- ابني يبلغ من العمر سنة ونيفاً، بعد فطامه بدأ يعاني الإسهال المتكرر ذي الرائحة الكريهة. عرضته على الطبيب فوصف له بعض الأدوية لكنه لم يجد كبير فائدة منها. راجعت الطبيب مرة أخرى فطلب أجراء فحوص مخبرية، وبعد قراءتها ملياً طلب مني وضع ابني في نظام غذائي خال من الغلوتين، وبالفعل تحسن كثيراً من هذه الحمية، وفهمت منه انه يجب الاستمرار عليها مدى العمر لأن طفلي يعاني مرضاً سماه الداء الزلاقي. - أنا فتاة في الخامسة والعشرين من العمر لدي أخوان توأمان تمنعهما أمي من تناول الخبز العادي وتعطيهما عوضاً عنه خبزاً مصنوعاً من الذرة. والدتي تقول انه في حال السماح لأخوتي بتناول الخبز والقمح فإنهما لن يطولا. فهمت منها انهما يعانيان من التحسس على الغلوتين الموجود في القمح. الداء الزلاقي، مرض التحسس على الغلوتين، عدم تحمل الغلوتين، مرض التحسس على القمح، إسهال سيلياك، داء سوء الامتصاص المعوي... كلها مسميات كثيرة لمرض واحد، فما هي حكاية هذا الداء؟ في الواقع هناك نظريتان لتفسير آلية حدوث هذا الداء: النظرية الأولى تقول ان الداء الزلاقي هو نوع من فرط الحساسية للأمعاء الدقيقة تجاه بروتين الغلوتين الموجود في حبوب القمح والشعير والشوفان والشيلم والمشتقات الحاوية عليها. المعروف ان بطانة الأمعاء من الداخل مغطاة بملايين من النتوءات المجهرية التي تشبه الأصابع ويطلق عليها في الوسط العلمي اسم الزغابات المعوية، مهمتها امتصاص العناصر الآتية من الطعام والشراب، وما يحدث في الداء الزلاقي هو ارتكاس مناعي غير عادي في تلك الزغابات حيال بروتين الغلوتين فتكون النتيجة حصول رشاحة التهابية عنيفة في هذه الزغابات فتصاب بالأذى والتهتك والضمور والتسطح ولا تعود قادرة على القيام بعملها، أي امتصاص العناصر الغذائية الأساسية اللازمة للنمو والبناء والإصلاح. أما النظرية الثانية فتفسر الداء الزلاقي بغياب انزيم خميرة ينتمي الى عائلة"البيبتيداز"من الغشاء المخاطي المبطن للأمعاء الأمر الذي يقود الى تكدس بروتين الغلوتين بسبب عدم إمكان استقلابه فتحصل الأذية في مخاطية الأمعاء. هذا في ما يتعلق بآلية حدوث الداء الزلاقي، أما عن السبب المفضي إليه فما زال يغط في بحر المجهول، ولكن هناك شكوك تحوم حول عوامل وراثية متورطة في القضية، وما يرجح هذه الفكرة هو مشاهدة المرض في بعض العوائل أكثر من غيرها إذ ان المرض شوهد لدى أقارب الدرجة الأولى الأب، الأم، الأخ أو الأخت بنسبة تقارب 10 الى 15 في المئة وبنسبة 30 في المئة عند التوائم. والمرض منتشر في جميع أنحاء العالم وهو يعتبر المرض الوراثي الأكثر انتشاراً في الدول الغربية. مظاهر مرض الداء الزلاقي؟ ليست هناك عوارض وعلامات للداء الزلاقي في حد ذاته، والمظاهر السريرية المصاحبة يمكن ان نراها في أمراض أخرى مثل اعتلال الأمعاء المناعي الذاتي وعدم تحمل البروتينات والتهاب الأمعاء الدقيقة الحاد ومتلازمة الأمعاء المتهيجة وعدم تحمل سكر اللاكتوز ومرض"كرون ولمفوما"الأمعاء وغيرها. ثم ان المظاهر في حد ذاتها تختلف من مريض الى آخر بحسب الجزء المصاب من الأمعاء الدقيقة، غير ان أكثر المناطق تعرضاً للداء هي الاثنا عشرية وبداية الصائم. ويصيب الداء عادة الأطفال في عمر السنة الى 3 سنوات. وحكاية الداء تنطلق عند بدء تناولهم للأطعمة الحاوية على الغلوتين كالخبز وغيره، ولكن في بعض الحالات لا تكشف الإصابة في أعمار متقدمة. بعد إدخال القمح ورفاقه الى طعام الطفل تتسارع وتيرة ظهور العوارض وهي قد تخف لاحقاً لتختفي مع البلوغ لكنها تعاود الكرة في أعمار