائف الهاون على جنوده المتمركزين على حدود القطاع". وقالت إن احدى مجموعاتها تمكنت من"الاشتباك المباشر والعنيف مع القوات الصهيونية التي توغلت شرق حي الزيتون"فجر أمس. وأعلنت"سرايا القدس"أنها"قصفت بلدة سديروت بصاروخين، وخاضت اشتباكات عنيفة مع قوة خاصة شمال بيت حانون وفجرت عبوة ناسفة وسط مجموعة من القوات الإسرائيلية". وتوعد"أبو عبيدة"الناطق باسم"كتائب القسام"ب"مفاجآت". وأكد أن"هناك مقاومة شرسة وعنيفة بين المقاومين وقوات الاحتلال في جميع المحاور التي يجري فيها التوغل الاسرائيلي"، مشيراً إلى أن"المقاومة فجرت عبوات ناسفة في تلك القوات وأوقعت في صفوفها قتلى وجرحى". وأضاف أنه"إذا استمر العدوان، فإن المقاومة ستقوم بأسر جنود". إلى ذلك، دعا القيادي في"الجهاد الإسلامي"الدكتور محمد الهندي الفلسطينيين إلى"الصمود والثبات في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتصاعد". واعتبر أن"الدماء الزكية البريئة التي سالت على هذه الأرض ستجلب لنا النصر بإذن الله". وكشف أن"الشعب الفلسطيني أعدّ نفسه لمثل هذا اليوم وهذا الجنون الذي يتعرض له على يد آلة القرصنة والعدوان الإسرائيلي". وأشار إلى أن ما لم يكن يتوقعه هو"أن ينحاز بعض العرب، أو يصمتوا صمت القبور حيال هذه المجازر"، لافتاً إلى أن"98 في المئة من الضحايا من المدنيين العزل ورجال الشرطة المدنية". وقال:"لقد أعزنا الله بالجهاد وبالمقاومة، واليوم يعيد المجاهدون الاعتبار للأولويات والوحدة إلى شعب فلسطين في غزة والضفة وفي كل مكان... لسنا وحدنا في هذه المعركة". وشدد في تصريحات لموقع تابع للحركة على أن إسرائيل"لن تنجح في القضاء على المقاومة كما تأمل"، معتبراً أنها"مع كل يوم تبتعد عن هذا الهدف الذي أصبح وهماً و سراباً". ورأى أن"المقاومة جزء أصيل من شعبٍ حي نهض ليقاتل بدلاً من أن يتوسل". وقال:"هناك أملٌ بوسائلنا المحدودة وروحنا، والفشل الجوي للعدو سيتبعه فشلٌ بري، كما عجز عن ذلك في لبنان، ليكتشف الجميع أن الصواريخ ستحطم هيبة العدو". إلى ذلك، يعاني سكان القطاع من نقص حاد في المواد الغذائية الإساسية والدواء بسبب الحصار والعدوان الإسرائيلي منذ تسعة أيام، ما أعاق جهود إدخال المساعدات الإنسانية للتخفيف من المأساة في القطاع. وأغلقت مصر أمس معبر رفح بسبب القصف، ما حال دون دخول مئات الشاحنات من المساعدات والأدوية. ونفد غاز الطبخ من منازل الفلسطينيين والوقود فيما ظل التيار الكهربائي مقطوعاً عن معظم مناطق القطاع. واكتظت المستشفيات بالشهداء والجرحى الذين لم يجد مئات منهم سوى الممرات والردهات مكاناً لهم. وواصلت الطواقم الطبية تحويل صالات المستشفيات إلى غرف عمليات بسبب العدد الكبير من الجرحى الذين لم تستوعبهم غرف العمليات القليلة العدد فيها. نشر في العدد: 16712 ت.م: 05-01-2009 ص: 10 ط: الرياض