يعتبر بعض الباحثين أن الشيخ محمد رشيد رضا أكمل عملية الإصلاح الإسلامي، التي أشادها الشيخ جمال الدين الأفغاني، وتابعها الشيخ محمد عبده، حيث عمل محمد رشيد رضا على إيضاح معالم التجربة الإصلاحية، وعلى ترسيخ الجهد الإصلاحي الذي قام به. وفي هذا السياق يأتي كتاب"محمد رشيد رضا ? جهوده الإصلاحية ومنهجه العلمي"مجموعة من المؤلفين، جامعة آل البيت، 2007 كي يلقي مزيداً من الضوء على مرحلة مهمة من مراحل الفكر العربي الإسلامي، من خلال تناول عصر وشخصية محمد رشيد رضا الدينية والفكرية والسياسية، وأسس التكوين والمعرفة لديه، وتسليط الضوء على نقاط التلاقي والتمايز بين الثقافتين العربية الإسلامية والغربية. پپويعتبر د. محمد الأرناؤوط أن محمد رشيد رضا من الشخصيات المؤثرة في أفكاره ومواقفه في العالم الإسلامي خلال الفترة الانتقالية المهمة، التي تزامنت مع الثورة على السلطان عبدالحميد الثاني وإعلان الدستور والتئام البرلمان العثماني، وصولاً إلى الخلاف مع سلطة"الاتحاد والترقي"والثورة العربية على الدولة العثمانية نفسها، وإلى الخاتمة المتمثلة في الاحتلالات الأجنبية والكيانات المحلية التي برزت في الجزيرة العربية وبلاد الشام. ويلاحظ أن تأثير أفكار ومواقف رشيد رضا من هذه التطورات المهمة كان يرتبط بالحامل أو الناقل لهذه الأفكار والمواقف، ألا وهي مجلة"المنار"التي أصدرها رشيد رضا في القاهرة في 1315 ه/ 1898 م. ثم يناقش مفهوم رشيد رضا للعروبة، والعلاقة بين العروبة والإسلام، والموقف من الثورة على السلطان عبدالحميد الثاني، وكذلك الموقف من سلطة"الاتحاد والترقي"ومن الثورة العربية، والمساهمة في تأسيس الأحزاب السياسية الجديدة. ويرى د. أنيس أبيض أنه إذا كان من الإنصاف القول بأن موقف رضا صاحب"المنار"من التطورات الداخلية والخارجية التي شهدتها الدولة العثمانية على صعيد علاقاتها بأفراد رعيتها من العرب وسائر الأجناس، قد تحدد في ضوء المطالب العربية التي عكست حاجة العرب لمزيد من الإصلاحات داخل الولايات العربية، فإن هذا الموقف قد اتخذ رؤى عدة ارتبطت بمدى التجاوب الذي صدر عن عاصمة الدولة العلية لتحقيق المطالب الإصلاحية، وفي ضوء الممارسات الداخلية لحكام الولايات والتطورات التي حدثت عقب سقوط حكم السلطان عبدالحميد الثاني ومجيء جمعية"الاتحاد والترقي"إلى الحكم، وصولاً إلى تسلم الكماليين سدة السلطة وإعلانهم إلغاء الخلافة العثمانية. كان همّ رشيد رضا في البداية منصباً على تضييق الفجوة التي بدأت تتسع بين العرب والترك، والعمل على تجميع العناصر التي تكونت منها الدولة العثمانية تحت شعار العثمانية، على الرغم من كثرة الأخطاء التي ارتكبها الحكم العثماني، وعمل رضا على تقوية الرابطة العثمانية على أنها وثيقة العلاقة بالعقيدة والدين، تحت شعار سلطان الدين واستمرار الخلافة الإسلامية التي ترمي إلى استمرار سلطة الإسلام الدينية والسياسية، لذلك لم يكن غريباً أن يعتز