متقدمة. وفي حالات قليلة قد يطاول الداء كبار السن. وفي شكل عام يمكن إجمال المظاهر السريرية للداء الزلاقي كما يأتي: المظاهر الهضمية: - الإسهال المتكرر قد يصل الى 30 مرة في اليوم بسبب نقص الأملاح وقصور غدة البانكرياس، ويكون الإسهال كريه الرائحة مائياً أو دهنياً. وفي الإصابات الخفيفة من الداء قد يتناوب الإسهال مع الإمساك. - الغثيان والتقيؤات وآلام البطن الشديدة، وهذه قليلة الحدوث نوعاً ما. - انتفاخ البطن. - نقص الوزن، ويلاحظ هذا العارض في الإصابات الشديدة من الداء الزلاقي، وهو لا يشاهد إطلاقاً في الحالات الخفيفة من المرض وكذلك عندما يلتهم المصاب كميات كبيرة من الطعام. المظاهر خارج الهضمية : - فقر الدم الذي يحدث لأسباب بينها نقص الفيتامين حامض الفوليك، أو نقص الحديد، أو نقص الفيتامين ب 12. - الضعف والتعب والخمول والشعور بقلة الحيل. - نقص نشاط الطحال ويشاهد عند البالغين في 50 في المئة من الحالات، ويترافق مع زيادة عدد الصفيحات الدموية وزيادة عدد الكريات الحمراء الهرمة. - هشاشة الهيكل العظمي بسبب قلة امتصاص الكلس والفيتامين د اللذين يمثلان ركيزة الثروة العظمية. ويتظاهر بآلام أسفل الظهر وفي الحوض والقفص الصدري. - الضمور العضلي العصبي الناتج من سوء امتصاص العناصر الغذائية، خصوصاً البروتينات والمعادن والفيتامينات. ويعاني المريض من الوهن والتكزز والاختلاجات والخدر والتنميل في الأطراف. - فرط نشاط جارات الغدة الدرقية الثانوي بسبب نقص الكلس. - تأخر العادة الشهرية والنزوف التناسلية والعقم عند النساء، والعقم والضعف الجنسي لدى الرجال. - مظاهر جلدية مثل الكدمات والتورمات والتهاب الجلد وتشقق زوايا الفم. - التهاب اللسان ونقص حليمات الذوق وقلاع الفم. يتم تشخيص الداء الزلاقي بناء على المظاهر المذكورة بدعم من الفحوصات المخبرية الدموية ونتائج الخزعات النسيجية التي تؤخذ من أكثر من موضع في الأمعاء الدقيقة، ولا ننسى أن التحسن السريري الواضح بعد وضع المصاب على نظام غذائي يحذف منه الغلوتين يعتبر أحد المقومات الأساسية في التشخيص. ما هو علاج الداء الزلاقي؟ ليس هناك حتى الآن علاج يشفي من الداء الزلاقي، وببساطة نقول إن اللبنة الأساسية في المداواة هي في شطب الأغذية التي تحتوي على الغلوتين وذلك لمنع ظهور المرض ومظاهره المزعجة وبالتالي مضاعفاته وما أكثرها. ان تطبيق هذه النصيحة في شكل حازم ومن دون هوادة يسمح للمصاب ان يعيش حياة طبيعية تماماً، خصوصاً للأطفال لكي ينموا في شكل عادي من دون مشاكل ويطولوا كغيرهم. ان التحسن على الحمية الخالية من الغلوتين تكون عادة سريعة وفي أسابيع قليلة، أما التحسن النسيجي على مستوى الأمعاء فيلزمه بضعة أشهر تستعيد بعدها الزغابات المعوية عملها الطبيعي. ان الحمية الخالية من الغلوتين تطبق مدى الحياة، والتحسن لا يعني أبداً التوقف عن الحمية وإلا فإن المرض يعود من جديد. ان الغلوتين لا يوجد فقط في الأغذية مثل القمح والشوفان والشيلم والشعير ومشتقاتها مثل الخبز والكعك والبرغل والكسكس، بل قد يوجد في أماكن أخرى قد لا تخطر على البال مثل: 1- الأغذية المعلبة، من هنا يجب قراءة ما يوجد في محتوياتها للبحث عن وجود الغلوتين أو لا. 2- هناك بعض الأدوية التي يتم إدخال الغلوتين إليها، ويجب الحذر منها. اختتاماً، بإمكان المرضى بالداء الزلاقي أن يتناولوا الرز والبطاطا والخضروات والفواكه واللحوم من دون خوف. كما عليهم أن يتبعوا نظاماً غذائياً متوازناً يحتوي على كل الأنواع الغذائية المسموح بها بهدف إمداد الجسم بما يحتاجه من الصحة.