الأحد 31/8/2008: شجرات المنام شجرات الليل تضربها رياح البحر فتنحني مصلية للفجر. إنها وهمنا نحن الذين رسمناها في منام. شجرات النهار القاسية فوق صخر قاس لينة في الزوايا الخصيبة وفاسدة في منعطفات المدن تشرب الدخان حتى الاختناق. والريف غائباً خلف مشاهد التلفزيون أهله يدمنون الأحلام بمدن بعيدة، كأن الطبيعة في خراب أو هو الوعيد بإلغائها. يغطي البلاط مساحات التراب والنبات يختنق، حقاً. وكنا نمشي خفافاً على حافة الورد لئلا نقع في وهدة الشوك، نحتفل بالشجر مزهراً ونرثي لورق أخضر وحيد الاثنين 1/9/2008: جبران الشعبي كان جبران خليل جبران واثقاً من حضور مؤلفاته عبر الزمن حين كتب:"جئت لأكون للكل وبالكل، والذي أفعله اليوم في وحدتي يعيده المستقبل أمام الناس. والذي أقوله بلسان واحد يقوله الآتي بألسنة عدة". من أين هذه الثقة؟ يقول سهيل بشروئي في كتابه الجديد"جبران الخالد"عن دار الساقي في بيروت ولندن:"بدأت شهرة جبران تغزو المعاقل الأكاديمية التي أوصدت أبوابها في وجهه لا لسبب سوى أن شهرته غير العادية بين عامة الناس قد أدخلت الشك في نفوس الأكاديميين مدة من الزمن". وهذا الشك الذي تخطاه دارسون في أوروبا وشمال أميركا لا يزال موجوداً في العالم العربي، وحتى في لبنانمسقط رأس جبران، فقد كان الأكاديميون، وربما لا يزالون، يحذرون طلابهم من قراءة أعمال جبران لئلا تلقي بهم في معارج عاطفية معقدة وتبعدهم عن عقلانية مطلوبة في البحث الأكاديمي:. إنها سطحية حداثوية. نحن أمام كاتب يقرأه عامة الناس وتقبله النخبة على مضض لأنها اعتادت عدم الثقة بأدب شعبي. والحال ان جبران خليل جبران"محظوظ"لهذا السبب بالذات فإذ تنطوي في الخزائن أعمال مجايلين له مثل ميخائيل نعيمة وأمين الريحاني يبقى أدبه حياً. وفي كتاب بشروئي الجديد عن جبران محاولة ربط بين أدب جبران والاهتمامات الإنسانية الحديثة مثل ثقافة السلام بين الشعوب، ووضع العولمة في إطار مفيد للبشرية، وقضايا البيئة المشتركة، ومسألة الديموقراطية في نطاقها الأساسي: إيصال المعرفة الى الجميع ليتحملوا مسؤولياتهم تجاه الحاضر والمستقبل. هكذا يجد بشروئي نسباً بين أدب جبران وبيان"نادي روما"تأسس عام 1968:"حاول جبران في ما كتب أن ينذرنا بالأخطار الهائلة لبروز روح التعصب أياً تكن مظاهره، فاستهجن كل أنواع التعصبات واعتبرها قوى مدمرة تسعى الى هدم كل ما يصلح أمر المجتمعات المتحضرة، وأكد أن هدف التعصب الديني والسياسي والاجتماعي ? على رغم إعلان أصحابه أنهم يحافظون على تراثهم الثقافي والإنساني - إنما يؤدي في نهاية الأمر الى استلاب الحريات وإقامة نظام حكم استبدادي يكون فيه الناس عبيداً أذلاء". هذا الاتجاه الى التسامح والتركيز على المشترك بين المعتقدات الدينية للبشر نجده لدى جبران ولدى مجايليه من النهضويين اللبنانيين، وربما كان الدافع هو التجربة المريرة لمجتمعهم في حربيه الطائفيتين عام 1841 وعام 1860، لذلك اتجه النهضويون الى المشترك الديني معبراً عنه، غالباً، بأهل التصوف والعرفان. لكن بشروئي يشير الى مؤثر آخر في هذا الشأن هو لقاء جبران عام 1912 في نيويورك عبد البهاء الذي كان في جولة أميركية، ورسم جبران له بورتريه ووصفه بالقول:"للمرة الأولى أشاهد هيكل إنسان على قدر من النبل يجعله أهلاً ليحل فيه الروح القدس". وبشروئي يشير هنا الى معرفة جبران البهائية القائمة على وحدة الأديان أو على المشترك بين الأديان، وأن هذه المعرفة أثرت في إبداعات جبران، خصوصاً في كتابه"النبي"الصادر عام 1923. الثلثاء 2/9/2008: بدرية البشر أطروحة بدرية البشر للدكتوراه في الجامعة اللبنانية في مجال علم الاجتماع نشرها مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت في كتاب عنوانه"وقع العولمة في مجتمعات الخليج العربي - دبيوالرياض أنموذجان". من استنتاجات الباحثة السعودية الواردة في الكتاب:"بيئة الرياض المحافظة تؤثر ليس في درجة إقبال الناس على اقتناء