ما يتعرض له قطاع غزة مأساة مفجعة في منطقة من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية، إذ يقطن المنطقة التي لا تتعدى مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً أكثر من مليون ونصف المليون نسمة يعيشون تحت الحصار الكامل. هذا هو الواقع. فقد قضى، خلال الاسبوعين الماضيين، مئات الفلسطينيين، ومنهم أسر بكاملها وعدد كبير من النساء والأطفال الأبرياء. ولم توفر عمليات القصف العاملين في الطب والإغاثة وموظفي الأممالمتحدة. فهل من منطق يبرر ذلك؟ لم يبقَ مأوى آمن للمدنيين، حتى مدارس"الأنروا"التي لجأ اليها اكثر من 15000 فلسطيني بعد فرارهم من بيوتهم، لم تكن في منأى عن القصف، على رغم وضع إشارات واضحة على هذه المنشآت وإبلاغ الجيش الاسرائيلي بمواقعها. وهذا الاستهداف انتهاك فاضح للقانون الإنساني الدولي والالتزامات التي تنص عليها اتفاقية جنيف لحماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة. ومن المؤلم التفكير بأثر هذه الأزمة على الوضع المسأوي في قطاع غزة، حيث الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبنى التحتية والخدمات على وشك الانهيار نتيجة لسنة ونصف السنة من الحصار الخانق، فقد أحدث ذلك تراجعاً في التنمية وتفاقماً في معدلات الفقر وانعداماً في الأمن الغذائي ليشمل الوضع أكثرية السكان. ولم يبقَ لسكان القطاع ما يساعدهم على التعايش مع هذا الواقع الأليم، حيث يعانون من نقص في جميع الاحتياجات المعيشية من مواد غذائية ومحروقات ومعدات طبية. ويهدد النقص الحاد في المياه والكهرباء بكوارث صحية وبيئية وبارتفاع نسب التلوث بسبب تدفق مياه الصرف الصحي الى البحر والمناطق السكانية والحقول الزراعية. أما ما تبقى من بنى تحتية ومنشآت خدماتية، يُدمر بالقصف الجوي والبحري والبري المتواصل الذي يخلف دماراً شاملاً في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وسيكون من الصعب إصلاحه. وتداعيات الأزمة الحالية لا تقف عند حدود الأرض الفلسطينية المحتلة فحسب بل تتعداها، فاستخدام القوة على هذا النحو في قطاع غزة يؤدي الى زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المنطقة العربية بكاملها. والقلق المتزايد على الاستقرار يضعف ثقة المستثمرين فيثنيهم عن المساهمة في حل الأزمة الاقتصادية. وهذا يؤدي الى تراجع على جميع الأصعدة الاقتصادية والانمائية فضلاً عن الخسائر البشرية التي لا سبيل لتعويضها. وإذا وضعنا الخسائر المادية والاقتصادية جانباً، أسأل كيف تؤثر صور معاناة الفلسطينيين في الرأي العام، خصوصاً على الرأي العام العربي؟ وأقصد بالتحديد جيل الشباب الذي يشكل نسبة مرتفعة في المجتمعات العربية ومن سكان الأرض الفلسطينية المحتلة. والسؤال هو: ألن تعزز هذه الصور خطاب التطرف في المنطقة؟ كيف لا، وصور القتلى والجرحى تجتاح عقول الشباب العربي. هل سيبقى لدى شبابنا أي ايمان أو ثقة بإمكان تطبيق المواثيق الدولية؟ مرت الإنسانية بكوارث مدمرة، منها حربان عالميتان، حتى توصلت الى الإتفاق على هذه الأعراف والمواثيق. وها نحن نشهدها تنهار اليوم على مرأى من العالم أجمع في قطاع غزة. فقد نجح دعاة الحرب في زرع بذور لجولات عنف جديدة في عقول الجيل الجديد، أخشى أن ترافقنا ثمارها طويلاً. لقد حان الوقت ليقتنع الجميع بأن هناك حلاً واحداً للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي والصراع العربي - الاسرائيلي، وهو انهاء الاحتلال وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة، وفقاً لما نصت عليه جميع القرارات التي اتخذتها الأممالمتحدة منذ بدء هذا الصراع. ولا أمل بذلك إلا من خلال الحوار، فالمأساة التي نشهدها في قطاع غزة اليوم، من حرب وعنف وقتل ودمار، لن تأتي بالربح الى أحد بل بالخسائر للجميع. لا منتصر فيها بل الجميع خاسر من دون استثناء. * وكيل الأمين العام للأمم المتحدة الأمين التنفيذي للجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا.