لا شك في أن التجارة العربية الأميركية التي تعتمد في صادراتها ووارداتها اعتماداً شبه كلي على أسعار النفط وتقلباتها، كانت أول ضحايا الأزمة المالية وآثارها الكارثية على الاقتصاد العالمي. لكن الصدمة القاسية التي تلقتها في النصف الثاني من 2008 لم تؤثر في شكل ملموس على المحصلة النهائية لواحد من أكثر عقودها حيوية وازدهاراً. وينتظر أن يكشف"مكتب الاحصاء الأميركي"في تقرير ختامي عن حركة التجارة الخارجية في 2008، يصدره في 11 شباط فبراير المقبل ويبيّن أن صادرات عدد كبير من الدول العربية، منها السعودية والكويت والعراق والجزائر وليبيا، إلى السوق الأميركية خسرت من 35 إلى 60 في المئة من ايراداتها في الشهرين الأخيرين من العام الماضي مقارنة بتموز يوليو، شهر الذروة التاريخية لأسعار النفط. ولايسمح الوضع الهش للاقتصاد الأميركي وغموض آفاق النفط بتوقع تعويض الصادرات العربية خسائرها قريباً. فعلى سبيل المثال خفض محللو وزارة النفط الأميركية توقعاتهم للايرادات التي تحققت للدول العربية الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك في 2008 من 825 بليون دولار قبل أشهر قليلة إلى 680 بليوناً حالياً، كما اختزلوا ايرادات 2009 إلى 270 بليوناً مقارنة ب 850 بليوناً في تقديراتهم السابقة. لكن فشل توقعات المحللين في مواكبة أوضاع السوق النفطية لم يمنع التجارة العربية - الأميركية، من تسجيل أرقام قياسية في الصادرات والواردات والفائض التجاري العربي، ليس فقط في 2008، إنما أيضاً في عقد كامل بدأ في 1998 عندما كان سعر برميل النفط الخام الأميركي الخفيف لا يزيد على ثلث سعره الحالي الذي خسر أكثر من مئة دولار منذ تموز الماضي. وطبقاً لمكتب الاحصاء الأميركي بلغ حجم المبادلات التجارية العربية الأميركية في 2008 نحو 180 بليون دولار، مسجلاً زيادة نسبتها 44 في المئة عن 2007. وارتفعت قيمة صادرات الدول العربية إلى السوق الأميركية بنسبة مماثلة لتصل إلى 117 بليوناً، لكن وارداتها من هذه السوق زادت نحو 20 بليوناً متجاوزة حدود 60 بليوناً، ما أتاح لها تحقيق فائض تجاري ضخم وقياسي بلغ 56 بليون دولار. وأخفى الفائض التجاري العربي حقيقة أن دولاً عربية تصدر النفط إلى السوق الأميركية هي السعودية والعراق والجزائر والكويت حققت فائضاً بقيمة 88.5 بليون دولار، وانفردت السعودية بما يقارب نصفه. كذلك خرج كل من الأردن وتونس من العام بفائض تجاري في حدود 200 مليوناً، بينما سجلت الدول العربية الباقية عجزاً من 150 مليوناً السودان الى 14 بليوناً الامارات. ولا تشمل الفوائض العربية تجارة الخدمات مثل النقل والسياحة لكن تخلي سعر النفط عن ذروته واحتمال تراجع متوسطه السنوي في 2009 إلى 60 في المئة من مستواه في 2008 يدعمان المستهلك الأميركي بمحفظة حفز قدر الرئيس السابق جورج بوش قيمتها ب 230 بليون دولار سنوياً، ويساهمان كذلك في خفض عجز ميزان المدفوعات الأميركي إلى 500 بليون دولار في السنة الحالية من 788 بليوناً في 2006. وأصبح الفائض العربي عنصراً مهماً من عناصر التبادل التجاري بين الدول العربية وأميركا في السنوات الأخيرة، إلا أنه شهد تطورات دراماتيكية تعكسها التجارة السعودية - الأميركية التي تنفرد بنحو 40 في المئة من التجارة العربية الأميركية. وفي السوق الأميركية يذهب جزء كبير من صادراتها النفطية يقدر ب 1.5 مليون برميل يومياً، الى مصافي تكرير مشروعها مع"شل أويل"الذي سيرفع طاقته التكريرية إلى مليون برميل يومياً مع انتهاء مشروع توسع ضخم في العام المقبل. وبلغت قيمة المبادلات التجارية بين السعودية وأميركا في العقد الأخير، 330 بليون دولار مرتفعة من 17 بليوناً في 1998 إلى 67 بليوناً في 2008. وانعكس أهم التطورات الدراماتيكية ليس في تحليق قيمة صادرات السعودية إلى 55 بليوناً في نهاية العقد بعدما كانت لا تتجاوز ستة بلايين في بدايته فحسب بل في تحول ميزانها التجاري مع أميركا من عجز بقيمة 4.3 بليون دولار في 1998 إلى فائض يزيد على 43 بليوناً العام الماضي. ولاتختلف الواردات السعودية عن مشتريات الدول العربية الأخرى من السوق الأميركية لا سيما تركيزها على بنود رئيسة مثل وسائل النقل والتجهيزات الصناعية وأجهزة الاتصالات والمعلومات، إلا أنها مرت في تذبذبات حادة إذ انخفضت إلى أدنى مستوى في 2003 حين بلغت 4.6 بليون دولار، قبل أن ترتفع باطراد في السنوات اللاحقة لتصل إلى 13 بليوناً في 2008. نشر في العدد: 16732 ت.م: 25-01-2009 ص: 23 ط: الرياض