وسائل العولمة، بل في موقفها منها، فعلى رغم الإقبال المرتفع من عينة السعوديين إلا أن النظرة بحذر وتخوف يظهر لدى عينة المجتمع السعودي في الرياض من دون عينة مجتمع دبي، فالسعودي في مجتمع الرياض يجد نفسه داخل عصر تقنية تتوافر في السوق ويستطيع الحصول عليها ويدرك حجم فائدتها، إلا أنه لا يطمئن لها ولا يحمد مضامينها وتنخفض نظرته الإيجابية إليها. ويمكن القول إن المجتمعين الخليجيين الرياض - دبي يختلفان في مواقفهما من وسائل العولمة، فالمجتمع السعودي بدرجة أكثر وضوحاً من المجتمع الإماراتي يتعامل مع وسائل العولمة كتوليف Collage، أي أنه يقتني وسائل العولمة ولكنه يستخدمها لمصلحة مضمون لا يتناسب مع مضامين عصر العولمة، كتسخير التيارات الإسلامية المتطرفة لتقنية الإنترنت لمصلحة مضامين منحازة ضد حقوق الإنسان، أو تشجع على الإرهاب، بينما تستعد دبي بتوجه حكومي صارم نحو دخول مرحلة جديدة من تحويل هذه المدينة الصغيرة إلى مدينة كوزموبوليتية تتماشى مع العالم وتفتح أرضها لمشاريع استثمارية عالمية ضخمة، وتمنح المواطن خيار أن يدخل ضمن هذه الحركة التي قد تنعكس إيجاباً لمصلحة أبنائه، ويناقش إعلامها حقوق الإنسان العالمية، وحقوق المرأة، ويحضها على الالتحاق ببرامجه الاجتماعية والوطنية، ويلحق تعليمه بنظام المدارس المتطورة التي تستخدم وسائل التقنية الحديثة. دراستنا اقتصرت على مجتمعين تتوافر لديهما القدرة الاقتصادية لاقتناء وسائل العولمة، ويقعان في خريطة كونية متميزة كمصدر نفطي عالمي ومداخيل نفطية مرتفعة، وبالتالي فهما يمتلكان خيار أن يستعينا بتلك التقنية لتطوير برامجهما الاجتماعية والسياسية والثقافية أو البقاء في عزلتهما التقليدية، وأنهما قادران على النجاة من حركة التغيير. وما هو واضح أن الدراسة انتهت الى أن المجتمع السعودي الذي قاوم وسائل العولمة، والتحذيرات والتحريم من المؤسسة الدينية، ومنع المؤسسات الحكومية، لم يفلح كل هذا في منع الناس من الإقبال على وسائل العولمة وإن شابَ هذا الإقبالَ بعضٌ من التحفظ المختلط بالخوف والحذر، ما يشير الى أن مقاومة وسائل العولمة وإقامة السدود المنيعة في وجهها، تذوب مع الوقت ولا يبقى سوى قدرة المجتمع ومؤسساته على تطوير نفسه وتعزيز ثقافته". الأربعاء 3/9/2008: الروح تتنفس يلزم البكاءُ ليتفجر الحزن والفرحُ لتنطلق الغبطة الحبيس. هكذا الروح تسخن وتعرق مثل رياضيّ في ملعب. الخميس 4/9/2008: جماليات هناك كتاب شبه مجهول لصلاح لبكي عنوانه"لبنان الشاعر"يحاول فيه الربط بين جماليات الطبيعة وجماليات التعبير اللغوي، بادئاً من الأساطير القديمة وماراً بنتاجات شعراء وأدباء. ربما يكون الكتاب مختصراً لمشروع يحتاج إعادة كتابة موسعة، لكنه يشير بوضوح الى ظاهرة يعرفها عرب العصر هي جماليات النثر والشعر عند اللبنانيين منذ أواسط القرن التاسع عشر، تلك القائمة على الاختزال، المكتفية بالإيجاز الموحي والبعيدة عن الثرثرة. ربما أدت هذه الجماليات الى نهضة في الشعر وتراجع في السرد، خصوصاً السرد الروائي. وقد تطلب الأمر حروباً طاحنة منذ عام 1975 ليتفكك الكثير في لبنان، ومنه حَرَم الجماليات، وتنطلق الأعمال السردية، خصوصاً في الرواية، لكن الرواية اللبنانية الناهضة لم تستطع أن تتخلى عن الإرث الجمالي: لنلاحظ، مثلاً لا حصراً، لغة هدى بركات الروائية. وتراث الجماليات لا يموت، جديده كتاب موريس هاشم الهاشم"حين تنكشف الشمس"، مقاطع نثرية تشبه صوغ الجواهر، تقارب الشعر لكنها لا تبتعد عن جمال يوحد النثر والشعر. ومن موريس الهاشم:"أحبّهُ قمراً بنفسجياً، أصلهُ كما الأقحوان، بريٌ لا يَدجَنُ. ينبتُ خجولاً ململماً، لا يحبُّ الظهور، يبدو عفيفاً متواضعاً، على جاذبية وقناعة. لا يُفاخر ولا يتعالى. لا يشمخُ ولا يُباهي. بل يقعد آمناً، مكتفياً، زاهداً في البهرجة والأضواء. يكبرُ على الادعاء والغرور. ويكاد يستوي بسطحِ التراب. ينامُ على أوراقه جاعلاً لحافَهُ الفضاء".