باختياره إيفاد مبعوثين الى العواصم المغاربية يكون قائد الانقلاب العسكري الموريتاني الجنرال محمد ولد عبدالعزيز سعى الى تجنيب هذه العواصم حرجاً مفروضاً، أقله أن قادة مجلس الدولة يجددون بهذا الاختيار تمسكهم بانتسابهم المغاربي والتزامهم آفاق الاتحاد المغاربي، على رغم ما يعتريه من جمود. المرجح أن زيارة مبعوث المغرب محمد ياسين المنصوري الى نواكشوط واجتماعه بقائد الانقلاب كانا بمثابة رسالة تعكس اهتمام الرباط بما حدث في موريتانيا. فقد شاءت الصدف أن يكون مبعوثو الجامعة العربية والاتحاد الافريقي والأمم المتحدة الى نواكشوط متحدرين جميعاً من أصول جزائرية، لكنهم ملتزمون مواقف المنظمات الاقليمية والدولية التي يمثلونها. أبعد من مبادرة الجنرال ولد عبدالعزيز في الانفتاح على المحيط المغاربي والافريقي لبلاده أنه يرغب في حيازة شرعية مغاربية لحركته، في إمكانها في أقل تقدير أن تساعد مجلس الدولة على بلورة نياته لجهة اعادة السلطة الى المدنيين بعد فترة انتقالية. بيد أن المجال الذي يتحرك فيه ولد عبدالعزيز يبدو موزعاً بين محاولة الحصول على شرعية الداخل والخارج. فالموريتانيون الموالون للنظام الحالي والمعارضون له يدركون أن التعاطي الاقليمي مع وضعهم الراهن لا يمكن أن يشذ عن قاعدة اعتبار ما يحدث في بلادهم شأناً داخلياً، غير أنهم بالقدر ذاته لا يرغبون أن تكون علاقاتهم مع بلدان الجوار محور منافسة أو مزايدة. فقد استطاعت موريتانيا أن تبقي على علاقات الانفراج ضمن فضائها الطبيعي على قاعدة توازن دقيق يتمثل بحياد ايجابي إزاء الاشكالات الاقليمية المطروحة. وكما توسطت الرباط في وقت سابق لرأب الصدع بين موريتانيا والسنغال أو بينهما وليبيا، حرصت الجزائر على ألا تخسر الود الموريتاني، كون المعادلة الاقليمية تفرض أخذ موقف موريتانيا في الاعتبار. كما تدخل العاهل المغربي الملك محمد السادس لدى الأميركيين لحشد التأييد لانقلاب آب اغسطس 2007، انبرى الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لإفساح المجال أمام التطبيع الموريتاني داخل الاتحاد الافريقي ولم يأل التونسيون جهداً في الدخول على الخط، اذ ما من طرف يرغب في حدوث تغيير على خرائط المنطقة، وليست المشكلة في وقوع انقلاب وانما في ما قد يترتب عنه من تداعيات سيواجه ذيولها الموريتانيون من دون غيرهم. بين هاجس الديموقراطية وضرورات التأقلم مع الوضع الناشئ في موريتانيا، سيكون صعباً على العواصم المغاربية أن تنحاز الى شرعية الامر الواقع أو شرعية الانتخابات، بل سيكون عسيراً عليها أن تلوذ إلى مواقع المتفرجين. فثمة مبادئ وعلاقات ومصالح تتداخل في التعاطي مع الأوضاع في موريتانيا، ليس اقلها ان المواقف التي قد تتخذها الاطراف سراً أو علناً ستنسحب على تطورات الأحداث. غير أن رسائل مبعوثي مجلس الدولة الجديد ستكون قطعت نصف الطريق نحو تقبل الأمر الواقع. كما شكل موقف مفوضية الاتحاد الأوروبي في طلب الافراج عن الرئيس الموريتاني المخلوع ولد الشيخ عبدالله اختراقاً انسانياً لتعبيد الطريق أمام التطورات المتلاحقة. ففي امكان العواصم المغاربية دائماً أن تلوح بورقة حماية وصون حياة الرئيس المُطَاح، وكأنها في مرتبة حماية الديموقراطية. فبعض المشاعر الإنسانية يكون مقدمة لحلول سياسية، ومطلب الابقاء على استقرار موريتانيا وعدم انزلاقها الى صراعات داخلية يفوق في أهميته استبدال الأشخاص والأدوار. في تجارب التعاطي مع الأنظمة العسكرية لن يكون وضع موريتانيا استثناء. والأقرب إلى هذه الحال أن العسكريين في باكستان بزعامة الرئيس برويز مشرّف اعتلوا الواجهة على خلفية الانخراط في الحرب على الإرهاب. ولعل القاسم المشترك بين موريتانياوباكستان أنهما مصنفتان على خريطة المواقع الساخنة في أجندة الحرب على الإرهاب. فثمة مخاوف من أن تتحوّل منطقة الساحل جنوب الصحراء على الحدود مع موريتانيا إلى أفغانستان أخرى. ويبدو أن هذه الورقة لن يتم التلويح بها قبل أن تنفذ جولات المبعوثين الموريتانيين أغراضها في منطقة شمال افريقيا.