شهد اجتماع مجلس شورى جماعة "الإخوان المسلمين" أواخر تموز يوليو الماضي، في أول اجتماع له بعد انتخابه، مفاجأة من العيار الثقيل تمثلت بملامح تفاهم بين جناح الحمائم والوسط وما سمي بالتيار الرابع، في حين أبدى عدد من قيادات جناح الصقور في الجماعة تحفظهم على هذه التوافقات وعلى بقاء قيادات الحمائم في المكتب التنفيذي للجماعة. اجتماع الشورى رفض استقالة أربع من قيادات المكتب التنفيذي في الجماعة من المحسوبين على جناح الحمائم، الذين وعدوا بالعدول عن الاستقالة، إذا تم الالتزام بمطالب حيوية، من ضمنها استمرار محاكمة زكي بني ارشيد، أمين عام جبهة العمل الإسلامي وترتيب أوضاع"جبهة العمل الإسلامي"بما يحد من الخلافات بين ارشيد والمكتب التنفيذي للحزب. وبذلك يمكن القول أنّ جماعة الإخوان تجاوزت، مرحلياً،"الوعكة التنظيمية"التي تعاني منها منذ سنتين. وثمة مؤشرات على أنّ الجماعة تتعافى بالفعل من أعراض تلك الوعكة، وأنّها في الطريق إلى الخروج بسلام من أخطر منعرج تمر به. ويبدو إنّ العامل الرئيس الذي ساعد على تخطي اجتماع مجلس الشورى الأخير بنجاح، بصورة استثنائية، كان انتاح الدولة على كلّ من"الإخوان"وحركة"حماس". وهو ما دفع الأجنحة الرئيسة في"المطبخ الإخواني"لإعادة حساباتها وترتيب أوراقها من جديد، وقلب - في الوقت نفسه - القراءة السابقة، وخلق إرهاصات من التفاهم بين جناح الحمائم والوسط وبين التيار الرابع، إذ يشكلان مجتمعين جيل الشباب داخل جماعة الإخوان، وكانا متحدين سابقاً، قبل أن يخرج قادة"حماس"من الأردن في نهاية عام 1999. ثمة مؤشرات، لدى قيادات إخوانية، أنّ المرحلة المقبلة ستحظى بتهدئة، بل وانفتاح على المؤسسة الرسمية، خصوصاً مع وجود ملامح تحول في العلاقة مع حركة"حماس"أيضاً. فوقائع اللقاءين اللذين جمعا مدير المخابرات العامة الأردنية اللواء محمد الذهبي مع نواب يمثلون جماعة الإخوان ثم مع قياديين من حركة"حماس"، كانت مختلفة تماماً عن اللقاءات السابقة، وتبعتها خطوات في الاتجاه نفسه، كتجميد التنقلات داخل"جمعية المركز الإسلامي"التي تمثل إحدى أبرز المؤسسات المالية والاجتماعية الإخوانية سابقاً، وقامت الدولة بنقل إدارتها للجنة موقتة معينة من الدولة ووعود بحل القضية، بالإضافة إلى مؤشرات حول"القضايا الأمنية"المنظورة في محكمة أمن الدولة المتعلقة بحركة"حماس"، وصولاً إلى الموافقة الرسمية على إقامة حفل ذكرى"الإسراء والمعراج"في المدرج الروماني. ويبدو إنّ الوقائع على الأرض وتحولات المعادلة الإقليمية والداخلية دفعت إلى الانفتاح السياسي الحالي. فعلى الصعيد الإقليمي"بدأت تتشكل قناعة في دوائر صنع القرار، في عمان، بأنّ آفاق التسوية التي تم الرهان عليها تتلاشى على الأقل خلال المرحلة الحالية، في المقابل يبدو موقف الرئيس الفلسطيني عباس ضعيفاً حتى في الضفة الغربية، بينما تمكّنت"حماس"من تجاوز عنق الزجاجة والاحتفاظ بالسلطة في غزة بل وتعزيزها