منحت لجنة رقابية من الكونغرس المصارف الأميركية الكبرى صك جدارة يعترف بقدرتها على تحمل خسائر إضافية قد تتجاوز 700 بليون دولار نهاية 2010، مرجعة الفضل إلى انتعاش أرباحها في الفصل الأول من السنة الحالية، علاوة على المساعدات الحكومية والاستثمارات الخاصة التي اجتذبتها لردم الحفر التي أحدثتها الأزمة في قواعد رؤوس أموالها. وحذّرتها في المقابل من أن أعمالها لن تستقيم ما لم تتخلّص من الأصول المتعثرة المدفونة في دفاترها. وأفادت اللجنة التشريعية المعنية بمراقبة تطبيق برنامج الأصول المتعثرة الذي أقّره الكونغرس بداية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ورصد 700 بليون دولار لتمويله، أن «المصارف ال 18 الكبرى ستكون قادرة على التصرف إزاء الخسائر المتوقعة التي تلحق بأصولها المتعثرة من دون حاجة إلى زيادة رأس مالها، ويعود الفضل الأكبر إلى انتعاش أرباحها في الفصل الأول من السنة ما يعتبر تطوراً مشجعاً، خصوصاً مع تحسن أوضاع قطاع السكن». وشدّدت اللجنة على أن التحليلات المعمقة التي أجرتها على بيانات المصارف أتاحت التوصل إلى تقدير الخسائر المحتملة في محافظ القروض حصراً، معترفة بتعذر إعطاء أي استنتاج «منصف» في شأن أخطار الأصول الأخرى المتعثرة مثل السندات المعقدة المورقة على الرهون العقارية والقروض التجارية والاستهلاكية التي قيّدت الأزمة الحالية تداولها، وأصبح تقدير خسائرها (أو أرباحها) تالياً غير متاح. لكنها لفتت إلى أن محافظ القروض تشكل جوهر ومحور النشاط المصرفي. لكن استثناء السندات المعقدة المورقة على الرهون، أهم المنتجات المبتكرة، لا يقلل من خطورتها إذ لعبت الدور الرئيس في تشكل فقاعة الرهون العقارية الرديئة التي ألحق انفجارها إثر انهيار أسعار المنازل خسائر هائلة لم يعلن منها في أميركا حتى الآن سوى 500 بليون دولار، وإن نجم عنها إفلاس مصارف استثمار مثل «ليمان براذرز» أو بيع ذاتها إلى مصارف تجارية مثل «ميريل لينش» أو تحولها إلى شركات قابضة مصرفية مثل «مورغان ستانلي» و «غولدمان ساكس.» وقدرت لجنة الكونغرس الخسائر المتوقع أن تلحق بمحافظ قروض المصارف الكبرى بنحو 740 بليون دولار وحددت المجال الزمني لها بالفترة من نهاية الفصل الأول من 2009 إلى نهاية 2010 لكنها أغفلت الخسائر التي تحققت فعلياً منذ بداية الأزمة. وفي الإطار ذاته قدر مجلس الاحتياط الفيديرالي هذه الخسائر بنحو 600 بليون وأدلى صندوق النقد بدلوه متوقعاً خسائر جديدة بنحو 550 بليون دولار رافعاً إجمالي الخسائر إلى تريليون و60 بليوناً ومثله قدر «غولدمان ساكس»، الخسائر الجديدة والإجمالية بنحو 450 و960 بليوناً. وفي حين افترض المصرف المركزي انخفاض أسعار المنازل بنسبة 47 في المئة لتحقق الخسائر المتوقعة، انحصرت افتراضات الأطراف الأخرى بانخفاض أقل حدة بلغ في المتوسط 40 في المئة. ويبدو أن معظم الافتراضات اقتربت من لحظة الحقيقة بعدما كشفت مؤسسة التصنيف الائتماني «ستاندرد آند بورز» نهاية الشهر الماضي انخفاض مؤشر «شيلر (20 مدينة)» من الذروة في الفصل الثاني من 2006 إلى أيار (مايو) الماضي 32.3 في المئة. وأوضحت اللجنة أن قدرة المصارف الكبرى على استيعاب الخسائر لم تنجم عن انتقالها إلى تحقيق الأرباح وتحسن أوضاع قطاع السكن، أقله ما أكدته «ستاندرد آند بورز»، من تباطؤ وتيرة انخفاض أسعار المنازل، وقد تعززت أيضاً بما أكدته وزارة الخزانة من انتعاش قطاع المال في النصف الأول من السنة وأبرزت أهم مؤشراته انخفاض كلفة الاقتراض بالنسبة للشركات بتقلص هامش الفائدة التي تدفعها لحملة سنداتها العالية الجودة، وازدياد إقبال المستثمرين على السندات المرتفعة العائد. لكن ضخامة الخسائر التي تحققت فعلياً أو تنتظر الأصول المتعثرة المدفونة في الدفاتر، أظهرت مدى طول الطريق ووعورتها، التي يتحتم على المصارف الأميركية اجتيازها لتجاوز آثار أزمتها، لا سيما أن هذه الخسائر ليست أرباحاً غير محققة فحسب بل هي أيضاً استنزافٌ لرؤوس أموالها ذي التبعات الطويلة الأجل. ولم يكن مفاجئاً أن يعلن مساعد وزير الخزانة للاستقرار المالي هيربرت آليسون بصراحة مفرطة أخير أن «إغراء الأرباح أغلق عيون المصارف عن أخطار المنتجات المالية المبتكرة». وأشار أليسون إلى عامل لعب دوراً أكثر خطورة في الخسائر المصرفية يتلخص في مراهنة اللاعبين الكبار على أن «انخفاض أسعار المنازل أمر مستحيل». وتشير تقارير «مؤسسة ضمان الودائع» و «ستاندرد آند بورز»، إلى مدى النجاح الذي حققه المراهنون، إذ بدأت أسعار المنازل مسارها التصاعدي في 2003، ومنها حققت أرباح المصارف قفزات رفعتها من 25 بليون دولار في الفصل الأخير من 2002 إلى 38 بليوناً في الفصل الثالث من 2008. لكن 625 بليوناً فقط من الأرباح المتراكمة تحققت للمصارف في هذه الفترة التاريخية التي انتهت بانفجار أزمة المال وبدء مسلسل الخسائر الذي لا يزال مستمراً.