بعد زحمة المهرجانات الفنية التي استضافها لبنان، ينفرد "مسرح بابل" بيروت باحتضان أمسيات رمضانية لفرق موسيقية من العراق وسورية ولبنان ومصر، وما يميز برنامجه تقديم التراث والفولوكلور عبر أصوات دافئة ورصينة. " سهرة مع المقام العراقي"احتضنها المسرح أمس وقدّمها المنشد والباحث والكاتب في فن المقام العراقي حسين الاعظمي. والمقام العراقي من الفنون الموسيقية العربية القديمة منذ 400 سنة، ويعتبر من أرقى أشكال المقام، وأدواته ،إضافة إلى المنشد، ثلاثة عازفين على آلة السنطور والجوزة والطبلة أو الدنبك وأحياناً الرق. بدا المسرح قطعة من بغداد، بلكنة جمهوره الذي راح يتألم مع كل جرح تنزفه آلة الجوزة المعروفة بأنغامها الحزينة. وفي أجواء الموسيقى الحالمة والعابقة بروح العراق، يخيل للمستمع أن نهري دجلة والفرات يلامسان أقدامه، والنخيل يظلل رأسه من حرارة الشمس. بدأت الأمسية بتقسيمات على مقام البنجيكا ومن ثم تنوعت بين مقامات الدشت والنهوند والبياتي والجمال وفاصل من الايقاعات العراقية الأخرى. والمقام العراقي قد لا تتقبله الأذن بسهولة، خصوصا أن الآلات المستخدمة في عزفه ليست موجودة في كثير من البلدان، وهي تخص الثقافة العراقية بالذات، اضافة الى أن اللكنة المحلية التي يستعملها المنشد قد لا تُفهم في شكل جيد. يوحي الأعظمي براحة نفسية وهو يشرح قبل تقديم المقام قصته وتاريخه والرواية التي نتج عنها. يلعب الأعظمي دور"الحكواتي"إضافة الى انشاده الشعر ونثر آهاته في فضاء المسرح. وما يُغني انشاد الفنان العراقي، دراسته لأصول المقام العراقي وبنائه الفني، وتأليفه كتباً عنه أبرزها كتاب"المقام العراقي... إلى أين؟". والأعظمي اسم معروف في عالم المقامات العراقية، ويُلقّب بسفيرها. سبق للأعظمي أن أحيا حفلات عدة في دار الأوبرا المصرية، وبعض العواصم الأوروبية، وساهم في تأسيس بيت المقام العراقي الذي افتتح عام 1987 ومازال يحتضن المواهب الجيدة، ويحافظ على روح المقام. ويعود سبب اطلاق صفة"العراقي"الى المقام لتميزه عن مقامات أخرى موجودة في دول مثل تركيا وايران، اضافة الى أنه نشأ وترعرع في بغداد. وتساءل الحضور عن آلة السنطور التي رافقت العرض، وهو آلة موسيقية وترية شبيهة بآلة القانون، لكنها تختلف عنها في طريقة العزف. إذ يعزف على القانون بريشتين مصنوعتين من الفضة بسبابتي يدي العازف اليمنى واليسرى، ثم ينقر بهما على الأوتار التي أمامه. أما عازف السنطور فيضرب على أوتاره بمضربين خشبيين، ويُبدّل الأصوات بتحريك الحمالات التي تسند الأوتار. أول من استخدم هذه الآلة البابليون الذين جسدوها في ملاحمهم التاريخيه مثل ملحمة جلجامش. كما لوحظ في الحفلة غياب المرأة في تقديم هذا اللون العراقي، ربما لما يتصف به الأداء من تعابير انفعالية، يمكن وصفها بالحادة أو الخشنة. لكن مطربات عراقيات قدمنها مثل صديقة الملاية وزكية جورج وسليمة مراد وزهور حسين ومائدة نزهت، ومن ثم ابتعدن. ومن أسباب ذلك، القول إن على المرأة التنازل عن هويتها كامرأة وغناء المقام بأسلوب الرجل كما فعلت صديقة الملاية لتحقق النجاح.