باتفاق التهدئة مع إسرائيل. في الجهة الأخرى"لا يبدو المكتب السياسي لپ"حماس"مطمئناً لمسار الأمور مع دمشق، خصوصاً مع فتح باب المفاوضات السورية- الإسرائيلية عبر تركيا، وفي ظل مؤشرات على تحولات إقليمية تجعل من"حماس"والمقاومة العراقية والمعادلة اللبنانية"أوراقاً"في الصفقة الكبرى. في المقابل"فإنّ وجود علاقات استراتيجية مع الأردن يوفر للحركة ملاذاً آمناً وحضناً دافئاً تمتعت الحركة فيه منذ تأسيس مكتبها السياسي من رحم قسم فلسطين في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، إلى حين تأزم العلاقة مع الأردن عام 1999. وتشير مصادر إخوانية الى أنّ لقاءات أخرى شملت أيضاً حواراً بين قياديين من حركة"حماس"وجماعة الإخوان، وتمّت مناقشة الأزمة الإخوانية وموقف حركة"حماس". ويشير مصدر مستقل إلى أنّ قادة حماس في دمشق أكدوا له حرصهم على عدم"تحمل قضية الإطاحة بسالم الفلاحات"وتجنب الزج بهم في المعركة الداخلية الإخوانية، وهو ما دفع الحركة إلى مساعدة قيادة الإخوان على تجاوز هذه الأزمة. الجماعة ستدخل في الأيام المقبلة في مرحلة ترتيب الأوراق الداخلية، وفقاً للتفاهمات الجارية، وانعكاساً لحالة الانفتاح السياسي مع الحكومة. ومن المتوقع أن تشمل الصفحة الجديدة في العلاقات أيضاً حركة"حماس"، وقد تكون مقدمة لتدفق المياه الدافئة بين الإسلاميين الأردنيينوالفلسطينيين والحكم واستعادة النموذج التاريخي المتميز في العلاقة بين الطرفين في المنطقة، إذ أشارت مصادر من داخل حركة حماس"أنّ الأردن أبلغ القيادة بفتح صفحة جديدة منذ تاريخ 21 تموز يوليو 2008". ترتيب الأوراق الإخوانية يحمل استحقاقات داخل الجماعة تتكيف مع استحقاقات التهدئة مع الدولة، وتتضمن تغييرات في المطبخ القيادي، خصوصاً مع المرحلة الاقتصادية الحالية الحرجة وصعود أصوات معارضة سياسية داخلية أخرى، أكثر شراسة وحدة من المعارضة الإسلامية التي قبلت بالانتظام في اللعبة السياسية واحترام الخطوط الحمر في أغلب الأحيان. ما سبق لا يعني بأنّ العلاقات بين الأجنحة الإخوانية ستختلف جذرياً، لكن التفاهم بين كل من جناح الحمائم والوسط والتيار الرابع سيكفل غالبية مريحة لهما في مجلس الشورى على رغم معارضة عدد من قيادات جناح الصقور، ظهرت علاماتها في اجتماع الشورى الأخير، وبالوقوف الحاسم من قبل سعود أبو محفوظ وفرج شلهوب ضد استقالة القيادات المعتدلة الأربع من المكتب التنفيذي في الجماعة. في الوقت نفسه"فإنّ الرواية الرسمية لا تقدم أية توضيحات حول اللقاءات السابقة، وإن كانت المؤشرات العملية تخدم هذا التفسير. إلاّ أنّ التقدير الأدق وعدم المجازفة بالتفاؤل بنتائج الانفتاح الحالي يدفعان إلى القول بأنّ العلاقة بين الدولة وكل من الإسلاميين وپ"حماس"تمر حالياً في مرحلة"اختبار النوايا والتوجهات"واكتشاف الآفاق المستقبلية المحددة لصيغة العلاقة القادمة المرتبطة بالضرورة بالمتغيرات الداخلية والخارجية.