بدأت قضية حظر "حزب العدالة والتنمية" بفاجعة قانونية، وانتهت بأخرى. ففي 27 نيسان أبريل 2007، نشر الجيش التركي بياناً نارياً يهدد فيه الحكومة، مخالفاً القانون. وجاء الرد على هذا البيان والتهديد في نتائج انتخابات تموز يوليو 2007. فزادت حصة الحكومة من أصوات المقترعين. وواصلت الحكومة احتكار الحكم. وتراجع الجيش على وقع هذه الصفعة. فتقدم القضاء، وحل محله في محاربة الحكومة. و"فبرك"مدعي عام محكمة الاستئناف قضية تطالب بحل"حزب العدالة والتنمية"الحاكم، وتتهمه بمعاداة العلمانية. ولكن أين حكمة المحكمة الدستورية من هذه القضية؟ فطلب ستة قضاة حظر الحزب الحاكم، نزولاً على قناعتهم بأنه بؤرة معاداة العلمانية. ووافق هؤلاء أربعة قضاة آخرون. ورأى القضاة الأربعة أن جزاء الحزب الحاكم هو حرمانه من نصف موازنة التمويل الحكومي المالية، عوض حلّه. فهل ثمة ما يسخر بالقانون اكثر من هذا الحكم؟ وهل هو، أي الحكم، تخريجة سياسية هدفها معاقبة الحزب واثبات التهمة عليه من دون أن تحظره، لتجنب عواقب حل الحزب الحاكم السياسية والاقتصادية؟ ولا شك في أن قرار إدانة الحزب الحاكم وعدم حظره، ومنع المحكمة الدستورية ارتداء الحجاب في الجامعات، وإلغاء نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في العام الماضي، هي قرارات سياسية قضائية تولت تنفيذ انقلاب نيابة عن الجيش. فالمؤسسة العسكرية عجزت عن القيام بانقلاب عسكري. وحال بين الجيش وبين الانقلاب عدم اقتناع الشعب والمجتمع الدولي بمسوغات الانقلاب. والحق أن لوثة السياسة أصابت قضاءنا ومحاكمنا، شأن حزبنا الحاكم. فتركيا، وهي الجمهورية العلمانية، يحكمها حزب ثبت قضائياً انه يعادي العلمانية. ومن يحسبون انهم أسياد البلاد الحقيقيون لم يعد في وسعهم أن ينهشوا لحومنا، على ما فعلوا في السابق متذرعين بحماية العلمانية. ولكنهم لم يفقدوا القدرة على إلحاق الأذى بتركيا. وعلى تركيا ان تلجأ الى انتخابات مبكرة تُذكر القضاء أن ثمة شعباً يعيش في تركيا من حقه أن يُستفتى، ويُسأل رأيه. ويجب أن يتسنى للعلويين والأكراد والمتدينين وغيرهم العيش في بلدهم آمنين، وأن تحفظ حقوقهم وتصان. وحري بالأحزاب السياسية، ومنها الحزب الحاكم، ان تعدل عن النفاق، وأن تتوقف عن البحث عن طرق الاستفادة من ثغرات الدستور التركي المتآكل. فالحزب الحاكم لم يبادر الى تعديل الدستور، وإلغاء مادة حظر الأحزاب عندما حظرت المحكمة حزباً منافساً له، ولم يتمرد على هذا الإجراء غير الديموقراطي، في وقت خدم الإجراء هذا مصالحه. ولكنه لعن مادة حظر الأحزاب الدستورية، حين استهدفته. وعلى الأتراك ان يصيغوا دستوراً جديداً. وحريّ بالجيش ان يمتنع عن التدخل في السياسة. ولا شك في أن قرار المحكمة الأخير، على رغم غرابته وخروجه على روح القانون، هو فرصة إعادة الحال الى الوراء، وبدء صفحة جديدة، عوض المراوحة في مكاننا، والقول إن قرار المحكمة السياسي يعزز استقرار تركيا. فهذا الضرب من المراوحة، والإشادة بقرار سياسي ضعيف الصلة بالعدالة القضائية، يعود بالويلات على تركيا. فقرار المحكمة درس بعناية، وهو قرار سياسي. وقد نسدد ثمن تصديقنا أن قرار المحكمة نزيه وحيادي. عن أحمد الطان،"طرف"التركية، 31/7/2008