أكد الكرملين ان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف وقع أمس على اتفاق لوقف النار أبرم بوساطة فرنسية، لإنهاء الأعمال القتالية مع جورجيا حول اقليم أوسيتيا الجنوبية الانفصالي. وقالت كبيرة الناطقين باسم الكرملين نتاليا تيماكوفا:"أبلغ الرئيس المشاركين في اجتماع مجلس الأمن الروسي أنه وقع للتو الخطة المكونة من ست نقاط". في غضون ذلك، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان موسكو ستسحب قواتها من منطقة الصراع بمجرد وضع ترتيبات أمنية اضافية هناك. وأضاف أن الرئيس الروسي أمر بإجراءات أمنية اضافية في المنطقة، ولكن لم يذكر المزيد من التفاصيل. وتابع:"أصدر الرئيس أمراً للسلطات المعنية للبدء في اتخاذ إجراءات أمنية إضافية تتضمنها الخطة المؤلفة من ست نقاط... بتنفيذ هذه الإجراءات الأمنية سيجرى سحب القوات". وفي وقت سابق، وعد لافروف نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس بأن روسيا ستطبق"بنية طيبة"اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعه الجمعة الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، بحسب مسؤول اميركي رفيع. واتصلت رايس بلافروف من الطائرة التي كانت تقلها الى بلادها، بعد زيارتها تبليسي. وقال مصدر عسكري روسي إن تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار مع جورجيا وسحب القوات الروسية من هذا البلد مرهون بالشروع في تطبيق كل بنود خطة التسوية الستة، فيما اعتبر خبراء روس أن موسكو"قررت من حيث المبدأ الاعتراف باستقلال إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا"عن جورجيا. وقال مصدر عسكري روسي ل"الحياة"أمس، إن بلاده تعتبر خطة التسوية التي تم التوصل إليها خلال اجتماع الرئيسين الروسي ديمتري ميدفيديف والفرنسي نيكولا ساركوزي في موسكو قبل أيام"خطة عمل متكاملة ولا يمكن التعاطي مع بعض بنودها وإهمال غيرها"، في إشارة إلى أن توقيع ميدفيديف الخطة أمس"لا يعني تلقائياً شروع موسكو في سحب قواتها من المناطق الجورجية التي تتمركز فيها". ومعلوم أن الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي كان وقع أول من أمس على الخطة التي وقعها قبل ذلك رئيسا إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الساعيان إلى الانفصال عن جورجيا. وبحسب المصدر العسكري فإن سحب موسكو قواتها من المناطق التي توغلت فيها، ووقف عمليتها العسكرية"هو واحد فقط من المبادئ الستة التي تم التوصل إليها"، وتطبيقه"مرهون بشروع المجتمع الدولي في تطبيق الخطة كاملة"، علماً أن بنود خطة التسوية هي: عدم اللجوء مجدداً إلى استخدام القوة ووقف العمليات العسكرية فوراً، وفتح جميع المنافذ المتوافرة لوصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وعودة القوات الجورجية إلى المواقع التي انطلقت منها نحو اوستيا الجنوبية، وتراجع القوات الروسية إلى خط ما قبل بدء القتال، وإطلاق مناقشة دولية لتحديد وضع أوسيتيا الجنويبة وأبخازيا المستقبلي. وبحسب محللين روس فإن إعادة العسكريين الروس إلى مبدأ التوازي في تطبيق المبادئ الستة، ربما يعني أن موسكو لن تعود إلى المواقع التي انطلقت منها قبل بدء القتال إلا بعد انطلاق عملية النقاش الدولي لتحديد مستقبل الإقليمين الانفصاليين .وقال أحد الخبراء ل"الحياة"إن موسكو تقوم حالياً"بتدمير البنى العسكرية التحتية في المناطق التي تسيطر عليها"عبر تدمير مستودعات الأسلحة والذخيرة والآليات وغيرها من المعدات بهدف حرمان الجورجيين من القدرة على شن هجمات عكسية أو حملات انتقامية من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا لمدة طويلة مقبلة". اللافت أن هذه التطورات تزامنت مع تزايد القناعة لدى خبراء روس بأن موسكو اتخذت قراراً من حيث المبدأ بالاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا بصرف النظر عن الموقف الغربي المعارض كما يقول نيكولاي سيلايف، أحد أبرز الخبراء في شؤون القوقاز، مذكراً بأن الوضع الحالي يوفر لموسكو التي تجاهل الغرب رفضها إعلان استقلال كوسوفو أحادياً من أجل منح الإقليمين استقلالاً تحت وصايتها. وهذا ما دل إليه بحسب الخبير حديث الرئيس الروسي أول من أمس مع رئيسي الإقليمين الانفصاليين عندما قال : إن روسيا ستؤيد أي قرار يتبناه شعبا اوسيتيا الجنوبية وابخازيا. رايس الى ذلك، كتبت صحيفة"كومسومولسكايا برافدا"الشعبية"كان هناك آمال في تبليسي بأن رايس ستحمل معها الى جورجيا مشروع قرار يدين روسيا. لكن ذلك لم يحصل". وأضافت ان رايس جاءت في مهمة"دعم لجورجيا"لكن"الهدف الرئيسي لزيارتها كان اقناع ساكاشفيلي بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار". واعتبرت صحيفة"كوميرسانت"ان"الزعيم الجورجي لم يكن موافقاً على التوقيع حتى يوم امس، خشية ان