قد تكون المرة المئة التي تروي فيها نوال قصتها المضحكة المبكية. وفي كل مرة تسعى المرأة الأنيقة الى التحذير من الوقوع في المصيدة. هي خمسينية لم تطلها"كآبة العمر"بعد، وعمليات التجميل"المدروسة"تركت بصماتها على وجهها الناعم. متأهبة دائماً لملاقاة آخر صيحات الموضة وتصنّف نفسها سيدة مجتمع من الطراز الأول. أكثر من سبب يدفعها لكي تركّز اهتمامها على"اللوك": هي زوجة طبيب معروف، أولادها الثلاثة انتقلوا الى منازلهم الزوجية، لا مسؤوليات عائلية تذكر، وتكاد تكون الضيفة الدائمة على لائحة المدعوين الى المناسبات الاجتماعية أو الخيرية التي عادة ما تنظمها"زميلاتها"من سيدات المجتمع. ولأن الأناقة"خبزها اليومي"، تحرص نوال على عدم تغيير عادة دأبت عليها منذ تحسّنت أحوال زوجها المادية. فهي تحارب"الماركات العالمية المقلّدة"ولا تسجّل على نفسها"تهمة التوفير"، ولذلك قد تنتظر أسابيع، الى حين توافر المال، لشراء فستان يبلغ ثمنه 2000 دولار. هذه"المناعة"القوية التي تتحلى بها ضد"التقليد"، منحتها ثقة إضافية بالنفس مكّنتها من التقدم على صديقاتها، اللواتي"ضعفت إرادتهن"أمام حذاء نسائي"ألصقت"عليه ماركة عالمية، يصعب من بعيد التفريق بينه وبين"الأصلي"لكن سعره الزهيد، مقارنة بسعره الحقيقي، يكون كفيلاً بتغليب منطق التوفير و"ضرب عصفورين بحجر واحد". قبل عام تحديداً، قامت نوال بجولة"شوبينغ"في وسط العاصمة بيروت استعداداً للسفر مع زوجها الى باريس لحضور حفلة خاصة، وقصدت بعض العناوين المعروفة حيث تتواجد كبريات الماركات العالمية، وفي النية إكمال جولة"الشوبينغ"في العاصمة الباريسية. واختارت نوال للمناسبة حقيبة يد سوداء من ضمن ال New Collection لمصمم عالمي معروف. وكالعادة احتفظت نوال بالفاتورة التي تبرزها في بعض الأحيان كدليل على"وفائها"للماركات الأصلية. يومها دفعت نوال عبر بطاقة الإعتماد مبلغ 1300 دولار... ومشت. في الليلة الموعودة متأبطة حقيبة اليد الصغيرة بفخر لا يوازيه سوى فخر كونها جمعت فوق جسدها النحيل روائع بعض المصممين العالميين، من الفستان الى المعطف الى الحذاء"الراقي". على الطاولة التي جمعت أصدقاء لبنانيين لعائلة الطبيب، فتحت الحقيبة أكثر من مرة ثم أعادت إقفالها"فالجوهرة"التي بين يديها تستحق ذلك. لكن"العرض"إنتهى بمصيبة حقيقية... فقد تعطّل سحّاب الحقيبة تماماً كما يتعطّل سحاب أي بنطال. الأمر كان كفيلاً بتغيير مزاج سيدة المجتمع، وشَكرتْ ربها لكون أعز صديقاتها لسن بقربها...! في الصباح الباكر توجهت نوال الى"النبع"، أي الى الفرع الأساسي في العاصمة الباريسية، الذي يحمل اسم ماركة حقيبتها. بكثير من الثقة النابعة من كونها صاحبة حق، طلبت من أحد الموظفين إصلاح سحاب الحقيبة وعاتبته على"النوعية". وكمن يقوم بتفتيش أمني، أجرى الموظف"مسحاً"كاملاً للحقيبة، تمتم بعض العبارات غير المفهومة بالفرنسية، واستأذنها قليلاً ليعود ويقول لها بلغة حازمة"سيدتي سنضطر لتوقيفك لأنك تتاجرين ببضاعة مقلّدة..."انفجرت نوال غضباً، وحاولت إفهامه أنها ضحية"التقليد"وليست مروّجة له. وفي كل مرة تروي نوال"معاناتها"مع الحقيبة المزيّفة تذكّر بأن الفاتورة أنقذتها من السجن... ففي تلك اللحظة فتّشت كالمجنونة في جيب حقيبتها، وبفرحة المنتصر أبرزت له"دليل براءتها". دقّق الموظف في"الفاتورة اللبنانية"، ثم بادرها بالقول:"نعتذر منك. فعلاً لقد وقعت ضحية غش لأنك تحملين بضاعة مقلّدة دفعتِ ثمنها كأنها الأصلية. ننصحك بالانتباه وبإمكانك رفع دعوى". النصيحة"الفرنسية"لا تغيّر الواقع المرّ للسيدة الأنيقة، لا بل أنها أغرقتها في بحر من التساؤلات"هل هذا يعني أن نصف ملابسي وأحذيتي وحقائبي وحتى عطوراتي قد تكون مقلّدة..؟". ما خشيت منه نوال يشكّل في الواقع"صيداً ثميناً"لشرائح كبيرة من الأسر اللبنانية التي تجد في التقليد المتّقن للماركات العالمية، وهو سوق رائج في لبنان، وسيلة"للتساوي"مع الطبقة المخملية. وهكذا تقصد العديد من النسوة متاجر"مموهة"من دون اسم، أو منازل عادية، هي في الواقع"مستودع"للبضائع المقلّدة، حيث يشترين"الوجاهة"بمئات قليلة من الدولارات... وللتذكير، نوال لم ترفع دعوى، فقد أكتفت بتأنيب صاحب المتجر الذي اشترت الحقيبة منه، واستدلت على منزل تديره"سيدة مجتمع"أيضاً تمدّها بآخر صيحات الموضة العالمية... المقلّدة! نشر في العدد: 16729 ت.م: 22-01-2009 ص: 23 ط: الرياض