في قصيدة رثائية يحاور فيها درويش ظل ادوارد سعيد الحاضر/ الغائب، ويتبادل معه الأدوار، ترفض الأنا الشاعرة ميثولوجيا التسمية، وتبقى منشطرةً على ذاتها، مقيمةً مهاجرةً في اللغة فحسب، عصيةً على التعريف: "لا أعرف نفسي تماماً/ لئلا أضيّعها. وأنا ما أنا/ وأنا آخري في ثنائيةٍ/ تتناغم بين الكلام وبين الإشارة". يتجنّب درويش تعريف ما لا يُعرّف، لكي لا يسقط في التسمية، مفضّلاً المحو على التدوين، والغياب على الحضور، والإشارة على الكلام. ولأن الشاعر يدرك أن الموت هو فعل التسمية الوحيد الذي يلغي المسافة بين الاسم والمسمى، يدخل في غيبوبة طويلة، حالماً باستعارة الليل والنهار في مزهرية واحدة. يقيم درويش في غيبوبته، ليقترب أكثر من مطلق قصيدته، فيصبح المدى أكثر اتساعاً، واللغة أكثر حياةً. لكن غيبوبة درويش لن تكون سوى استعارة أخرى في قصيدة أخرى لن تتوقف عن كتابة نفسها بنفسها، تماماً مثلما ظلّت قصيدة المتنبي أو ويتمان أو ايلوار أو نيرودا، تكتب نفسها بنفسها، من جيل الى جيل. ودرويش، ككل الشعراء الكبار، مقدّر له أن يستمر في كتابة قصيدته، لأنه جزء من ذاكرة ثقافية جمعية، ولأن قصيدته وطن لمن لا وطن له. يرحل الشاعر فيكبر اسمه وتتسعُ صفاته، حتى وان انكسر المسمى ونام على تقشف ظله. ومثل سروته التي انكسرت في احدى قصائده، يغيبُ لكي نرى نحن، قراءه، كم اتسعت، من بعده، سماء القصيدة.