تؤدي هذه الخطة الى تشريع وجود قوات السلام الروسية في منطقة النزاع"، لكن رايس اقنعته بأن"الخطة لن تسيء له بشيء". وأضافت الصحيفة ان"تبليسي كانت تحتج على النقطة التي تنص على انه الى حين تشكيل بعثة دولية لمنطقة النزاع، على قوات السلام الروسية ان تتخذ اجراءات امنية اضافية". وتشهد المفاوضات حول صدور قرار من مجلس الأمن يطلب وقف اطلاق النار، تعثراً وسط محاولات روسيا عدم تضمين القرار اشارة الى احترام وحدة أراضي جورجيا. وقال ديبلوماسي غربي رفض كشف هويته لوكالة فرانس برس"في المبدأ، نرغب في التصويت على القرار نهاية هذا الأسبوع". وتدارك الديبلوماسي القريب من المفاوضات:"لكننا سنأخذ كل وقتنا. لن نتقدم بمشروع قرار اذا علمنا ان الروس سيستخدمون حق الفيتو. هذا لا يعني ان علينا اعطاءهم كل ما يطلبون. المفاوضات صعبة". بوش وكبار مساعديه في مزرعته في تكساس، أجرى الرئيس الأميركي جورج بوش محادثات امس مع كبار مساعديه في مجال الأمن القومي، لبحث التحركات المقبلة في مسألة النزاع بين جورجياوروسيا. واستمع بوش الى تقرير وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس حول مهمتها الى جورجيا وفرنسا. وبحث الرئيس ووزيرة الخارجية مع وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس ومستشار الأمن القومي ستيفن هادلي عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة هذه الأزمة. وقال بوش في كلمته الإذاعية الأسبوعية ان"العالم راقب بقلق كيف اجتاحت روسيا دولة مجاورة تحظى بالسيادة وهددت حكومة منتخبة ديموقراطياً من قبل شعبها. هذا العمل غير مقبول تماماً من قبل دول العالم الحرة". في غضون ذلك، يجمع خبراء على ان فكرة استخدام السلاح الاقتصادي لمعاقبة روسيا تصطدم بضوابط بالنسبة للولايات المتحدة ما يجعل التهديد غير فعال كثيراً. وعلى رغم إصرار المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية جون ماكين على المطالبة بفرض عقوبات على روسيا، يبدو انه سيكون من الصعب الإقدام على هذه الخطوة ضد دولة عضو في مجلس الأمن الدولي تجري واشنطن معها مفاوضات حول الملف النووي الإيراني. عواقب سياسية لمّح وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند في حديث لصحيفة"بيلد ام سونتاغ"الألمانية إلى ان النزاع المسلح في جورجيا قد تنجم عنه عواقب سياسية على روسيا. وقال ميليباند:"سيضطر الاتحاد الأوروبي للتفكير في الطريقة التي يريد فيها مواصلة المفاوضات حول اتفاق الشراكة والتعاون مع روسيا". وأضاف:"على روسيا أن تعترف بأن الحقوق مرتبطة بالواجبات في النظام الدولي، وفي حال التخلف عن الواجبات ستترتب عواقب سياسية"، مشدداً على ضرورة احترام سيادة جورجيا ووحدة أراضيها. واعتبر ميليباند"انه من الضروري تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار الآن في شكل صحيح"، وان"تتولى الأسرة الدولية معالجة الأزمة الإنسانية في المنطقة". وأضاف ان"على الاتحاد الأوروبي ان يدرس امكانية نشر قوات دولية على الأرض". جثث في تسخينفالي، دعا المدعي العام في اوسيتيا الجنوبية جورجيا الى سحب جثث جنودها التي تعد"بالمئات"، بحسب قوله، والتي لا تزال في الجمهورية الانفصالية منذ بدء النزاع المسلح بين جورجياوروسيا. وقال المدعي العام تيموراز خوغاييف:"اعتقد اننا سنجد مئات الجثث"، مضيفاً:"بقي العديد من الجثث في القرى. اعتقد ان جورجيا تسعى الى اخفاء الخسائر التي تكبدتها في اوسيتيا الجنوبية". وتابع:"ليست لدينا اتصالات مع الجانب الجورجي، ونحن مستعدون لتسليم الجثث الى العائلات اذا تقدمت لاستردادها". وأشار المدعي العام الى ان البرادات في المشرحة المحلية لا تعمل، مضيفاً:"كلما مر الوقت، كلما تضاءلت فرص التعرف الى الجثث التي بدأت تتعفن". ورأى شهود مشرحة مستحدثة في مجمع جامعي قيد البناء في ضاحية تسخينفالي، عاصمة اوسيتيا الجنوبية. ووُضِع 43 نعشاً خشبياً على العشب، بعضها مغطى بقماش احمر، وتنبعث منه رائحة قوية. وأوضح المدعي العام ان الجثث في هذه المشرحة منذ اسبوع، مضيفاً:"سندفنها اليوم أمس هنا، اذا لم تتصل بنا العائلات". وقرب النعوش، جثة لجندي بالملابس القتالية، ظهر منها فقط الساقان، ولم يكن ممكناً بالتالي التأكد ما اذا كان جورجياً او اوسيتياً. ميدانياً، قال رئيس الوزراء الجورجي لادو غورجينادزه ان الجنود الروس فجروا جسراً رئيسياً للسكك الحديد أمس، ما قطع الخط الرئيسي الذي يصل بين شرق البلاد وغربها. وأكد الناطق باسم الداخلية الجورجية شوتا أوتياشفيلي، ان القوات الروسية فجرت جسراً للسكك الحديد على بعد نحو 45 كيلومتراً من تبليسي. وأظهرت صور احد طرفي الجسر في كابسي وقد انهار على ضفة النهر. وأفاد قرويون بأن عبوة ناسفة فُجّرها من بعد أمس، رجال في زي عسكري، قالوا إنهم روس، الأمر الذي نفاه الجيش الروسي.