كشفت مؤسسة فيديرالية وتصريحات لرئيستها تعتبر سابقة، أن آفاق مصارف أميركا، التي تتعدى أصولها 11 تريليون دولار ويزيد عددها على ثمانية آلاف، ليست"سيئة"فحسب، بل أنها"تزداد تردياً"بعد المغامرة الكارثية التي خاضتها، بمشاركة عمالقة شركات الوساطة المعروفة بپ"المصارف الاستثمارية"، في تمويل ما وصفه مسؤولو وزارة الخزانة الأميركية، بالإقراض السكني المبتكر ولكن غير المسؤول، وتسنيد الرهون العقارية العالية الأخطار. وجاء الإعلان والتصريح الجريء لرئيسة"المؤسسة الفيديرالية لضمان الودائع"المصرفية شيلا بير، بعد تأكيد مكتب التحليلات الاقتصادية التابع لوزارة التجارة، أن حجم التزامات المصارف الأميركية من ودائع وقروض حصلت عليها من مصارف مركزية ومستثمرين أفراد أجانب حتى نهاية 2007، تجاوز حاجز أربعة تريليونات دولار، تعادل 20 في المئة من المحصلة الإجمالية للأموال الأجنبية الموظفة في أميركا. ووفقاً للتقرير الفصلي الذي أصدرته المؤسسة الفيدرالية الثلثاء عن الفصل الثاني من 2008، ارتفع عدد القروض الهالكة والمتعثرة لدى المصارف الأميركية من رهنٍ سكني أو غيره، إلى أعلى مستوى في عقد ونصف عقد. وترتب على ذلك انهيار أرباح المصارف التجارية والادخارية إلى أقل من خمسة بلايين دولار، مقارنة ب 37 بليوناً في الربع الثاني من السنة الماضية، وازدياد عدد المصارف المهددة بالإفلاس إلى 117، حجم أصولها 78 بليوناً. ولم يكن ما حصل في الفصل الثاني من هذا العام، المرة الأولى التي تخرج فيها المصارف الأميركية بأداء كارثي، إذ أن أرباحها، التي راوحت فصلياً بين 31 و38 بليون دولار في فترة الازدهار التي امتدت من بداية 2004 إلى حين انفجار فقاعة الرهن العقاري العالي الأخطار منتصف 2007، لم تتجاوز 5.8 بليون دولار في الفصل الرابع من 2007 وانخفضت - في تحسن لم يدم طويلاً - بمقدار النصف إلى 19 بليون دولار في الربع الأول. وأشارت المؤسسة الفيديرالية إلى أن المصارف الكبرى لعبت الدور الرئيس في انهيار الأرباح، وعزته لاضطرار القطاع المصرفي إلى زيادة مخصصات القروض الهالكة في أرباحه 50 بليون دولار، ما يوازي خمسة أضعاف المستوى الذي كانت عليه في الفصل الثاني من 2007. ولفتت إلى أن 18 في المئة من المؤسسات المالية المضمونة من مصارف تجارية وادخارية، خرجت بأداء سلبي من الفصل الثاني الماضي. وإن لم تكشف، التزاماً بقوانينها، هوية المصارف المأزومة. ولا تحتاج تبعات مغامرة الرهن العقاري إلى خرق قوانين المؤسسة الفيديرالية، فطبقاً لأحدث محصلة، بلغ حجم الخسائر التي أفصحت عنها المؤسسات المالية الأميركية الكبرى "سيتي غروب"وپ"بنك أوف أميركا"وپ"مورغان ستانلي"وپ"جي بي مورغان تشيز"وپ"ليمان براذرز"وپ"غولدمان ساكس"وپ"ميريل لينش" 168.9 بليون دولار. وتشكل هذه الخسائر 67 في المئة من الأرباح التي حققتها المؤسسات السبع من عمليات تسنيد الرهون العقارية في فترة الازدهار 2004- 2007. وفي مفارقة مكلفة أميركياً وعالمياً. لم تنحصر تداعيات أزمة الرهن العقاري في المؤسسات المالية الأميركية الكبرى، إذ أن الخسائر الأميركية المعلنة حتى الآن، بلغت 235 بليون دولار. أما الخسائر العالمية التي تشمل خسائر المؤسسات المالية الكندية والأوروبية والآسيوية إضافة إلى الأميركية، فتجاوزت 500 بليون، ويتوقع أن تصل في إلى 950 بليوناً بحسب صندوق النقد الدولي وإلى تريليوني دولار بحسب محلل أميركي واحد على الأقل. وعكس الاعتراف الرسمي في شأن الأوضاع السيئة للقطاع المصرفي، تسارع عملية التصحيح التي يشهدها قطاع السكن منذ بلغت أسعار المنازل ذروتها نهاية 2006، بحيث أعلنت مؤسسة"ستاندرد آند بورز"الثلثاء أن مؤشرها الشهير"ستاندرد آند بورز/ كيس ? شيلر" الذي يرصد تطور أسعار المنازل في الولايات الأميركية كلها، انخفض 15.4 في المئة في الفصل الثاني متسارعاً من 14.2 في المئة في الفصل الأول. لكن تأكيد المؤسسة الفيديرالية، أن أوضاع القطاع المصرفي مرشحة لمزيد من التردي، استبعد فعلياً إمكان حدوث انتعاش مبكر في النشاط الائتماني الذي يعتبره محللون ماليون شرطاً أساسياً لعودة الحياة إلى قطاع السكن، معززاً بالتالي توقعات محللين اقتصاديين، بأن الاقتصاد الأميركي في طريقه إلى الانزلاق نحو مرحلة من الانكماش، تستمر طوال الفصل الرابع من العام الحالي والفصل الأول من العام المقبل.