مرّ زمن طويل قبل أن يدرك الأوروبيون والأميركيون أنّ الصراعين في فلسطين وكشمير هما جزء من المشكلة نفسها. فالسجل الطويل للطرف المحلي الأقوى، أي إسرائيل من جهة، والهند من جهة أخرى، معروف في تجاهل قرارات الأممالمتحدة للحدّ من الضيم الذي يصيب السكان المعنيين وهم بمعظمهم من المسلمين. ومعروف أيضاً أن حدوداً شديدة التحصين تفصل كشمير الهندية عن كشمير الباكستانية منذ خمسينات القرن الماضي، وهي حدود أصبحت تشبه إلى حدّ بعيد جدار الفصل بين إسرائيل وفلسطين. إلا أن ارتباط القضيتين لم يكن يوماً ارتباطاً ظاهراً على الرغم من نقاط الشبه الكثيرة بين القضيتين. ولا شك في أن السبب يعود إلى الانقسام الجغرافي والاستراتيجي التقليدي بين مشاكل الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية. ومع أنّ الروابط القائمة بين أفغانستانوباكستان من جهة، والعرب وإيران من جهة ثانية، أصبحت أكثر وضوحاً عقب هجمات 11 أيلول، لم يلقَ الدور الهائل للصراع بين باكستانوالهند على كشمير الاهتمام الذي يستحقه. أما اليوم فبدأت المعطيات تتغيّر. من ناحية، سلّط عدد من الأعمال المهمة مثل كتاب"الانحدار نحو الفوضى"بقلم الصحافي الباكستاني البارز والمثقّف أحمد رشيد الضوء على دور الجيش الباكستاني وجهاز الاستخبارات العسكري التابع له أي. أس. أي. في استغلال المسلمين المتطرّفين لتعزيز مصالح باكستان في كلّ من أفغانستان وكشمير. من ناحية أخرى، لفتت الهجمات الإرهابية الأخيرة في مومباي نظر أعضاء إدارة بوش إلى مخاطر السماح للمجموعات الباكستانية بإشعال فتيل الحرب بين الهندوباكستان في كشمير. وبفضل جهود كوندوليزا رايس إلى حد ما، لم تحدث التعبئة بين البلدين، ما يتيح للجيش الباكستاني التركيز على استكمال عمليّاته ضد المتمرّدين على طول الحدود الأفغانية. وكما أشار أحمد رشيد وغيره، سرعان ما تحوّلت باكستان المستقلة إلى دولة همّها حماية أمنها القومي، وحدّد الجيش فيها هدفه الرئيس بردع خطر الهند، عدوّ باكستان الأوّل. ولم يستند هذا الهدف إلى تطوير أسلحة نووية كأسلحة الهند، وإقامة حكومة صديقة معادية للهند في أفغانستان فحسب، بل قام أيضاً على إحباط أي جهود قد يبذلها رئيس وزراء مدنيّ في باكستان من اجل تحسين العلاقات بين إسلام أباد ونيودلهي. وازداد الوضع سوءاً حين تمّ جرّ كشمير مباشرةً إلى الصراع في بداية تسعينات القرن الماضي، ودعمَ جهازُ الاستخبارات الباكستاني أي. أس. أي. تمرّداً مناهضاً للهند هناك قاده أولاً كشميريون مدنيون، ثم سرعان ما تولّته مجموعات إسلامية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأحزاب باكستان الإسلامية. ونجح هذا الأمر إلى حدّ كبير في ردع مئات آلاف الجنود الهنود من دون المخاطرة بافتعال هجوم هندي مضاد واسع النطاق. إلا أنّه شكّل أرضيةً لشنّ التفجيرات الانتحارية ضد أهداف هندية ابتداء من عام 2000. ومؤخراً شملت هذه الحرب بالوكالة هجمات انتحاريةً شُنَّت على أهداف في الهند نفسها، وطالت خطوط الطيران والبرلمان الهندي، ومجموعةً كبيرةً من المدنيين في الفنادق والمطاعم، ومحطات القطارات مثلما حصل أخيرا. لكنّ ما يثير الاهتمام هو أنّنا اليوم نشهد انقساماً ملحوظاً في الأغراض المتوخّاة. ففي حين تسعى المجموعات الإرهابية إلى افتعال حرب بين الهندوباكستان، أو على الأقل إلى الحرص على إبقاء حالة من التوتر بين البلدين، يرى البعض في الحكومة الباكستانية الآن أنّ الحالة الراهنة ساهمت في تصدّر قضية كشمير التي طال أمدها الأجندةَ الدولية، وهو غرض طالما سعت الحكومة إلى تحقيقه. وقد يعطي هذا الاعتراف الجديد بالمخاطر التي ينطوي عليها الصراع في كشمير الرئيس الأميركي الجديد فرصةً للتحرّك. لكن لا بدّ أولاً من القيام بالكثير من العمل التمهيدي. فقد حالت عقود من الإهمال الدولي والعرقلة الهندية دون تطوير ما يشبه المقاربة المنظّمة التي تمّ التوصل إليها لإيجاد تسوية للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني. ما من إجماع طبعاً على ماهية هذه التسوية، بما في ذلك بذل جهد لا للتوفيق بين الأهداف الهنديةوالباكستانية المتضاربة فحسب، بل أيضاً للنظر في تطلّع شريحة كبيرة من سكان كشمير المحليين إلى تحقيق حكم ذاتي، وهو أمر كادت الهند تمنحه للكشميريين حين أرسلت جنودها إلى الإقليم في العام 1947، غير أنها سرعان ما تراجعت. من المفيد لأولئك الذين لا يقلقهم إلا عمر الصراع الطويل بين العرب وإسرائيل، والفلسطينيين وإسرائيل، أن يعترفوا بوجود مشكلة أخرى أكثر خطورةً. مع ذلك، من المهم أن نعي الارتباط بين هذه المشاكل مروراً بباكستان، ومساهمتها المتبادلة في الحفاظ على شبكة مترابطة من المجموعات الإرهابية، فضلاً عن زعزعتها للنظم السياسية في أرجاء شرق آسيا وما بعدها. لا بدّ للإدارة الأميركية الجديدة أن تعي بدورها هذا الواقع. فسرعان ما سيكتشف باراك أوباما أنّ القضاء على أسباب العداء ضد الأميركيين في العالم الإسلامي لا يكون فقط بسحب القوات الأميركية من العراق، والتوصّل إلى تسوية مؤقّتة مع إيران. بل عليه اتّخاذ خطوات معقولة لمعالجة مشكلتي فلسطين وكشمير بما يعطي الانطباع بأنّه يعي تهديدهما السلام العالمي إذا لم يتمّ حلّهما. * اكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد نشر في العدد: 16719 ت.م: 12-01-2009 ص: 15 ط: الرياض