لم يترك الزعماء والقياديون والنواب العراقيون مدينة او بلدة من دون زيارة لحشد الأصوات في الانتخابات المحلية. وشهدت الحملات الانتخابية تحركاً واسعاً للسياسيين التقليديين، اتخذ طابع صراع مصيري على الوزن السياسي والنفوذ في الخريطة السياسية بعد 31 كانون الثاني يناير الجاري. وفيما تشير المعلومات الى عدم حدوث متغيرات كبيرة، تذهب مؤشرات اخرى الى صعوبة حصول أي جبهة على نسب طاغية في مجالس المحافظات، ما يحتم إعادة الحسابات والدخول في تحالفات جديدة، أو وقوع انشقاقات في التكتلات سيكون المستقلون فرس الرهان فيها. وسينعكس ذلك خلافات تعيق تمتع أي حزب بقوة تتيح له اتخاذ قرارات كبيرة مثل تشكيل إقليم فيديرالي مستقل. ويشغل حزبان معظم مقاعد مجالس المحافظات، هما"المجلس الأعلى"بزعامة عبدالعزيز الحكيم النجف وبابل وواسط والديوانية والسماوة والناصرية والعمارة ونسبة كبيرة من محافظاتالبصرةوبغداد وكربلاء والحزب الإسلامي الانبار وصلاح الدين بالإضافة الى نسبة من محافظاتبغداد والموصل وديالى، فيما يشغل"الاتحاد الوطني الكردستاني"نسبة كبيرة من مقاعد محافظات ديالى وصلاح الدين والموصل. وتتوقع الأحزاب الثلاثة بأنها ستفقد الكثير من النفوذ في المحافظات لأسباب تتعلق بطبيعة الانتخابات الحالية، مقارنة بانتخابات عام 2005 التي كانت في معظمها شكلية، وبمشاركة محدودة، ولاعتبارات تتعلق بظهور منافسة شديدة من احزاب تختلف عن تلك التي شاركت في الإنتخابات السابقة. لكن حجم المشاركة الكبير 14431 مرشحاً يتنافسون على 440 مقعداً سيسمح للاحزاب الكبيرة، على ما أفادت منظمة"تموز"المختصة بمراقبة الانتخابات ب"استثمار التشتت الانتخابي لصالحها". وفي مقابل حاجة كل مرشح من 30 الى 50 ألف صوت للحصول على مقعد في مجلس المحافظة، سيكون الوصول الى هذه النسب أكثر صعوبة بالنسبة إلى المرشحين المنفردين والقوائم الصغيرة التي ستساهم في ضياع اكثر من نصف الأصوات. ويتوقع مراقبون مستقلون حصول 500 مرشح بين 5 الى 25 ألف صوت لا تؤهلهم للمنافسة فتتشتت الأصوات لمصلحة الكتل الكبيرة، ويصبح تحقق التغيير الذي ينشده العراقيون أكثر صعوبة. وعلى رغم ان تشتت الاصوات يخدم عمليا الاحزاب والقوائم الكبيرة، إلا أن تلك الأحزاب ستتقاسم نصف أصوات الناخبين ولن تحظى في أفضل الأحوال بأكثر من ثلث المقاعد في كل مجلس. وستكون أوزان القوى موزعة عملياً بواقع 10 الى 25 في المئة، فيما تتوزع اليوم بواقع 10 الى 70 في المئة. ويتوقع ان تتقاسم قوائم رئيس الوزراء نوري المالكي والحكيم ووزير الداخلية جواد البولاني، وتيار الصدر على رغم عدم مشاركته رسمياً بقائمة مستقلة و"الحزب الإسلامي"ورئيس الوزراء السابق إياد علاوي، وصالح المطلك، مجلس محافظة البصرة 35 مقعداً وستغادره قوى معظمها متحالف مع حزبي الحكيم و"الفضيلة"، مع وجود مستقلين وعشائر وأحزاب صغيرة. وتبدو المعادلة مختلفة في محافظة الناصرية 31 مقعداً، إذ يحتل"المجلس الأعلى"نحو ثلث المقاعد، مقابل نسبة أقل للمالكي، ونسب اخرى للأحزاب الليبرالية، وحيز للمستقلين والأحزاب الصغيرة التي ستجد موطئ قدم في مدن المثنى 26 مقعداً والديوانية 28 مقعداً وميسان 27 مقعداً، حيث يتوقع ان تتقدم فيها أحزاب الحكيم والمالكي والصدر ولكن من دون غلبة لأحد. في كربلاء 27 مقعداً والنجف 28 مقعداً ستكون المعادلة أكثر صعوبة بين المالكي والحكيم، مع فرص لتفوق الأخير الذي لن يتمكن بأفضل التوقعات من نيل نسبة ربع المقاعد مقابل بروز قد يكون الأول للقوى الليبرالية والمستقلة والمرشحين المنفردين، وسيشكل ذلك مفاجأة في اكثر محافظتين تتوقع فيهما الأحزاب الاسلامية نفوذاً. في بابل 30 مقعداً حيث يقابل نفوذ حزب الحكيم فيها نفوذ تيار الصدر، ستكون فرص"المجلس الأعلى"أكبر لنيل ثلث الأصوات، فيما تتراجع تلك الفرص في محافظة واسط 28 مقعداً حيث سيبرز تيار الزعيم السنّي صالح المطلك الذي سينال بدوره مقاعد في محافظات شيعية اخرى. معادلة الكبار ستكون أكثر وضوحاً في بغداد 57 مقعداً حيث يتوقع ان لا يحرز أي حزب او قائمة تفوقاً ملحوظاً اكثر من 15 في المئة، فيما سيكون لقائمة رئيس الوزراء الحصة الأكبر، مع وجود ملحوظ للقوائم الاخرى، خصوصاً المجلس وعلاوي و"التوافق"والمطلك وقائمة الصحوات والصدر. ويتوقع أيضاً أن لا تتمكن العشائر من ازاحة"الحزب الاسلامي"عن المشهد السياسي في الأنبار 29 مقعداً وان تتفوق عليه في عدد المقاعد، مقابل وجود ملحوظ لصالح المطلك وعلاوي وسيكون ذلك مؤشراً جديداً إلى اختلاط الأوراق. اما في ديالى 29 مقعداً حيث التخندق الطائفي والإثني يشكل العنوان الأبرز، من خلال تقاسم قوائم"المجلس الأعلى"، والأكراد و"التوافق"والعشائر، فستحظى قوائم ليبيرلية ومستقلة ببعض المقاعد. صلاح الدين 28 مقعداً ستنحاز بدورها الى القوائم الليبرالية والقومية، ومنها قائمتا صالح المطلك وعلاوي، مقابل وجود لا بأس به لقوائم محلية وتراجع تأثير"الحزب الاسلامي"والقائمة الكردية وقامة المالكي. وانحسار تأثير الأكراد والإسلامي عن المحافظة قد لا ينسحب على الموصل 37 مقعداً حيث ستبرز، للمرة الأولى، القوائم الليببرالية المتحالفة من طوائف مختلفة وربما تكون بدورها مفاجأة الانتخابات المحلية هناك. بصرف النظر عن دقة الخريطة المتوقعة لمجالس المحافظات، فالثابت هو عجز أي من القوى الرئيسية الكبيرة عن نيل حصة مريحة تؤهلها تمرير قوانين أو اتخاذ قرارات مصيرية في استحداث أقاليم منفصلة، ما يجعل مرحلة ما بعد الانتخابات أشد صعوبة من قبلها. وسيتبادل معظم الأطراف اتهامات واسعة النطاق، ويخوضون صراعات داخل المجالس التي لن تشهد استقراراً كبيراً. نشر في العدد: 16738 ت.م: 31-01-2009 ص: الأولى ط: الرياض