أهمل أتراك كثر الجانب الحقوقي من قضيتي حل"حزب العدالة والتنمية"الحاكم و"حزب المجتمع الديموقراطي"الكردي، وأولوا اهتمامهم النتائج السياسية المحتمل ترتبها على حل أحد الحزبين أو كليهما. ومرد المشكلة الى اقتناع معظم الأتراك بأن في وسع النظام السياسي حظر أحد الأحزاب السياسية من طريق الادعاء عليه قضائياً. ولكن ما نوع الدعاوى التي ترفع في مثل هذه الأحوال؟ فللوهلة الأولى، يبدو أن هذا النوع من القضايا يدرج في باب قضايا الجنايات أو العقوبات الجنائية. فهي تدعي أن الحزب الفلاني أخل بالقانون، وارتكب جريمة جزاؤها حل الحزب، أو حرمان بعض قياداته، أو كلهم، من الانتساب الى حزب آخر طوال خمسة أعوام، ومصادرة الدولة أموال الحزب وممتلكاته. وهذا النوع من الدعاوى هو أقرب الى الدعاوى على شركات تخالف القانون. والحق أن قضايا حظر الأحزاب ليست قضايا جنائية. فحكم القضاة في القضايا الجنائية يستند الى أدلة وبينات قاطعة. ويصدر الحكم بالبراءة أو بالإدانة بحسب معايير واضحة ومحددة تقطع الطريق أمام انحياز القاضي الى آرائه الشخصية. وعلى خلاف القضايا الجنائية، يحتكم القاضي الى آرائه الشخصية في حظر الأحزاب، وليس الى الأدلة والبينات البائنة. فقضية حظر حزب ما هي قضية سياسية غير جنائية. وبحسب معايير الاتحاد الأوروبي، يجوز حل حزب سياسي في حال واحدة هي ضلوعه في أعمال عنف أو إرهاب. ولا يُحظر حزب سياسي أو يحاكم بسبب إدلاء قادته بتصريحات يخالف مضمونها الدستور. وتشوب القانون التركي معايير غير واضحة وملتبسة، ومفاهيم غامضة مثل تحول الحزب الى بؤرة معاداة العلمانية. وهذا المفهوم هو وراء حظر الأحزاب السياسية بتركيا. ولكن ما المقصود بالتحول الى بؤرة أعمال تناوئ العلمانية، وما هي شروط التحول الى مثل هذه البؤرة و ما هي الأعمال المنافية للعلمانية؟ والإجابة غامضة وملتبسة. وعليه، يفقد تقديم المدعي العام عريضةً من 135 صفحة تعرض تصريحات قيادات الحزب الحاكم، أهميته، شأن عريضة دفاع وكلاء الحزب الحاكم. فالبت في هذه القضية هو رهن مزاج القاضي وقناعاته. فإذا توصل القضاة الأحد عشر الى قناعة بأن"حزب العدالة والتنمية"يخرج على النظام العلماني، أمروا بحله. ولكن ما الحكم في هذه الدعوى، في حال أحيل عدد من القضاة على التقاعد، وحل قضاة آخرون يؤيدون الحزب الحاكم محلهم؟ وجليّ أن قضايا حظر الأحزاب بتركيا اعتباطية تخضع لرأي القاضي السياسي. ومعظم قضاة المحكمة الدستورية لم يمارسوا القضاء في المحاكم. فهم بلغوا مناصبهم من طريق السياسة وعالمها. فهل هذه هي الديموقراطية التي نريدها؟ وهل يكون فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية على هذا المنوال؟ ففي حال اضطررنا الى محاكمة حزب ما، علينا الادعاء عليه جزائياً إذا ارتكب تجاوزات مالية أو تورط في أعمال العنف. فالمحاكمات السياسية غير قانونية. عن عصمت بيركاند،"راديكال"التركية، 30/6/2008