بعثمانيته وأن يمتدح الدولة"لأنه يرى في ذلك استجابة لمشاعره الإسلامية ولحضور الدولة السياسي. لكنه تغير بعد أن رأى تنامي العصبية التركية والجهر بالدعوة إلى الطورانية، فبدأ بنقد السياسة العثمانية وحكامها، وعادى السلطان عبدالحميد، ونادى بالإصلاح السياسي وبالشورى داخل الدولة العثمانية. پ پ وحاول محمد رشيد رضا، في ظل الواقع المتردي، أن يسخر جلّ عمله الإصلاحي في تصحيح المسار وتوضيح عالمية الإسلام لا إقليميته، والدعوة إلى الإسلام الذي يكتنف المنظومات، لا الذي تكتنفه تلك المنظومات، ما دفعه إلى أن يطلق صيحة مدوية في الفكر الإسلامي، أيريد المسلمون إسلام الواقع التاريخي الذي مثلته الأنظمة، أم إسلام النص الذي مثلته القيم الحاكمة والمقاصد العليا؟!. پپپويعتبر د. بسام العموش محمد رشيد رضا علماً من أعلام الإسلام في القرن العشرين وهو في الوقت نفسه أحد رواد المدرسة السلفية، فقد جمع بين الأصالة والحداثة، وعرض لنا إسلاماً حضارياً نفاخر به بين الأمم. پپغير أن سلفية الشيخ رضا هي سلفية متفتحة، كونها قائمة على الاحترام للسالفين وتقديرهم دون الوصول إلى تقديسهم. وهي سلفية الانفتاح على العصر دون الذوبان فيه. پپويقرر د. رائد عكاشة أن البحث عن قدرة الإنسان في تحديد مساره، له دور بارز في انتشار اجتهادات الشيخ رضا، لا سيما في ما يتعلق بقضايا الإسلام السياسي، التي عرض فيها إشكالية العلاقة بين النص والواقع في ظل حرية متاحة"إذ ليس من حدود مفتوحة للإفصاح عن التفكير بغير الحرية، وليس من ذهن تتاح له سعة التفكير بغير وجود للحراك في الواقع، وليس من واقع يتحرك ليتغير ما دامت مسوغات صعود الأفراد على ما هي عليه، ممثلة في الوقوف عند الماضي دون النظر إلى الحاضر والمستقبل.پ پپوفي بحثه في معالم فقه المقاصد عند رشيد رضا يرى د. عبدالرحمن الكيلانيپأن رشيد رضا انتهى أخيراً إلى أن هدف القرآن الكريم بمقاصده العشرة السابقة هو إصلاح البشر وتكميل نوع الإنسان من جميع نواحي التشريع الروحي منها والأدبي والاجتماعي والمالي والسياسي، مما اشتدت إليه حاجة الشعوب والدول في هذا العصر. وأن موضوع القرآن الكريم وإعجازه، يضطر العقل إلى الجزم بأن هذا كله فوق استعداد بشر أمياً أو متعلماً، وأنه لا يعقل إلا أنه وحي من الله تعالى. وإذ قد ثبت هذا فالواجب على كل من بلغه من البشر أن يتبعه ويهتدي به، لتكميل إنسانيته وإعدادها لسعادة الدنيا والآخرة.پ پپأما بخصوص الأبحاث التي حاول محمد رشيد رضا أن يوضح مسائلها حول الوحي، فيبدو أنها قد فتحت الأذهان، فدارت بعده كتابات عنها معززة ومؤيدة، فأورد كتّابها مجموعة من الأدلة والاستنباطات التي أثبتت أن الوحي ليس من قبيل الوحي النفسي الذي هو حديث النفس وإلهامها الفائض من استعداد النفس العالية والسريرة الطاهرة، بل أن الوحي كما يقول القسطلاني:"أمر طارئ زائد على الطباع البشرية"، خارجي عن النفس والباطن، لا يخضع لأي تفسير عليهما.